• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الله تعالى رازق الخلق جميعاً

الله تعالى رازق الخلق جميعاً

◄الله تبارك وتعالى هو الرزّاق، فالثمرة التي تأكلها إنّما تكوّنَت ونَمَت بقُدرةِ الله تبارك وتعالى؛ ولم يكن الفلاح الذي اعتنى وقَطَفَ مِن دورٍ إلّا أنّه كان وسيلةً لذلك. وهذه الغابات تنمو أشجارها وتبسق دون فلاح، والحيوان الذي تذبح هيَّاً الله تعالى الظروف لتكوينه وولادته ونموِّه ولم يكن للراعي دورٌ سوى أنّه كان وسيلةً لذلك. وهذه الحيوانات كلُّها في البرية تكاثرت وتناسلت دون راعٍ من الناس لها.

فالطعام الذي يجلبه الأب لأولاده لم يكوِّنه أو ينمِّيه الفلاح إنما نَمَا وأثمَرَ بقُدرة الله تعالى ومشيئته، ولو شاءَ لم يُثمر. وكم سمعنا عن الجوائح التي تُصيبُ المزروعات كالآفات الزراعية والفيضانات والجفاف، ولو كان الأمر بيد الفلاح وقدرته لما شاءَ ذلك؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات/ 58).

إنّ رِزق الله تعالى لعباده يتمثّل في خلق الأسباب للرزق وتيسيرها للخلق وإبعاد الموانع من تحصيل الرزق. فإذا كان الأمر من أوّل تكوين الرزق إلى الحصول عليه كان بمشيئة الله وتدبيره؛ فالواجب على الإنسان أن يشكر الله تبارك وتعالى على ما يُكرمه من الرزق الذي به حياته. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة/ 172).

- الله رازق الخلق جميعاً:

إنّ التأمّل في المخلوقات المحيطة بالإنسان من حيوانات وطيور وحشرات يرى أنّ لكلّ منها نظاماً غذائياً فريداً تتعدّاه إلى غيره. إنّها تنطلق بدافع فطري إلى البحث عن غذائها الذي تصل إليه بيُسرٍ وسهولة لتجد أنّ الكائن الواحد يتغذّى على نفس الغذاء الذي يتناوله أفراد جنسه والذي يحدد له هذا النوع من الغذاء دون غيره هو الفطرة التي فُطِرَ الخلقُ عليها. قال الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) (هود/ 6).

- الله يرزق في كلّ لحظة وحين:

يتحمل الإنسان مرارة الجوع والعطش حتى إذا وجد حاجته سارع ليعبَّ منها ويُستَزيد. وقد يحمل الجوع الماضي أو الشرّ الحاضر أو الخوف من المستقبل المبني على ضعف اليقين قد يحملُ المرءَ على التزوّد مما يحتاج إليه. وقد يزيدُ حرصُهُ ليسوِّلَ له أن يدَّخر ويبخلَ على غيره؛ وقد فاته أنّ الذي يرزقه اليوم قادر جلّ وعلا على أن يرزقه غداً وأنّ الإنسان طالما أنّ له رزقاً مكتوباً فهو باقٍ وحي وأنّ الإنسان لا يموت من انقطاع الرزق وإنّما يكون من انقضاء رزق نفسه.

وليس من الضرورة أن يكون ما في البيت هو رزقٌ لك وأنت ترى أنّ الذي يموت قد يكون في بيته من الطعام ما يكفيه مدّة ولكن ما كتب له من الرزق قد استنفد.

لقد جعل الله تبارك وتعالى مَعلَماً مذكِّراً بهذه الحقيقة حقيقة التوكل على الله في الرزق في هذه الدواب التي تملأ الأرض حولنا في باطنها وعلى ظهرها وفي جوّها؛ لا تحمل رزقَها أينما ذهبت، كما يفعل الإنسان، ثقةً منها بأنّ الله تبارك وتعالى كما رزقَها سابقاً سيرزقها لاحقاً. قال الحقّ جلّ وعلا: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) (العنكبوت/ 60).

- لا رازق مع الله تعالى:

يستبشر الفلاحُ كثيراً حينما يرى المطر الغزيز يهطلُ على أرضه إذ يرجو بعد ذلك محصولاً وافراً يضمن له عاماً خصباً. ويلفت القرآن الكريم نظر الإنسان إلى أنّ السماء وما ينزل منها، والأرضَ وما يخرج منها إنّ هما إلّا وسائطَ ووسائلَ لرزقِ الله تعالى، فلا تقف المسألة عند حدود مطرٍ ينزلُ، وأرضٍ تنبتُ، وإنّما الأمر غير ذلك. مَن جعلَ هذا الماء المالح الملوّث في البحر يتبخّر عذباً نقياً ويهطلُ صيّباً نافعاً؟ ومَن جعل في هذه الأرض الميتة القدرة على امتصاص الماء وإخراج النبات؟ إنّه الله الخالق الرزّاق.

فالله تبارك وتعالى يرزق الخلقَ وحدَهُ، لا رازقَ سواهُ رازقَ معه؛ لأنّه تعالى، جلّت قدرَتُهُ لا يعجزهُ شيءٌ في الأرض ولا في السماء حتى يحتاج إلى من دونه. قال الله تبارك وتعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (فاطر/ 3).

وإذا كان الأمر أنّه لا رازقَ مع الله تعالى، فكذلك يُمنَعُ من رزق الله أحد. فكما أنّه لا يقدرُ أحدٌ أن يأتينا برزقٍ لم يكتبه الله لنا، فكذلك لا يقدرُ أحدٌ أن يمنعَ عنّا رزقاً قد كتبه الله تعالى لنا. ويؤيد هذا ما ورد في حديث رسول الله (ص): "واعلم أنّ الأُمّة لو اجتمعت على أن ينفَعوكَ بشيءٍ لم ينفَعوكَ إلّا بشيءٍ قد كَتَبَهُ الله لكَ، ولو اجْتَمَعوا على أن يضرّوكَ بشيءٍ لم يضّروكَ إلّا بشيءٍ قد كَتَبَهُ الله عليكَ".

-       الأمر بطلب الرزق من الله تعالى:

وحيث تبيّن أنّ الرازق هو الله تعالى وأنّ المخلوقات ما هي إلّا وسائل أو وسائط لتحصيل الرزق؛ فلابدّ للإنسان من التماس الشيء من مصدره وهو هنا أن يطلب من الله تبارك وتعالى أو يرزقه. قال الله تبارك وتعالى: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ) (العنكبوت/ 17). فيضع المرء في ذهنه أنّ الله تبارك وتعالى تكفَّلَ برزقه، وضَمِنَهُ له يدعو ربّه تبارك وتعالى أن يرزقه.

إنّ الإيمان بأنّ الله تبارك وتعالى هو الرزاق يسمو بالإنسان ويرتقي بروحه عن التعلق بالوسائط والأسباب (كالوالد المعيل، والعمل في الزراعة مثلاً)، ولا ينظر إليها باعتبارها رازقةً له وإنما هي مرزوقةً مثله وواسطةً لأن يرزقه الله تعالى بواسطتها، ولا يعطيان من الأهمية أكثر ذلك فلا يخضع لها ولا يتذلل إليها باعتبارها نافعةً ومصدرَ رزقه وإنّه لا يخضع ولا يتذلّل إلّا لله تعالى. فإن كانت هذه الوسائط قد دعته إلى مخالفةِ أمر الله تعالى، لا يستَجِب، وإن هدَّدَته بقطع المال والطعام وخلافه، لا يلينُ لأنّه يُوقِنُ أنّه إن كان له رزقٌ فسيأتيه عبر هؤلاء أو عبر غيرهم وإن لم يكن له رزقٌ فلم يفته شيء فيعيش الإنسان في كرامةِ العبودية لله وحدَهُ ولا يخضعُ لاستعبادِ الخلق. ►

ارسال التعليق

Top