• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حلو يحول حياتك إلى علقم

حلو يحول حياتك إلى علقم
       السكري.. مرض لا يأخذ إجازة ويتربص بالملايين من البشر يطلقون عليه صفات كثيرة، وكلها صحيحة، من مثل: القاتل الصامت.. الوباء القادم.. المرض الصدمة.. المروع الفتاك.. المرض المرعب.. المرض الذي إن أصبت به فقد وضعت شهادة وفاتك!.. إلى آخر ما هناك من مسميات تصف هذا المرض الذي يزداد عدد المصابين به من كل الأعمار بشكل تشير التقارير الطبيعة إلى أنّه وباء ينمو حتى إنّه سيصبح قاتلاً رئيساً للبشر في خلال الربع الأوّل من القرن الحالي!. من بعض نتائج هذا المرض: تسمم البدن.. تهشم الشعيرات الدموية.. تفجر الأوعية الدموية.. العمى.. فقدان الأعضاء.. حياة مؤلمة.. انهيار القدرة الجنسية.. القروح.. فقدان الأطراف.. تلف الكلى.. السكتة الدماغية.. أمراض القلب.. الانهيار العصبي.. الاكتئاب.. إلى آخر ما هناك من نتائج مريعة، ومرعبة.. إنّه مرض السكري.   تصورات خاطئة: هناك تصور خاطئ لدى البعض بأنّ السكري مرض بسيط نسبياً، غير أنّ هذا الداء يمكن أن يؤدي إلى تخريب الأنسجة، ونظام نقل الدم في الجسم إذ يضعف جدران الشعيرات، ويسد الأوعية الصغيرة، وتؤدي حالات النزيف إلى تدمير شبكية العين، كما أن أي خلل في الدوران يؤدي إلى نشوء قروح في الساقين والقدمين ربما لا يكون لها علاج سوى البتر!. ويقول الدكتور روبنشتاين، وهو من أبرز المتخصصين في الغدد الصماء وعميد كلية الطب في مستشفى ماونت سايناي بمدينة نيويورك: إن عقوداً من الزمن قد تمر قبل أن تنكشف آثار السكر الأكثر ترويعاً، بما في ذلك القروح وتلف الكلى والسكتات الدماغية وأمراض القلب. ويضيف: إذا ما أصيب شخص بمرض السكري وهو في سن 10 أو 15 أو 20 عاماً، فإنّه يمكنك التنبؤ بأنّه قد يواجه مضاعفات مريعة عندما يبلغ سنه 30 أو 40 عاماً!. ويعتبر الأطباء أن داء السكري يؤدي إلى مضاعفات جانبية قد ينجم عنها العمى والقصور الكلوي والأمراض القلبية والاضطرابات العصبية.. إلخ. والواقع أن مرض السكر – الذي لا تتم السيطرة عليه بسبب طائفة مروعة من المشكلات الصحية الخطرة، بعد أن كان السكري يصيب قديماً كبار السن – أصبح ينتشر اليوم بسرعة رهيبة، وبين كل الأعمار. يقول الدكتور آرثر روبنشتاين: "إنّ هذا الدواء أخذ يصبح داء الشباب" إذ ارتفعت نسبة ضحاياه ممن هم في الثلاثينيات من العمر إلى 70% من المرضى في الولايات المتحدة، بل إنّه أصبح يصيب حتى المراهقين، وفي حين كان أصحاب السمنة أو الوزن الزائد يمثلون نسبة كبيرة من ضحاياه، أصبح ذوو الوزن الطبيعي من ضحاياه أيضاً!. وتكمن خطورة هذا الداء في أنّه يتحرك بشكل بطيء جدّاً، وأعراضه ليست محددة، وعادة ما تجىء متأخرة، وقد يكون الكثيرون مصابين به بالرغم من تمتعهم بصحة ممتازة.. غير أنّهم لا يشعرون أو يدركون ذلك.. أما بالنسبة لأولئك الذين يعرفون أنهم مصابون به، أو يشكون في إصابتهم بالسكر، فإن إنكارهم وخوفهم من مواجهة الحقيقة المرة، يمكن أن يشكل خطورة كبيرة عليهم. وللأسف تجدنا نهتم بمراقبة نسبة الكوليسترول في الدم غير أننا نغفل عن معرفة نسبة السكر فيه.. وهذا خطأ فادح، فسكر الجولوكوز عبارة عن وقود للعقول أو الأجسام.. ولكن عندما نتناول منه أكثر مما ينبغي، ونحرق أقل من اللازم، فإنّه يتراكم في أوعية الدورة الدموية مما يسبب تلف الأنسجة والأعضاء، ثمّ يبدأ في تدمير حياة الإنسان رويداً رويداً، مما يفرض علينا المحافظة على نسبة السكر في الدم تحت السيطرة، وهذا لا يتأتى ما لم تعرف نسبة السكر في الدم بشكل دوري.  

مسببات المرض: يمكن تحديد مسببات السكر في العوامل التالية: 1-    الإفراط في تناول السعرات الحرارية. 2-    قلة التمارين الرياضية. وهذان السببان يؤديان إلى البدانة لا محالة، وقد وجد أن نسبة تصل حتى نحو 90% من المصابين بالسكري (من الفئة المعروفة بالفئة 2 التي تعتمد الأنسولين في العلاج) هم ممن يعانون وزناً زائداً. 3-    الوراثة. 4-    الجزيئات الحرة: أصبح العلماء يسمونها "الكابوس الشرس" بعد أن أخذوا يكتشفون آثارها المدمرة في جسم الإنسان، ولها علاقة بالتأثير السلبي على خلايا البيتا التي تفرز الإنسولين في البنكرياس مسببة نقص إفراز الإنسولين مما يعني الإصابة بداء السكري. والجزيئات الحرّة تأتينا من مصادر كثيرة.. الهواء الملوث، الكيماويات التي نستخدمها ونخزنها في منازلنا، طعامنا المشبع بالكيماويات، المبيدات التي ترش بها الفواكه والخضر التي نأكلها، وأخيراً تنتج هذه الجزيئات الحرة "الغول" عن عمليات توليد الطاقة في جسم الإنسان.

والسؤال هو: كيف نحمي أنفسنا من هذا المرض، أن نؤخر إصابتنا به على أقل تقدير، وإن كنا أصبنا به.. كيف نسيطر عليه بإذن الله؟

أوّلاً: الحماية

ينبغي عمل ما يلي: 1-    الاهتمام بمراقبة نسبة السكر في الدم، وعمل تحليل دوري كل فترة لا تزيد على ستة أشهر في الأحوال العادية، تناول أغذية صحية ضمن نظام غذائي ذي مستوى منخفض من الدهون والسعرات الحرارية، ومستوى مرتفع من الألياف. 2-    حرق المزيد من السعرات باعتماد التمارين الرياضية المناسبة لنا بشكل مستمر، ليس ليوم أو يومين ثمّ نتوقف، لا.. ولكن بشكل مستمر وحثيث.

3-    تثقيف أنفسنا بكل ما يتعلق بصحة الإنسان من موضوعات، وخاصة مرض السكر، وتبني أسلوب حياة يضمن لنا الحفاظ على صحتنا، وصحة أهلينا.

ثانياً: العلاج والسيطرة

يجب أن نعي أن مرض السكري لا يأخذ إجازة أبداً، ولكنه يتطلب العناية المستمرة، فإذا ثبت لنا أننا وقعنا في براثنه، فعلينا أن نكون مستعدين لإقامة أنفسنا مع واقع جديد يتطلب منا الحرص الشديد، والتعود على ما يفرضه علينا هذا الواقع، مع التركيز على ما يلي: 1-    تثقيف أنفسنا بشكل عميق بكل ما يتعلق بهذا المرض من حقائق.. أنواعه، النوع الذي أصبنا به، العلاج.. السيطرة.. إلخ. 2-    الالتزام بما يحدده لنا الطبيب المعالج من تحاليل دورية وأدوية ونظم غذائية مقننة. 3-    عدم التهاون مطلقاً في التعامل معه، وعدم اعتباره مرضاً بسيطاً، بل يجب أن نعي مضاعفات مرض السكري، وأن نقدر هذا الداء العضال حق قدره، وأن نؤمن بشكل مطلق.. بأن نجاتنا من مضاعفات المرض، وتمتعنا بحياة مستقرة، إنما يكون في مدى التزامنا بما يتوجب على مريض السكري أن يلتزم به.

4-    السيطرة التامة على مستوى السكر في الدم بدوام الفحص بدون كلل أو ملل، واتخاذ الإجراءات التي تحافظ عليه ضمن الحدود المفروضة.

·       متى نسارع إلى الطبيب؟ هناك بعض الأعراض التي تفرض علينا مراجعة الطبيب بأسرع وقت ممكن، ومنها كثرة التبول، جفاف الحلق والعطش أو الجوع الدائم، غشاوة البصر، تنمل أو وخز طفيف في الأطراف، تكرار العدوى الجلدية، بطء شفاء الجروح والكدمات، فقد تعني هذه الأعراض إصابتنا بالمرض، وقد لا تكون كذلك.   نسَقَ.. ونَفَق: الآن: لنقف مع أنفسنا وقفة قصيرة.. ونتساءل: ما نسقنا في الحياة اليوم؟ شراهة في الأكل واعتباره وسيلة ترفيه وتسلية، مأكولات سريعة لا يعلم إلا الله ما بداخلها، مشروبات غازية بدون حساب.. أكل الكثير من اللحوم والأرز وإهمال الأكل الصحي المكون من الخضار والفاكهة، استخدام الكيماويات المنزلية بكثرة.. هذا للتلميع.. وكان للذباب.. وثالث للناموس، ورابع للصراصير.. وخامس لتنظيف الحمامات.. إلخ. الحرص على البقاء داخل غرف وسيارات مكيفة طوال الوقت، عدم التريض والتعرق والتنفس الصحي العميق، عدم الالتزام بعمليات الإخراج في وقتها، الجو المحيط بنا الذي ارتفعت به نسبة التلوث بشكل كبير، وهلم جرا. الكارثة الكبرى أننا نربي أبناءنا على هذا النسق نفسه الذي أثبت – بما لا يدع مجالاً لأي شك – أنّه يوردنا نفق الأمراض الخطيرة مثل داء السكري، ضغط الدم، النقرس، تصلب الشرايين، وغيرها من الأمراض التي أصبحت تصيب الأطفال والمراهقين اليوم، بعد أن كانت حكراً على البالغين وكبار السن فقط! هذا هو المصير الذي نرمي أبناءنا في غيابه ثمّ لا ينفعنا الندم؟! إنّ العاقل هو مَن يبتعد – بقدر الإمكان – عن المأكولات السريعة، وعن المشروبات التي بها غاز وسكر، وعن المعجنات والحلويات التي لا يعرف بأي نوع من الزيوت والسمن تطبخ، هو من يعود إلى تناول الخضار والفاكهة والألياف ويقلل اللحم، هو من يعود نفسه وأهله وبنيه على ممارسة الرياضة، هو الذي يرتاد الأماكن التي يقل بها التلوث، ويزداد بها الأوكسجين النقي، ويمارس التنفس العميق بها، هو من يحرص على التعرق، والتبول بقدر الإمكان.. فهما وسيلتا الجسم للتخلص مما يتراكم به من سموم، وبمعنى إجمالي: هو من يعود إلى الحياة الطبيعية التي كانت يعيشها الأقدمون. أخيراً: ارحموا أنفسهك وأهلكم، وامنعوا عن أنفسكم الأمراض.. ولا تتسببوا في وقوع أبنائكم فريسة سهلة لأمراض العصر، لا تفرحوا وأنتم تصطحبونهم إلى حيث يحملون سندويشات الهامبورجر، واصابع البطاطس المقلية، وفي يدهم عبوة كبيرة من المشروبات الغازية، لا تسمموا أبدانهم، فهذا أقصر الطرق للإصابة بمرض السكر، ومن لم يكن منكم على علم كاف بمرض السكر فعليه زيارة أحد مراكز علاج السكر، وليشاهد، وليسمع كيف يحول هذا "الحلو" حياة المريض إلى "علقم"؟

ارسال التعليق

Top