• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شباب لا يستغنون عن هواتفهم أبداً

شباب لا يستغنون عن هواتفهم أبداً

◄يتوتّرون ويضطربون ويشعرون بالضياع إذا غابت عن ناظريهم، عاداتهم دخلت نسيج حياتهم اليومية، فبات الاستغناء عنها أمراً شبه مستحيل، وصار تلازم الأغراض مع نمط الحياة، أمراً لا مفر منه. ومن دونه، لا طعم لليوم، ولا لون ولا رائحة! كثيرون يرون أنّ التعوّد على ملازمة شيء ما، يخلق توأمه بالروح، وكيمياء بين الجماد والإنسان.. وآخرون يرون أنّ الحاجة إلى الشيء تدخله سياق العادة.. وبين الأمرين، شباب اعتادوا حمل أغراض شخصية يومياً، لا يمكنهم الاستغناء عنها، لأن استبعادها أشبه بكابوس، ويثير التوتر والاضطراب إلى حدود إرباك كل المحيطين بهاتف نُسي في المنزل، أو مفتاح ضاع بين الأغراض، أو حقيبة ابتعدت قسراً عن كتف صاحبتها.. أو سلسلة أصبحت تعويذة في عنق أحدهم، يعتقد صاحبها أنّ الاستغناء عنها يجلب الحظ السيِّئ.

في هذا التحقيق، الذي تناول سؤالاً موضوعياً "ما الشيء الذي لا يمكنك الاستغناء عنه؟"، نحاول الإضاءة على عادات ارتبطت بأصحابها، وأغراض لازمتهم لا يمكنهم الاستغناء عنها، تحوّل السؤال إلى استفتاء قصير، شارك فيه طلبة جامعيون وإعلاميون.. وتبيّن، بعد تحليل النتائج، أن معظم الشباب لا يستغنون عن هاتفهم المحمول، فيما يأتي مفتاح المنزل في المرتبة الثانية، والحقيبة التي تضم الأغراض في المرتبة الثالثة.

    

- موبايل الشباب:

لا يستغني مُحسن علي عن هاتفه الخلوي، فهو إذا ما نسيه في المنزل يعود أدراجه لإحضاره، حتى لو كان طريق العودة طويلاً جدّاً. يقول: "من دون هاتفي، أكون مثل الضائع، حيث يتعذّر عليّ التواصل مع أحد، خصوصاً أنني طوال الوقت أحمل الهاتف، وأتواصل مع الأصدقاء".

برأيه صار الهاتف الخلوي "جزءاً من أساسيات الحياة، بل أكثرها ضرورة وأهمية، عدا عن أنني اعتدت التواصل عبره والضغط على أزراره".

    

 - سكرتير الأعمال:

المؤكد أن معظم الشباب لا يستغنون عن الهاتف الخلوي، شأنهم شأن العاملين في المهن الإعلامية الذين يؤكدون ضرورة امتلاك هذا الجهاز، وعدم القدرة على الاستغناء عنه بتاتاً.

وحجة العاملين في مهن الإعلام والفن هي "طبيعة العمل تتطلب جهوزية الهاتف الخلوي على الدوام، وعدم نسيانه لكونه المكتب المتنقل، وسكرتير الأعمال، وحافظ الأسرار، عدا عن أنه يحتوي على جميع أرقام الأشخاص الذين نتعاون معهم".

في هذا الصدد، تقول مستشارة الصورة زينة: "لا يمكن الاستغناء عن الهاتف الخلوي، لما يمثله من ضرورة حيوية لإنجاز الأعمال، من غير أن ننفي الحاجة الدائمة إلى مفاتيح المنزل والمكتب أيضاً، والحقيبة التي تحملها كلّ فتاة"، مشيرة إلى أن ضياع الموبايل "يثير الارتباك والتوتر". وتضيف: "حين نسيت الموبايل مرّةً في أحد المتاجر، أصبت باضطراب وعدت بسرعة بالغة في المتجر حيث وجدته بين الثياب الموضوعية على الطاولة، وتلك الحادثة من الحوادث النادرة التي حصلت معي، لأنني لا أستغني عن الموبايل، وأتفقده كلّ لحظة، وأستخدمه كثيراً، كما أنّه يتضمّن كلّ الأرقام التي أتواصل بها مع الناس".

بدورها، تؤكد الإعلامية ريتا حرب أنّ الموبايل "يتصدّر قائمة أساسيات الحياة ولا يمكن نسيانه أو الاستغناء عنه، لأنّه يسهل الأعمال بما يتخطى الإنترنت والذي قد لا يستغني عنه كثيرون"، مشيرة إلى أنّها تعود أدراجها لإحضار الموبايل إذا نسيته في المنزل.

    

- اهتمام على قدر الحاجة:

الموبايل، احتل قائمة أوليات الشباب الذين خضعوا للاستفتاء في هذا التحقيق، لتأتي الأغراض الأخرى أقل شأناً من الهاتف بالنسبة للشباب. وإذا كانت إجابات العاملين تحت الضوء تؤكد أنّ الموبايل هو الأساسي من دون منازع، فإنّ الشباب تراوحت إجاباتهم بين الموبايل وتفاصيل أخرى متعلقة بحياتهم، ما يشير إلى أنّ المهنة وضروراتها تلزم بعض الأشخاص بعادات واحتياجات، بينما يحتاج آخرون إلى أغراض أخرى.

الطالبة الجامعية ترى أنّ الاستغناء عن الهاتف الخلوي "طبيعي"، ويعيدها إلى تجربة إقفال الهاتف حين لا ترغب في الحديث مع أحد، لكن الشيء الذي لا تستغني عنه "هو علاقة المفاتيح التي تحتوي على مفاتيح المنزل والخزانة الشخصية، ومن دونها لا يمكن العودة إلى البيت"، مشيرة إلى أنّها تحافظ على علاقة المفاتيح "برموش العين"!

لكن فضل (23 عاماً) له وجهة نظره المختلفة، إذ يعتبر أنّ الهاتف "ليس أساسياً بقدر أشياء أخرى، مثل محفظة الجيب التي أحملها، لكونها تحتوي على بطاقة الهوية، والبطاقة الجامعية، فضلاً عن الأوراق الثبوتية الأخرى، وبطاقة الائتمان والمصروف اليومي"، مشيراً إلى أنّ الهاتف الخلوي "يمكن الاستغناء عنه لساعات، وباستطاعة الشخص، إذا كان مضطراً أن يجري مكالمة هاتفية مع من يريد، من أي هاتف عمومي".

    

- تعويذة حظّ:

الحاجة لا تمثل دائماً أولية بالنسبة للشباب، ففي تجربة خاصة، يؤكد أن "تعويذة الحظ" التي يرتديها في رقبته، لها أهمية كبرى إذ لا يمكن الاستغناء عنها أبداً، وهي عبارة عن عقد جلدي، تتصدره قطعة معدنية كُتب عليها اسم ابنه.

عباس أشار إلى أن هذا العقد "لا يفارقني إلا أثناء النوم، حيث أخلعه خوفاً من أن ينقطع، وأعاود في الصباح عقده في رقبتي، لكنني أحياناً أنسى ارتداءه، فأعود أدراجي إلى المنزل، كي أضع هذه القلادة". لافتاً إلى أن نسيانها "يشعرني بأن خطأ ينتابني، وقد تخطت رمزية هذه القلادة بالنسبة إليَّ مبدأ التعوّد".

 

* علم النفس: المبالغة في التمسّك بالأشياء تشير إلى قلق وشعور دائم بالخطر.

لا تنفي الاختصاصية في علم النفس ساندرا غصن أنّ الحاجة للأشياء تدفع الإنسان إلى اعتياد ملازمتها، وأن "عدم القدرة على الاستغناء عن الشيء، يؤكد الحاجة إليه من غير أن يكون للأمر خلفيات نفسية"، لكن المبالغة في التمسك به، والتعبير عن فقدانه بالغضب والاضطراب والتوتر، تحت غطاء الحاجة إليه، "تشير إلى أزمة نفسية تصيب الإنسان، مرتبطة بالقلق والخوف المزمنين، والإحساس بالخطر الدائم". وتوضح غصن أنّ الشعور بعدم الاستغناء عن "الشيئيات"، يشبه إلى حد كبير عدم الثقة بأنّ الشباك مقفل مثلاً، أو أنّه لا يمكن مواجهة الناس من غير ارتداء شيء محدّد، مؤكدة أن أبرز تفسير لهذه العلاقة بين الإنسان و"الشيئيات"، يؤكد معاناة الشخص بالقلق الدائم، "حيث يعتقد الشخص أن خطراً غير مباشر وغير مادي يواجهه، وأنّ المجتمع والمحيطين يشكلون خطراً عليه"، مشيرة إلى أن "ارتداء تعويذة، أو حمل الموبايل بشكل مبالغ فيه، يدفع الإنسان إلى الشعور بالأمان من خطر محتمل". هذا التفسير، بحسب د. ساندرا، "يجمع عليه المعالجون النفسيون، لكن بعضهم يذهب إلى تفسير آخر يشير إلى أنّ التعلق بالأشياء وعدم القدرة على الاستغناء عنها، بالإضافة إلى الحاجة، يعود إلى الشعور بالذنب"، مشددة على عدم تعميم هذا التفسير، وعلى أن "كل شخص ما حالته المنفصلة عن الآخر، التي يكشفها العلاج النفسي". وتشير إلى أنّ "الشيئيات تدفع المتعلقين بها إلى الشعور بالأمان من قلق قديم يتجدد بالعلاقات العامة ومواجهة الناس، وتخفف تلك الأشياء من الذنب والقلق عندهم".►

ارسال التعليق

Top