◄سواء أكان في العمل أم في الحياة الخاصة، ثمّة مَن يُريدون احتكار المرتبة الأولى، ومركز القيادة. وهم على استعداد لفعل أي شيء حتى يصلوا إلى ذلك ولكنهم، مهما حققوا من نجاح فإنّهم لا يكتفون. فلماذا كلّ هذا الهوس بالتفوق؟
"جعل مجتمعنا الحالي من التفوق في الأداء قيمة مسيطرة جدّاً"، هذا ما يقوله عالم الاجتماع آلان إيرينبيرغ، يضيف: "لم يعد تصدّر المرتبة الأولى في العمل أو في البيت، أو أن يصبح المرء نجماً أو زعيماً مجرد حلم لدى الناس، بل أصبح واجباً على كلّ واحد يسعى بكل جهده ويكرس كلّ وقته لكي يحققه". المؤسف، هو أن هذا ليس دائماً أمراً إيجابياً. صحيح أن هذه الإرادة في تحقيق النصر هي محرك قوي، لأنّها تعطي الرغبة في التقدم والتطور، إلا أنها أيضاً أصبحت مصدراً للاكتئاب، وهو ما يحدث عندما يجد الفرد أنّه، على الرغم من كلّ الجهود الكبيرة التي يبذلها، لم يصل إلى النجاح الذي يريده، فيشعر بالخزي والانهيار النرجسي.
- الطفل الأناني:
تضخُّم الأنا ودناءة تجاه الآخرين والتعطّش إلى نظرة الإعجاب وانعدام تفهم مشاكل الآخرين، هي أبرز الخصال التي يتسم بها الأشخاص النرجسيون. وحسب المحللين النفسيين، فإنّ الملامح الأولى لهذا النوع من الشخصيات تُرسم في مرحلة الطفولة. ففي المراحل الأولى من حياة الإنسان، يكون للطفل هم واحد هو: كيف يفوز بكل حب والديه وحده دون غيره، وبمقدار ثقة الإنسان بحُب والديه له تُبنى الشخصية النرجسية. لهذا، فإنّ الثقة بالنفس أمر مهم لكي نتقدم إلى الأمام، ونجد مكاننا بين الآخرين.
وحسب قول المحلل النفسي فيليب غريمبير، "الحب الأبوي هو شيء نرتفع به مدى الحياة، لكن عندما يرفعنا هذا الحب إلى مستوى عالٍ جدّاً، فهذا يمكن أن يُولّد لدى المرء اقتناعاً بأنّ العالم كله ملقى عند قدميه". وهذه المبالغة في الحب، هي التي تتجلّى في المنافسة الشرسة التي يُظهرها البعض لكي يستأثروا لوحدهم بالقمة أو المرتبة الأولى دائماً.
ويعتقد الطفل الذي يقول له والداه إنّه الأقوى، والأجمل والأذكى، أن هويته لا يمكن أن تتحدد إلّا إذا ارتبطت بأسماء التفضيل على وزن "الأفعل". وأن يصل إلى القمة ولا يبقى فيها يعتبر أنّه يواجه خطر فقدان هذا الاعتراف الأبوي، الذي سيصبح لاحقاً، الاعتراف المجتمعي بتفوقه.
- المفضل:
يمكن أن يؤدي الشعور بفقدان الحب أيضاً إلى زعزعة بناء الشخصية النرجسية. يقول الأخصائي فيليب غريمبير: طلب الطفل الصغير الحب لا حدود له، إنّه لا يكتفي بأن يكون محبوباً، بل إنّه يريد أن يكون المفضل لدى والديه. وهذه رغبة من الصعب إرضاؤها، خاصة عندما يكون على الوالدين أن يقسما حبهما على مجموعة من الأطفال.
هذه الغيرة تطال الجميع، ولا تستثني أحداً، فالطفل الأكبر يقول إنّ الطفل الأصغر يستفيد من كلّ الامتيازات والحب الأبوي، والطفل الأصغر يقول إن أخاه أو أخته الأكبر هما من ينعمان بكل الحب، وواسطة العقد لا يعرف أين موقعه من حب والديه بين الطفلين الأكبر والأصغر، وهكذا دواليك. لكن إذا كان الوالدان يقسمان حنانهما بالتساوي على كل الأطفال، فإنّ الأمر سينتهي بأن كلّ واحد من الأطفال سوف يعترف بالامتيازات التي يحظى بها داخل الأسرة، وسيجد مكانه وسط العائلة، وستختفي أنانيته بينما سيظهر حنانه.
وعلى الأقل ظاهرياً، وبلاوعي، يمكن للفرد أن يشعر بأنّه جُرد من مكانته كقائد. ولأنّه فشل في استعادة تلك المكانة في قلب والديه، فإنّه يفعل كل ما في وسعه لكي يستعيدها في المجتمع، يقول فيليب غريمبير: "وفقط لأن هذه المشكلة تطرح في فترة الطفولة، فإنّه لا يمكن حلها هكذا بعد أن يصبح بالغاً. ومن هنا، تأتي معاناة أولئك الذين يخوضون بحثاً دائماً عن النجاح، وحتى عندما يصلون إلى القمة فهم لا يشعرون أبداً بالاكتفاء والرضا".
- ركّز على أهدافك:
لشدة ما يتعب المرء ويلهث بحثاً عن المرتبة الأولى في كل شيء، ينتهي به الأمر إلى أن ينسى أولوياته. ننسى ما هي أهدافنا وننسى ما الذي سيجرّه علينا ذلك؟ مثل هذه الأسئلة ينبغي أن تمكننا من التمييز بين الهدف المزيف، الذي تدفعنا إليه نرجسيتنا، والهدف الحقيقي الذي يجب أن يفرضه منطق الطموح.
- تقدَّم بشكل منطقي:
الساعون إلى التفوق هم أشخاص يتحركون بدافع من عواطفهم، أكثر مما يتحركون بدافع من عقولهم. وحتى لا يستسلم المرء لتعطشه للانتصار، عليه أن يضع برنامجاً يوضح فيه جيِّداً كل مرحلة من المراحل الضرورية لنجاحه.
- تلذذ بانتصارك:
ما يلبث الشخص الطامح إلى القيادة أن يحقق نجاحاً حتى يبدأ في البحث عن نجاح آخر يحققه. وهكذا فهو في حالة من اللهاث المتواصل وراء النجاح والصدارة. فكيف يمكنه الخروج من هذه الحلقة المفرغة؟ إذا كنت من هذا النوع من الناس فعليك في البداية أن تدرك كم هي كبيرة الجهود التي تبذلها في سبيل ذلك. اقرئ مثلاً من مذكرتك برنامجك اليومي خلال الأسابيع الماضية وكيف صرفت وقتك. ثانياً، هنئ نفسك على كل نجاح تحقّقه وكافئها بأن تشتري لنفسك هدية أو أن تذهب في إجازة. والهدف من كل هذا هو أن تتعلم كيف تستمتع بطعم نجاحك وتكتسب الثقة بنفسك.
- في حال الفشل:
عليك أن تحلل أسباب الفشل، بحيث تواجه حالة الاكتئاب بشكل عقلاني ومنطقي. فتسأل نفسك: "هل كان في الإمكان أن أتصرف بشكل أفضل؟". إذا كان الجواب هو نعم، فلماذا لا تحدد لنفسك أجلاً زمنياً لكي تحاول فيه مرّة أخرى بعد هذه المحاولة الفاشلة، وأن تنقل حاجتك إلى النجاح نحو هدف قابل أكثر للتحقق على أرض الواقع؟►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق