يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ).
في هذه الآيات المباركة، يلخّص الله سبحانه وتعالى لنا مسؤوليتنا في هذه الحياة، ويحدّد لنا الكيفيّة التي ينبغي أن نعيش فيها حياتنا الدُّنيا، حتى نصل إلى الآخرة ونحصل على وعده سبحانه وتعالى لنا في الفيض الإلهيّ عند جواره (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم (مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً).
من أين تأتي الطّمأنينة؟!
والله تعالى في هذه الآيات، يحدِّد لنا أمرين ثابتين أساسيّين؛ الأمر الأوَّل قوله: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله)، بمعنى أنّ الإنسان منا لا يستطيع أن يعيش في هذه الحياة الدُّنيا وهي تسير به بهذه السرعة الكبيرة جداً، من دون أرض ثابتة، كلّ ما في الحياة متحرّك، وحركة كلّ ما في هذا الوجود، هي أصعب من أن يستقرّ معها الإنسان. وعندما يتحرّك الزّمن بهذه السّرعة، لا نملك إلّا أن نتعلّق بشيء ثابت يعطي الزّمن معناه واستقراره، ويعطينا الطمأنينة في الحياة. ولذلك ابحثوا في هذه الدُّنيا عن كلّ الذين لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، أو لا يؤمنون بأنّ هناك قوّة خارقة خلف هذا الوجود، هل يشعرون بسكينة أو بطمأنينة أو باستقرار في هذه الحياة؟
أليس الشعور الذي يلخّص حياة هؤلاء هو الضّياع المطلق؟ ما معنى أن أكون في هذا الوجود كلّه، في هذه العظمة كلّها، ثم لا أعرف من أين أتيت، ولا إلى أين أنا ذاهب، ولا كيف أتحرّك في هذه الحياة بالطريقة التي أبقى فيها ساكناً مستقراً؟ أليس هذا معنى آخر لما نسميه الضياع والقلق المطلق؟! أن لا يعرف الإنسان من أين أتى، ولماذا أتى ولماذا خلق، ولماذا هو موجود، ولماذا هو يسعى من أجل رزقه، ولماذا يقيم علاقات مع الناس، ولماذا يتزوّج، ولماذا ولماذا... والـ"لماذا" الكبيرة تتحوّل إلى "لماذا" صغيرة في كلّ قضيّة من قضايا حياتنا...
كثيرون نسمعهم يقولون إنّنا لا نؤمن بوجود خالق لهذا الوجود. دعونا نقول إنّ هذا على الأقلّ جواب مستعجل... هل يعقل أنّ قضيّة من قضايا المصير الأبديّ، تحسم في جلسة سمر بين مجموعة من الرّفقاء يتحدّثون عن بعض القضايا وبعض التشكيكات؟ هل يعقل أن تحسم في ثوان معدودة، في ساعات، في شهور، في أيام، بل حتّى في سنين؟! على الأقلّ، فليبحث الإنسان وليقل لاأزال أفكّر. الموضوع ليس سهلاً ليحسم خياره بأنّه ذاهب إلى العدم وأتى من العدم... والله يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). وظيفة الإنسان في الحياة فإذاً أنت وظيفتك، أيّها الإنسان، في هذه الحياة، أن تجسِّد معنى العبوديّة، وعندما تجسِّد معنى العبوديّة لي، ترضى وتربح ذاتك ونفسك ومصيرك، لا لأنّني أحتاج إلى صلاتك وعباداتك، ولا إلى مالك، ولا إلى أيّ شيء مما أنا أعطيتك إيّاه، ولكن لأنّ عبوديتك لي تعني حريتك أمام كلّ شيء في هذا العالم، تعني أن لا شيء يستعبدك، أو يقهر إرادتك، أو يفرض عليك تحت أيّ قوّة أيَّ شيء، إذا أنت لم تعتقد أنّ هذا الشّيء هو الحقّ والعدل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق