• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تسبيح الخالق عزّ وجلّ

تسبيح الخالق عزّ وجلّ

◄التسبيح هو تنزيه الخالق عزّ وجلّ عن كلّ ما لا يليق بساحة قدسه. وهو الثناء الذي تقدمه كل موجودات الكون لله سبحانه وتعالى، كما يقول تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (الإسراء/ 44)، وقوله تعالى: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات/ 180). والإنسان على طول خط التاريخ يرتكب الآثام والمعاصي، التي تتدنى إلى مستوى البشرية، فيرتفع عنها الخالق سبحانه وتعالى، ولذلك فإنّ التسبيح هو رفع التصورات البشرية المتدنّية عن جبار السماوات والأرض، لأنّه سبحانه منزّه عن الاعتقادات الباطلة والأعمال السيئة (كالاعتقاد بوجود شركاء لله وغيرها من لاعتقادات) ومحمود في جميع ما خلقه ودبّره في السماوات والأرض..

يقول تعالى، بعد أن يصوّر، كيف بدأ الخلق ثمّ يعيده يوم القيامة، فيفرّق الناس إلى طائفتين: أهل الجنة والنعيم، وأهل النار والعذاب والجحيم، يقول إنّ ما في السماوات والأرض من خلق وأمر هو الله سبحانه وتعالى، وهو أمر يستدعي بحسنه حمداً وثناءً للخالق، وإن للإنسان على مرِّ الدهور من الشرك والمعصية ما يتنزّه عن ساحة قدسه تعالى.. يقول عزّ وجلّ: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (الرّوم/ 17-18). والمعنى، والخطاب موجّه للنبي (ص): إذا كان الأمر على هذا السبيل الله منزَّه حينما دخلتم معاشر البشر في مساء، وحينما دخلتم في صباح، وفي العشي، وحينما دخلتم في ظهيرة، وله الثناء الجميل في السماوات والأرض..

ويتطرَّق القرآن الكريم إلى المقارنة بين المؤمنين المتلبسين بحقيقة الإيمان، وبين المجرمين الذين نسوا لقاء الله سبحانه فارتكبوا المعاصي فنسيهم الله يوم القيامة.. يقول تعالى: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا[1] وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (السجدة/ 14-15). فالتذلل لمقام الربوبية وعدم الاستكبار عن الخضوع لله سبحانه وتسبيحه وحمده هي صفة من أهم صفات المؤمنين المتمثلين بحقيقة الإيمان، ولذلك وصفهم تعالى بأنّهم لا يستكبرون.. وبالمقابل فإنّ عدم الاعتناء بذكر الله سبحانه في الحياة الدنيا، يترتب عليه عدم ذكر الخالق لذلك الإنسان، في يوم يحتاج فيه الإنسان إلى أيّة توصية تنقذه فيها من بطش جبار السماوات والأرض، ذلك يوم القيامة.. فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنّا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون..

ويقرِّر الإسلام، أنّ الإنسان عبد ومملوك مطلق لله سبحانه، وأنّ الخالق عزّ وجلّ مالك مطلق لكل الوجود.. فعلى الإنسان أن يذكر الله سبحانه، ذكراً يليق بساحة عظمته وكبريائه، ذكراً لا يحيد عن تعاليم القرآن الكريم التي تتحدث عن صفات الله عزّ وجلّ، وهذا هو الطريق الوحيد الذي ينتهي إلى كمال العبودية للخالق العظيم.. يقول تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ[2] السَّلامُ[3] الْمُؤْمِنُ[4] الْمُهَيْمِنُ[5] الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ[6] الْمُصَوِّرُ[7] لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر/ 21-24). إنّ كمال الإنسان لا يستوي ولا يستعدل إلّا بامتلاكه شعوراً يعبّر عن أن نفسه وجسده مملوكة لله سبحانه، وأنّ أعماله وأفعاله تجري على ما يريده الخالق عزّ وجلّ، لا على ما تهواه نفسه.. ولذلك فإنّ الله سبحانه يضرب هذا المثل المشتمل على تعظيم أمر القرآن بما يشتمل عليه من المعارف والتشريع والمواعظ والعبر.. المثل الذي يقول: لو أنّ هذا الجبل الكبير الضخم العملاق، ممّا يتنزل عليه القرآن، لرأيته على ما فيه من القسوة والصلابة والشموخ يتصدع خشية من الله سبحانه، فكيف حال الإنسان الذي هو أضعف وأوهن من هذا الجبل العملاق، ألا يجدر به أن يخشع قلبه لذكر الله سبحانه، ثمّ يتعرض بعد ذلك إلى أسماء الله الحسنى التي يتعين على الإنسان المؤمن أن يذكرها في كل وقت، وفي كل مكان.. الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور.. ويختم القرآن المجيد الآية، بإقرار حقيقة أن كل ما في الكون يسبّح لله العزيز الحكيم.. يسبحُ له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.. كما يقول تعالى في نفس المعنى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (النّور/ 41-42).

وفي دعوة الله سبحانه وتعالى للناس لتسبيحه بالليل والنهار، يقول القرآن الكريم مخاطباً الرسول (ص): (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ[8] وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الفتح/ 8-9).

وذكّر القرآن الكريم، المشركين، بشواهد الربوبية ودلائل الخلق، وأكّد على أنّ الله سبحانه هو الذي خلقهم، وهو الذي يدبر أمرهم، ومن تدبيره أنّه سيبعثهم ويجزيهم بأعمالهم.. يقول تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ[9] * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ[10] * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الواقعة/ 71-74). فكان الخطاب في البداية لهم، ثمّ أعرض عن خطابهم، والتفت إلى خطاب النبي (ص) إشعاراً بأنهم لا يفقهون القول، فأمر النبيّ (ص) أن ينزهه تعالى عن إشراكهم به، وإنكارهم للبعث والجواء.. ►

 

المصدر: كتاب الأخلاق القُرآنية


[1]- أي سقطوا على الأرض ساجدين لله تذللاً واستكانة.

[2]- القدوس: مبالغة في القدس وهو النزاهة والطهارة.

[3]- السلام: من يلاقيك بالسلامة والعافية من غير شر وضرّ.

[4]- المؤمن: الذي يعطي الأمن.

[5]- المهيمن: الفائق السيطرة على الشيء.

[6]- البارئ: المنشىء للأشياء ممتازاً بعضها من بعض.

[7]- المصور: المعطي لها صوراً يمتاز بعضها من بعض.

[8]- التعزير: على ما قيل، النصر والتوقير العظيم.

[9]- الإيراء: إظهار النار بالقدح.

[10]- المقوي: النازل بالقواء من الأرض ليس بها أحد، وأقوت الدار خلت من أهلها.

ارسال التعليق

Top