• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السفر.. متعة للجسم والروح

السفر.. متعة للجسم والروح
◄بين حين وآخر يحتاج الإنسان إلى أن يغيّر المحيط الذي يعيش فيه، لأنّ روحه تتعب من الصور المتكرّرة، والوجوه المتكرّرة، والظروف المتكرّرة، ويتوق إلى تغيير نمط حياته، ومحيطه الذي يكتنفه. ولهذا كان السفر ضرورياً ففيه خروج عن الروتين، وتبديل لما اعتاد عليه.

إنّ أحدنا قد يضجر حتى من أقرب الناس الذين يتعامل معهم، وهو لذلك بحاجة إلى الابتعاد المؤقت عنهم، ليعود إليهم أكثر شوقاً من ذي قبل.

وهكذا فإنّ في السفر متعة للجسم والروح.

إنّ في السفر – كما يقول الإمام عليّ (ع) – خمس فوائد:

أوّلاً: التفريج عن الهم.

ثانياً: الاكتساب للمعاش.

ثالثاً: التحصيل للعلم.

رابعاً: المعرفة للآداب والعادات والتقاليد.

خامساً: الاصطحاب للأماجد.

فسافِر ففي الأسفار خمس فوائدِ

تفرج همّ واكتساب معيشةٍ وعلمٍ وآدابُ صحبة ماجد

يقول رسول الله (ص): "سافروا تصحّوا، وتغنموا، وتُرزقوا".

وفي التأريخ قلّ أن نجد عظيماً لم يسافر، فالأنبياء كانوا يهاجرون، ولربما كان بعضهم يقضي جلّ عمره في الأسفار.

وربّنا تعالى يطالبنا بالسير في الأرض حيث يقول: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج/ 46).

ويقول: (قُل سيروا في الأرضِ فانظُرُوا...) (العنكبوت/ 20).

ويقول: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ...) (الروم/ 9).

إنّ السفر سياحة وصحّة، بالإضافة إلى أنّه تعليم وتنمية، ولذلك جاء في الحديث الشريف: "سيحوا في الأرض، فإنّ الماء إذا ساح طاب، وإذا وقف تغيّر واصفر".

ولكن يأتي السفر ترويحاً عن النفس، ومتعة للعقل والروح، فلابدّ من اتباع الخطوات الآتية:

 

أوّلاً: انتخب صديق السفر:

فالإنسان يحتاج في سفره إلى من يتبادل معه المشاعر والأحاسيس، ويشاركه في تحمل أعباء السفر، ويكون له عوناً في الحالات الطارئة.

فكم من أشخاص أصيبوا بالموت، أو عاهة دائمة، أو جرحوا، لأنّهم كانوا وحيدين في أسفارهم، ولو كان معهم شخص آخر فلربما لم يصابوا بشيء؟

ولابدّ أن يكون صديق السفر ممن ترتاح إليه ويرتاح إليك.

يقول الإمام عليّ (ع): "لا تصحبن في سفرك من لا يرى لك الفضل عليه، كما ترى له الفضل عليك".

وفي حديث آخر: "سَلْ عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار".

 

ثانياً: خذ معك ما تحتاج إليه مما يخفّ وزنه ويسهل حمله:

انتخب بعناية ما يمكن أن تحتاج إليه في سفرك، فلربّ شيء صغير، كالإبرة والخيط، يحلّ لك مشكلة كبيرة في السفر.

يقول لقمان الحكيم لولده: "يا بني، سافر بإبرتك، وخيوطك ومخرزك، وتزوّد معك الأدوية، تنتفع بها أنت ومَن معك، وكن لأصحابك موافقاً إلّا في معصية الله تعالى".

 

ثالثاً: خذ معك مبلغاً من المال يزيد عن حاجتك:

فالمصاريف ليست كلّها منظورة، فلربما تحتاج إلى المال أكثر مما كنت تتوقع، ومن الأفضل أن تحتاط بأخذ أكثر مما تظن أنّك تحتاج إليه.

يقول الحديث الشريف: "المروّة في السفر كثرة الزاد".

 

رابعاً: اختر سفرة ترضي الجميع:

إنّك قد تحتاج إلى سفرة زاخرة بالحركة، في الوقت الذي تكون زوجتك تتطلع إلى الهدوء، وأولادك يريدون حفزاً مستمراً.

خذ في الاعتبار حاجات كلّ واحد منهم، وأشركهم في عملية التخطيط، وقد تحتاج إلى مراعاة رأي الأكثرية منهم.

 

خامساً: استعد للحوادث غير المتوقّعة:

كن واقعياً، ولا تنتظر سفراً بلا مشاكل، فقديماً قيل: "السفر قطعة من العذاب".

فقد يتعرّض ولدك لضربة الشمس، وقد يتخاصم الأولاد، وقد تضيّع محفظة نقودك، وقد تضيّع زوجتك الطريق، وقد تتعرّض للسرقة، فتلك أمور طبيعية في السفر.

استعد للحوادث غير المتوقّعة، وإلّا فإنّك تتّجه نحو خيبة الأمل.

 

سادساً: وضّب الحقائب باكراً:

لا تترك كلّ شيء لآخر لحظة، فالأيام الأخيرة تكون عادة محشورة بشكل لا يطاق، ومن الأفضل أن ترتب أمورك مبكراً، حتى تكون الانطلاقة متفائلة.

 

سابعاً: اترك الأعمال جانباً:

لتكن سفرتك من أجل الترويح، بعيدة عن الأعمال الروتينية، وقاوم رغبتك الملحّة في اصطحاب حقيبة العمل معك في السفر.

 

ثامناً: تمتع بينابيع الحياة:

إنّ التمتّع بجمال الحياة التي خلقها الله تعالى حقّ من حقوقك، كما أنّه ضروري لضمان رفاهيتك العاطفية. خطّط لنزهة على الشاطئ تتمتع فيها بالنظر إلى البحر الذي فيه عجائب الله، وبدائع الخلق، أو خطّط لنزهة في الغابة، أو تمتّع بتسلق الجبال.

إنّ الطبيعة توحي للإنسان بالراحة، وتمتص منه التوتّر، فأعطِ لنفسك فرصة لذلك.

 

تاسعاً: أعطِ الصدقة قبل سفرك:

إنّ أخطار السفر كثيرة، فتجنّبها بالصدقة قبله.

يقول الحديث الشريف: "افتتح سفرك بالصدقة، فإنّك تشتري سلامة سفرك".

"فالصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أبرم إبراماً، ولا يذهب بالأدواء إلّا الصدقة".

 

عاشراً: أدِّ ما عليك من واجبات العبادة، ولا تنسَ ذكر الله:

ليس السفر عذراً لترك الواجبات، ولقد كان ربّنا رحيماً بنا حينما وضع عنّا الصوم فيه، وقصّر لنا في واجب الصلاة في الأسفار، فلا يصحّ بعد ذلك أن يتهاون أحدنا في السفر بواجباته.

يقول الحديث الشريف: "لا يخرج أحدكم في سفر يخاف فيه على دينه وصلاته".

 

حادي عشر: اكتسب صديقاً في كلّ مكان:

يمكنك كسب صديق في كلّ مكان تذهب إليه، ولا يهمّ موقعه الاجتماعي، فقد يكون موظفاً في شركة طيران، أو صاحب حانوت صغير، أو عاملاً في فندق.

فأبناء البلاد ينفعونك جدّاً في مختلف المجالات، ولربما يمنعون عنك الكثير من الخسائر.

 

ثاني عشر: تعامل مع رفاق السفر برفق وكرم:

وذلك يتطلب خمسة أمور:

1-  أن لا تقوم بأمر من دون أخذ رأيهم فيه.

2-  أن تكون متعاوناً معهم في أمورهم.

3-  أن تحافظ على روح المرح معهم.

4-  أن تنفق عليهم إذا احتاجوا إلى ذلك.

5-  أن لا تبوح بأسرارهم.

يقول الحديث الشريف: "المروّة في السفر: كثرة الزاد وطيبه، وبذله لمن كان معك، وكتمانك على القوم سرّهم بعد مفارقتك إياهم، وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عزّ وجلّ".

يقول لقمان لابنه: "إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمرهم. وأكثر التبسّم في وجوههم. كن كريماً على زادك بينهم. وإذا دعوك فأجبهم، إذا استعانوك فأعنهم. وأغلبهم بثلاث: طول الصمت، وكثرة الصلاة، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو مال أو زاد. وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك. وإذا رأيت أصحابك يمشون فامشِ معهم. وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم. وإذا تصدّقوا وأعطوا قرضاً فاعطِ معهم. واسمع ممّن هو أكبر منك سنّاً".

المهم أن تكون مع رفاقك كأحدهم، وأن تكون خفيف الدّم، وتجنّب أن تكون "كلّاً" عليهم، وقد روي عن رسول الله (ص)، أنّه أمر أصحابه بذبح شاة في سفر، فقال رجل من القوم: "عليّ ذبحها، وقال الآخر: عليّ سلخها، وقال آخر: عليّ قطعها، وقال آخر: عليّ طبخها، فقال رسول الله (ص): "عليّ أن ألقط لكم الحطب!" فقالوا: يا رسول الله لا تتعبنّ بآبائنا وأُمّهاتنا أنت، نحن نكفيك؟! فقال (ص): "عرفت أنّكم تكفوني، ولكن الله – عزّ وجلّ – يكره من عبد إذا كان مع أصحابه أن ينفرد من بينهم"، فقام يلقط الحطب لهم.►

 

المصدر: كتاب كيف تمارس الترويح عن نفسك؟

ارسال التعليق

Top