في مقالة سابقة لي في شهر رمضان الفائت وكانت تحت عنوان (رمضان شهر تصحيح المسار)، والتي تناولت فيها أنّ هذا الشهر الفضيل هو مدرسة تربوية ودورة تدريبية لتهذيب النفس وصقل الإيمان وفرصة لنتعرّف فيها على أخطاءنا ونقوّم سلوكنا ونغيّر من حياتنا، حتى تتحقّق لنا الحكمة من الصيام ألا وهي تقوى الله عزّوجلّ.
ونحن أحوج ما نكون في هذه الأيّام العصيبة والتي تخيم بظلالها الثقيلة لا علينا فحسب بل على العالم بأسره، إلى أن نغتنم الأيّام الفضيلة في تحويل هذه المحنة إلى منحة وجعلها أداة من أدوات تفريغ الطاقة السلبية التي ترافق أي أزمة نمر بها، وما يصحبها من مشاكل نفسية على الصعيد الفردي من اكتئاب وملل وضيق شديد من كثرة الفراغ والأخبار الغير سارة فضلاً عن قلة الحركة والخروج .
ومشاكل أُسرية نتيجة ضيق الأرزاق للبعض منّا، وتوقف الأعمال والوظائف، وارتفاع معدل العنف الأُسري نتيجة أنّ الكثيرين أُجبروا على المكوث في المنازل، وما كانت تحمله قلوبهم من مشاحنات كانت الحياة العادية تصرفها بخروج الأفراد من البيت.
فضلاً عن الضغوطات الاقتصادية بسبب تعطّل عجلة الحياة والاقتصاد وإنفاق الدولة كميات كبيرة من الاحتياط في ظل التكلفة المادّية لهذه الأزمة .
فيجب علينا أن ندرك أنّنا مقبلين على مرحلة جديدة من أسلوب حياة ومجريات أحداث على المستوى الأفراد والجماعات، فهي مرحلة بحاجة إلى الصبر والتعايش للتأقلم مع المستجدات القادمة .
فباغتنام شهر رمضان ونفحاته الإيمانية وسط ما سبق من ظلام لمداواة أمراضنا وصعوباتنا، بما ينزله على قلوبنا من سكينة كافية نستطيع قتل الملل والإحساس بالضغوط النفسية من خلال ملء الوقت بالصلاة وقراءة القرآن، وبالتالي تخف حدّة المشاكل العائلية بتقرّبنا من أبنائنا بقيام صلاة الجماعة في البيت وانتظار موعد الإفطار وفرحته، مصداقاً لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربّه»، وكذلك شغل أوقات فراغنا بالتقرُّب منهم والتعرُّف على ما يعانون منه من هموم ومشكلات والبحث عن حلول لها.
هذا إضافة إلى إحساسنا بالجوع وشعورنا بالآخر ومساهمتنا في عمل الخير والعمل التطوعي خاصّة في هذه الفترة التي تحتاج بها العديد من الأُسر والعائلات إلى المساعدة .. فالصوم والعبادة والعمل الصالح أفضل علاج للتصالح مع النفس والآخرين، هذا ولا مانع من استغلال ما تبقى من وقت في قراءة كتاب مفيد وتعلُّم مهارة جديدة ومزاولة هواية .
إنّ ما حملته لنا هذه الأزمة من وقت كثير في يومنا، جعلنا بحاجة إلى وقفة مع ذواتنا وجرد لحساباتنا وبداية جديدة مع أنفُسنا، لنتبيّن مسارنا والطريق الصحيح ..لقد آن الأوان لذلك، ولسنا بحاجة للمزيد من الوقت لتصحيح مسار حياتنا ونعيد ترتيب أولوياتنا!
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق