• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مفهوم أوسع للإيمان

أسرة البلاغ

مفهوم أوسع للإيمان

◄الإيمان.. قاعدة

فالأساس الذي يشاد عليه بناء الإيمان هو الارتباط بالله تعالى من خلال شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) التي تتضمن نفي أي إله سواه مما تصنعه المخيلة أو الواقع من آلهة طغاة أو منحرفين أو ضالين.

تذكّر.. إنّ شعار الإسلام الأوّل الذي رفعه رسول الله (ص) كان: "قولوا لا إله إلّا الله، تفلحوا"!

فالإيمان بالله: يعني الإيمان بالخير المطلق والرحمة الواسعة والعلم والعدل اللّامنتهي، فليس كمثله شيء ولا يشرك في عبادته أحداً.

والإيمان به يعني الإيمان بكلِّ قيم الخير التي توفِّر للإنسان أسباب النجاح والفلاح.

 

الإيمان.. حركة:

والإيمان ارتباط بين أفراد الجماعة المؤمنة على أساس القاسم المشترك بينهم، وهذا الرباط هو رباط فكري وروحي وسلوكي، أي أنّ له حركة تنتقل به من العقل إلى الوجدان، وهذا ما تُعبِّر عنه مشاعر المودّة والإخاء والإخلاص.. إنّه الحب الذي يحمله المؤمن لسائر الناس الطيبين: يتمنى لهم الخير ويعمل من أجل سعادتهم.

 

الإيمان.. قضية:

فالإيمان الذي ينطلق من قناعة ثابتة لا يتزعزع ولا يرتدّ ولا يتمرّد ولا يخالطه الشك ولا تداخله الشبهة، واضح تماماً كما الشمس.. يدفع صاحبه إلى (العمل من أجل رفعة الإسلام) وإلى (الجهاد في سبيله) سبيل نشر الخير في العالم ودعوة الناس إلى الهدى والسلام.. أي أنّ المؤمن بعد أن (يختار) و(يريد) و(يطالب بالبرهان) يصبح صاحب قضية يستميت من أجل حملها والدفاع عنها.

 

الإيمان.. موقف:

فالإيمان ليس قوة كامنة في الأعماق، بل موقف عمليّ يترجم إلى سلوك ومواقف وقرارات توحي بعمق الإيمان ورسوخ جذوره.

لقد رفض النبيّ (ص) عروض قريش المغرية.. حينما قال لعمه أبي طالب: "يا عم! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"!

ولم يكن ذلك الخيار إلّا عن وعي ومعرفة بالإيمان بالله تعالى: نور السماوات والأرض، وأنّ دعوة الكافرين لم تكن سوى دعوة للجهل والظلم والتخلّف.

 

الإيمان.. قوّة:

فالإيمان الراسخ قوة تهزم الخوف فلا يتراجع المؤمن ولا يستسلم ولا ينسحب من الساحة، لأنّ إنتماءه إنتماء إلى الله القويّ القادر العزيز الذي لا يعجزه شيء، ولجوء المؤمن إلى الله في أوقات الشدّة والتحدِّي يمدّه بقوّة هائلة تزيد في صبره وثقته بالنصر.. وهذا هو سرّ الارتباط بالمطلق.

 

الإيمان.. عطاء:

فالمؤمن كالنحلة يأكل طيباً ويخرج طيباً، وهو كالنبع لا يرتضي لنفسه أن يترك الناس عطاشى، وكالشمس لا يروق له أن يدعهم في الظلام.. إنّه يروي عطشهم بجوده وكرمه، ويضيء لهم الطريق بعلمه وأخلاقه.. وقد يضحِّي بحياته من أجل خلاصهم[1].

 

الإيمان.. التزام:

فالمؤمن الحقيقي الصادق الإيمان يلتزم ويتعهد بتنفيذ وتطبيق ما جاء عن الله في كتابه وعن رسوله في سنّته من أحكام وتعاليم ومفاهيم، وكلّ مؤمن يراعي الموازين الشرعية في عمله ممّن يحملون ثقافة الحلال والحرام، فهم مرجعيته التي يرفض الرجوع لغيرها.

 

الإيمان.. معيار:

فالإيمان يحدِّد لأتباعه أو معتنقيه المعيار بين العمل المراد به القربة إلى الله وطلب رضوانه، والعمل المرائي الذي يطلب به وجه الناس وثناؤهم، أي هو الذي يحدِّد قيمة العمل لا حجمه وشكله وأثره الخارجي، فالإيمان يجعل حبّ الخير مغروساً في مشاعر الإنسان المؤمن، فيتدفق بها تلقائياً كالينبوع.. والأعمال المخلصة دافعها مرضاة الله لا رضا الناس، ومنها إحسان المحسنين الذين ينفقون سرّاً وعلانية في سبيل الله تعالى.

 

الإيمان.. روحيّة:

أي أنّ المؤمنين يعيشون جوّاً من الصفاء والتسامح والتعاضد والتكافل والتسديد، بما يحسِّس كلّ واحدِ منهم بأنّه مسؤول عن الآخر في السرّاء والضرّاء وفي الحياة وبعد الممات.. إنّ المؤمن يبدأ بعائلته، يتعامل معهم بود واحترام ولا يظلم أحداً منهم، ثمّ بنفس هذه الأخلاق الفاضلة يتعامل مع الآخرين: في المدرسة والعمل وعموم المجتمع.

 

الإيمان.. عهد:

إذا عاهدت شخصاً ما على الوفاء، فالوفاء بهذا العهد واجب عليك وإلّا اعتبرت خائناً.. فالمؤمن الذي آمن بالله ورسوله يقدِّم عهداً بالإخلاص في طاعته لله، وأن يلتزم بالإسلام في مناشط حياته كلّها، وأن يؤدِّي الأمانات إلى أهلها سواء الالتزامات الشخصية بينه وبين أبناء أمّته، أو التشريعات الإلهية في مسؤولياته التي حمّلها الله إيّاه.. تذكّر دوماً نماذج المؤمنين الصادقين الذين وفوا بعهد الله، تذكّر أنّ محمّداً (ص) كان يسمّى: الصادق الأمين، قبل أن يكون نبياً ورسولاً، تذكر المؤمنين الذين عاهدوا الله وصدقوا في عهودهم كعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ومصعب بن عمير.

 

الإيمان.. سلوك:

المؤمن هو النموذج الإنساني الذي يجسِّد الخير في حركته وعمله ونشاطه وفكره وعطائه، فالناس يلمسون إيمانه لا من خلال صلاته وصيامه فقط، بل من خلال صدقه وأمانته أيضاً، وقد جاء في الأثر: "لا تغرّنكم من الرجل كثرة صلاته وصيامه فربّما كانت عادة اعتادها حتى إذا تركها استوحش ولكن اختبروه بالصدق وأداء الأمانة".

 

الإيمان.. مضمون:

الإيمان ليس زهرة اصطناعية لا عطر فيها، وليس هيكلاً ضخماً تلعب الريح فيه، ولا هو جسد خالِ من الروح، ولا شعارات فارغة المحتوى.. إنّه جوهر وروح وقيمة ومضمون، فالعمل الذي يقوم به المؤمن يُعبِّر عن جذور إيمانية وروح طيِّبة، ونيّة صالحة، وتفكير عميق، وقلب سليم.

فـ"الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل".

 

الإيمان.. طهارة:

إنّ سرّ النقاء والطهر في حياة الإنسان المؤمن أنّه كنسَ داخله ونظّفه من نجاسة (الأصنام) المادية والمعنوية، ومن عفونة الرواسب الجاهلية والمادية، ومن قذارة المعاصي والذنوب والسيِّئات والشرور.

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/ 222).

 

الإيمان.. سكينة:

الإيمان يترك بصماته على المؤمن عميقة، أي أنّه يشعَّ عليه بالطمأنينة والأمن والسكينة فلا يشعر بالخوف والهلع والضياع أو الاهتزاز، لأنّه يستند في ثباته إلى قوة عظمى تدعمه وتحميه وتدافع عنه، ويذكر الله في مواقفه كلّها.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).

 

الإيمان.. عملٌ كلّه:

المجتمع الإيمانيّ كالجسد الواحد.. وكخلية النحل التي تعمل بشكل تضامني.. فكلّ مؤمن له وظيفته التي تتكامل مع وظائف الأسرة الإيمانية الكبيرة، ولذلك فإنّ أي انحرافات أو ارتباك أو فوضى أو تناقض (ازدواجية) تفضح الخلل الذي قد يعتري الجماعة المؤمنة.

فـ"الإيمان عملٌ كلّه".

 

الإيمان.. وضوح:

فلا غموض ولا التباس ولا شبهات ولا شكوك.. فالمؤمن لا يخدع أو يجرّ إلى ساحة الإيمان معصوب العينين بالإكراه.. بل يأتي إليه وهو على بيِّنة من أمره.. لا يخالطه ولا يخالجه ريب فيما هو مقتنع به وعامل من أجله.

(وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (الأنفال/ 42).

 

الإيمان.. توازن:

فهو إيمان عقلي.. يعطي الفكر قيمته.. وإيمان قلبي.. يعطي للمشاعر والأحاسيس مكانتها.. وإيمان واقعي.. يعطي لكلِّ شأن من شؤون الحياة حقّه، ولا يكلِّف الإنسان فوق ما يطيق.. وهو إيمان يحقِّق للجسد وللروح احتياجاتهما، وللدنيا والآخرة مسؤولياتهما، وللفرد والمجتمع نظامهما، وللحقوق والواجبات مساحتهما المناسبة، وللعلم والعمل ارتباطهما وتلازمهما.

قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة/ 143).

 

الإيمان.. أمل:

الإيمان واليأس ضرّتان.. بل نقيضان لا يجتمعان.. الإيمان مدعاة للتفاؤل والأمل لأنّه يستمدّ روحه من القدرة الإلهية وليس من الحسابات المادية الظاهرية، فاليأس والإيمان متنافران، والإيمان يعني أنّ الكون ربّ لطيف بعباده، وهو يقدِّر الأمور بما فيها خير الإنسان، بشرط أن يختار الإنسان الخير ويسعى له.

 

الإيمان.. تخطيط:

فحركة الإيمان في حياة الفرد لا تسير بشكل عشوائي.. أي أنها ليست كالأشجار البرية التي تنمو لحالها، بل لابدّ من عوامل مساعدة لنموها وحركة المجتمع الإيماني تتم وفق نظام وتخطيط مدروس تراعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير وفق منهج معيّن.►


[1]- تذكر شهادات البذل والسخاء ونكران الذات ومنها: (ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) (الإنسان/ 8).

ارسال التعليق

Top