• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الضربات المدروسة!!

د. أماني القرم

الضربات المدروسة!!

ظهر نتنياهو مسروراً في المؤتمر الصحفي القصير جدّاً الذي عقده على هامش افتتاح مكتب البعثة التجارية لهندوراس في القدس.  فقد تزامن هذا النصر الدبلوماسي لنتنياهو مع التصعيد على الجبهة الشمالية إثر رد حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة وتحديداً تلك التي أودت بحياة اثنين من مقاتلي حزب الله في الضاحية الجنوبية بلبنان. الجميع كان ينتظر من نتنياهو أن يقول شيئا مهمّاً، ولكن تصريحاته كانت جدّ مقتضبة وعابرة مع لغة جسد توحي بالارتياح الشديد. وكلّ ما قاله: «لا توجد إصابات ولا خدش ونحن مستعدون لأيّة سيناريوهات..».

من الواضح أنّ إسرائيل كانت مستعدة ومتوقعة لرد «حزب الله» سيرد الذي أعلن مسبقاً نيته بتوجيه ضربة مدروسة. والحقيقة أنّ الضربات الإسرائيلية وردود حزب الله كانت بميزان حسّاس للغاية، كلُّ يسوق الرواية من وجهة نظره ومصلحته. ولكن هل ستقف الأُمور عند هذا الحد؟ وما الذي يمنع من نشوب حرب شاملة؟ ما يحدّد بدء أيّة حرب ثلاثة أُمور: التوقيت والظروف وأصحاب القرار. في إسرائيل: رئيس الوزراء هو وزير الدفاع وزعيم الحزب الأكبر أي ثلاثة في واحد. والتوقيت هو زمن انتخابات على أشدّها. أمّا الظروف فهي فترة فائض قوّة وغرور لم تمر بها إسرائيل من قبل.

على الجهة الأُخرى: الجبهات الثلاثة التي تصعد فيها إسرائيل هي في الحقيقة عبارة عن جبهة واحدة تتزعمها إيران ذات الأذرع المختلفة. وإيران تحتل الأولوية الأولى في الأجندة الأمنية الإسرائيلية. وقرار ضرب المنشآت النووية الإيرانية والحدّ من قدراتها العسكرية هو قرار مسبق وهدف قديم جديد للعقلية العسكرية في إسرائيل موجود في أدراج المطبخ السياسي والعسكري والاستخباراتي الإسرائيلي. ولكن بناء على الخبرة التاريخية للقرارات الإسرائيلية، فإنّ إسرائيل لا تريد الذهاب وحدها في حرب ضد إيران، بل تريد من الولايات المتحدة والدول الحليفة القيام بهذه المبادرة. بينما هي من جانبها تعمل بجهد كبير، من خلال أدواتها في واشنطن، على تسخين البيئة المواتية. تارة بالتهويل من الخطر الإيراني، وتارة بالدفع نحو تضييق الخناق على طهران عبر تشديد العقوبات الاقتصادية لتحفيز غضب إيران وجرها لاتخاذ أيّة خطوات، قد تكون استفزازية للولايات المتحدة وإسرائيل والعالم، ومن ثمّ تشكيل تحالف كفيل بإشعال مواجهة عسكرية مع إيران.

المسألة اليوم تختلف عن حرب  2006 بين إسرائيل وحزب الله، ففي ذلك الوقت ورغم بشاعة المشهد استمرت الحرب محصورة بين أهداف الطرفين. أمّا اليوم إسرائيل تستبيح ثلاثة عواصم عربية دمشق وبيروت وبغداد بهجمات معلنة، وهي ثلاثة بلدان تعاني من سيولة أمنية شديدة وتلعب فيها أيادي كثيرة وخلايا مسلحة ما أنزل الله بها من سلطان.

ارتياح نتنياهو مرده إلى أنّه أصاب هدفين على المدى القريب:

الأوّل: هو النجاح في استفزاز حزب الله وجره إلى رد كانت إسرائيل متأهبة له، مع حرب نفسية وتهديد عالي الصوت على لبنان بتحطيم الأخضر واليابس إذا تمادى حزب الله في رده. الأمر الذي جعل رئيس الحكومة سعد الحريري يتحرّك بسرعة شديدة مع عواصم عالمية.

والثاني: رصيد بنك التصويت الانتخابي، فقد استطاع نتنياهو تحقيق معادلة التفاف جميع الأحزاب والمنافسين حول «سيِّد الأمن» وبات الجميع يتحدّث عن أمن إسرائيل فقط ضد هجمات حزب الله «الإرهابية» حسب تعبيرهم! وبهذا نجح في الإبقاء على حالة اللاسلم واللاحرب التي  تضمن له تسويق خطابه الانتخابي على الدوام.

عموماً إنّ منطقة الشرق الأوسط ككثبان الرمال لا يضمن أحد فيها السير بسلام وهو يلعب بالنار، وما بين عقيدة المقاومة وتخمة القوّة الإسرائيلية يتصاعد شبح الحرب القادمة التي لا مفر منها ولا تنفع معها ضربات مدروسة.

ارسال التعليق

Top