ترغب العديد من الأُسر في تربية طفل واثق بنفسه، وقد تُحبط في حال خجل طفلهم أو تردده وخوفه، والسؤال هنا: ما هي الثقة بالنفس؟ وهل يمكن غرس هذه السمة أم أنّها وراثية؟ وفي حال ضعفها.. هل يمكن تنميتها؟
تتكوَّن الشخصية الإنسانية من أقطاب متصلة من الصفات والسمات، وتتفاوت درجة وجود تلك الصفات في البشر؛ فالبعض في قطبي الانطواء والانفتاح نجده يميل نحو الانفتاح، والآخر نحو الانطواء، والغالبية تقع في المنتصف بين هذا وذاك، وهذا ينطبق على سمات الشخصية الأُخرى.
وعندما نشير إلى سمة الثقة بالنفس، فنحن بين قطب يمثّل قوّتها كالاستقلال والثقة باتّخاذ القرار والثقة بالنفس في المواقف الاجتماعية والتصميم والإرادة، وقطب آخر يمثّل ضعفها، كالتردّد والاعتمادية والانسحاب والخجل الاجتماعي. ولا شكّ في أنّ الثقة بالنفس سمة أساسية للنجاح في معظم ميادين الحياة العلمية والاجتماعية والمهنية، وكذلك هي اتجاه نحو الصحّة النفسية، بل هي مطلب أساس للتقدّم في عصرنا الحالي، عصر التقدّم والتنافسية.
تُعرف هذه السمة، وفق ما ورد في معجم أكسفورد، بأنّها إيمان الفرد واعتقاده بذاته وقدراته وقراراته وأحكامه. فالشخص الواثق بنفسه يحمل أفكاراً إيجابية عن نفسه وإمكاناته وقدراته على التصرُّف الفعّال في المواقف المختلفة، التي تنعكس إيجاباً على ردة فعله الواثقة بتلك المواقف.
هذه الأفكار تمثّل محركات أساسية لسلوكيات هذا الشخص، تبدأ تلك المُسلّمات الفكرية في التكون بمرحلة مبكرة من عمر الإنسان.
- البداية من الطفولة:
ولتربية طفل واثق بنفسه، لابدّ من الاهتمام بذلك في مرحلة مبكرة؛ فمعظم صفات الإنسان تتكوَّن في مرحلة الطفولة، وهذا ما اتّفق عليه معظم التحليليين وعلماء النمو وغيرهم.
وفي رحلة الحياة، يمر الإنسان بمراحل نمائية، متصلاً ببيئة اجتماعية يؤثّر بها ويتأثر، كما يحمل في داخله صفات جينية خاصّة ورثها من أسلافه.
مرحلة الطفولة هي أُولى مراحل تكوين الشخصية بشكل عامّ، والثقة بالنفس بشكلٍ خاصّ. تبدأ رحلة الحياة منذ ولادة الإنسان، فإذا كان الرضيع يشعر بالأمان نحو البيئة الملبية لحاجاته ومتطلباته الأُولى المتمثّلة بالرضاعة في الوقت المناسب من دون التأخر في ذلك، والنظافة، والوجود عند الألم، وإحاطة الطفل في سنواته الأُولى بالحبّ والأمن الأصيل غير المشروط، والتي تنعكس على شعور الطفل نحو البيئة المحيطة، فهي إذاً بيئة أمن وحبّ يستطيع إشباع حاجاته من خلالها، وينعكس هذا على ثقته بنفسه فيما بعد، بينما التأخر في تلبية الحاجة وسوء المعاملة والابتعاد عن الطفل ستُولد شكّاً وعدم ثقة بإمكان إشباع الحاجة. فعلاقة الطفل بوالديه أو بمانحي الرعاية لها تأثير على ثقة الطفل بنفسه فيما بعد، وهذا ما أشار إليه كلّ من إريك أريكسون وجون بولبي وكارن هورني وغيرهم.
وقد تتأثر ثقة الطفل بنفسه نتيجة لوجود نماذج غير واثقة محيطة به قد يكتسب تصرُّفاتها إزاء بعض المواقف، وهذا ما نقصد به التعلُّم بالملاحظة، فضلاً عن القيم والمبادئ التي تغرسها الأُسرة والمدرسة، وكذلك المواقف المختلفة والتجارب الشخصية التي يمرّ بها الشخص، أو يمرّ بها أحد المقربين في هذه الحياة، والتي قد تُشكِّل مُسلّمات وقواعد تفكير عميقة حول قدرة الفرد على مواجهة مواقف الحياة، التي تنعكس على سلوكه وشعوره.
وعلى سبيل المثال، الوالدان المتسلطان يغرسان بعض الأفكار السلبية في أذهان أبنائهما بعدم قدرتهما على اتّخاذ القرارات المناسبة، ممّا يولّد تردّداً وشكّاً لوجود أفكار سلبية حول الذات.
- انتبه لأفكارك:
يقلق الوالدان من عدم ثقة طفلهما أو ابنهما المراهق، إلّا أنّ هناك جانباً مضيئاً دوماً وطُرقاً مختلفة لتنمية هذه السمة.
وتختلف طُرق تنمية الثقة بالنفس باختلاف عمر الانسان، ففي مرحلة الطفولة يكون لتأثير الوالدين ومانحي الرعاية والبيئة القريبة بالغ الأثر على تكوينهما وتنميتهما، كما أشرنا سابقاً، فالعمل هنا لا يقتصر على الطفل، بل على بيئته القريبة.
وفي المراحل المتقدّمة من العمر، يمكن تنمية الثقة بمختلف الأساليب الإرشادية والنظرية، ويعد الاتجاه المعرفي السلوكي من الاتجاهات الحديثة التي أثبتت فاعليتها في تنمية هذه السمة وغيرها من السمات.
ويعتمد هذا الاتجاه على مبدأ الوعي المرتبط بالأفكار كمحركات أساسية لردود فعل الإنسان (ردود الفعل: شعورية، فسيولوجية، سلوكية). ومتى ما أدرك الفرد أفكاره غير الواقعية واستبدل أفكاراً واقعية بها، تغيّر سلوكه.
وغالباً ما تتمحور أفكار الأشخاص غير الواثقين بأنفُسهم حول العجز وعدم القدرة، وقد تكون هذه الفكرة غير واقعية، حيث إنّ إمكانات الشخص الحقيقية قد تؤهّله للقيام بهذا العمل، إلّا أنّ فكرته غير الواقعية عن نفسه قد تشلّ تقدّمه وتحرمه من عديد من الفرص.
ومن الأفكار غير الواقعية فكرة تتمحور على الخوف من نقد الآخرين وعدم الثقة بالعالم المحيط، هذه الفكرة غير واقعية، لأنّه لا أحد يعلم ما يدور في أذهان الآخرين.
تجدر الإشارة إلى أنّ تلك الأفكار قد تكون مُسلّمات لدى البعض نتيجة للغرس المبكر بعدم الإمكانية، ولتراكم خبرات فاشلة، ونتيجة للإرث الثقافي لدى بعض الثقافات، الذي يركّز على التحذير من الآخرين، وضرورة تجنّب النقد، ومراعاة العالَم الخارجي، ممّا يولّد خوفاً من النقد.
كما يمكن تنمية الثقة بالنفس بالحديث الإيجابي عن الذات والتركيز على نقاط القوّة، وعلى المواقف التي تم التصرُّف فيها بثقة.
ومن الضروري تحديد المواقف التي يشعر بها الطفل أو المراهق بعدم الثقة؛ فالثقة تتفاوت وتختلف باختلاف المواقف، فقد نجد البعض يثق بنفسه في المواقف الاجتماعية؛ ولكنّه لا يثق بنفسه في الأكاديمية أو التي تتطلّب اتّخاذ القرار.
فلابدّ هنا من تحديد المواقف التي يشعر فيها الشخص بعدم الثقة بالنفس، ومن ثمّ يتم النظر إلى مهارته الحقيقية، فإذا كانت مهارته جيِّدة يتم تقييم أفكاره، ومن ثمّ تغييرها بشكل واقعي. أمّا في حال عدم وجود المهارة، فيتم عمل خطّة معيّنة لاكتساب هذه المهارة مع فريق مختص، إذ قد لا يثق الشخص بنفسه عند القراءة، لأنّه لم يتعلّمها بشكل مناسب بعد. أمّا إذا كان يجيدها فعلاً ولكنّه لا يثق بنفسه، فسنجده لا يقرأ منفرداً ولا يقرأ قراءة جهورية، ويظنّ أنّه غير قادر على ذلك، وهنا يتعيّن تصحيح أفكاره عن نفسه وتحفيز سلوكه حول القراءة.
* الكاتب: أنوار عبدالله بوكبر
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق