قبل أن يصبح مستشاراً ومتحدثاً وكاتباً، شغل آر. برايتون باون منصب كبير موظفي شركات فايف فورتشن فايف هندرد، وفيها مخازن فديرتد ديبارتمنت، وكابيتال هولدينغ كوربورشن التي باتت تعرف الآن باسم (آيغون). عندما بدأ عمله الاستشاري عام 1991، أصبح معنياً بـ"العلاقة المتغيرة بين أرباب العمل والعمال، وتأثيرها في مواقف العمال ومعنوياتهم". اهتمامه هذا قاده إلى إجراء بحث أدى به إلى إنتاج برنامج وثائقي مؤلف من خمسة أجزاء تحت عنوان: "غضب في ميدان العمل"، لحساب إذاعة ببليك راديو بارتنرشيب في لويسفيل، كنتاكي. يقول جون غريغوري، مدير برنامج دبليو إف بي إل، الذي اشترك مع باون في المسلسل الإذاعي: "إنّ هذا المجال لم يحظَ بما يكفي من اهتمام وسائل الإعلام الرئيسة. فيما كنا عاكفين على إعداد هذه البرامج، وجدت إن إدراكي وتنبهي، بوصفي مديراً، كانا ينموان. واكتشفت أنّ الغضب المستشري في ميادين العمل يمكن أن يكون قضيةً رئيسةً في كل مكان".
أجرى باون عدداً كبيراً من المقابلات واللقاءات مع أصحاب السلطات المتعلقة بأوضاع العمال، ومع ضحايا تسريح العمال، وضحايا التمييز، حتى مع من تعرضوا إلى محاولات قتل. تحدث باون مع توم براون الذي يعمل مع إدارة هارفارد للتطوير حول ما توصل إليه.
هل باتت مشكلة الغضب في ميادين العمل اليوم أكثر استفحالاً مما كانت عليه سابقا؟
الانفعال المتمثل في الغضب ليس غريباً، بالتأكيد، عن ميادين العمل الأمريكية. لكنْ ثمة عدد من العوامل – تسريحات العمال، والتقانة المتبدلة، والمسؤولية التي تقتضي من العمال تقديم مزيد من العمل لقاء حصولهم على أجور أقل – أسهمت في ازدياد القلق الذي أدى إلى تفاقم الغضب الذي ينطوي على شيء من المظالم. إضافة إلى ذلك، فإنّ الغضب يتزايد في المجتمع؛ يكفي أن تتابع برامج التلفاز كي ترى أنّ الغضب والعنف يقدمان بوصفهما مادة تثير التسلية المعتادة. خُضْ في زحمة السير؛ كي تطلع على غضب الشوارع، أو طالع الصحف؛ كي تقرأ عن العنف الذي يبتلي به أطفال المدارس أطفالاً آخرين من التلاميذ. ليس من المستغرب جدّاً أن نعرف أن جرائم القتل هي أكبر عامل مسبب لوفيات العمل، وهي تمثل أكبر نسبة مئوية من تلك الوفيات.
هل هذه الانطباعات معززة ببيانات واقعية؟
أعلن عن ارتكاب 856 جريمة قتل في ميادين العمل في العام المنصرم – أكثر من ضعف الجرائم التي ارتكبت، وأعلن عنها في المضمار ذاته قبل 12 عاماً. أعلن خبراء أن رسمياً أن "غضب العمل"، المتمثل في تخريب الممتلكات، يتزايد. عانت إحدى شركات الهاتف خسارة عشرة ملايين دولار أمريكي، بسبب تعرض معداتها وتجهيزاتها للإتلاف على أيدي عامل سابق غاضب. تتعرض الأنظمة الحاسوبية الحكومية، وأنظمة المؤسسات الحاسوبية لهجمات منتظمة بواسطة فيروسات معدة لهذه الغاية.
توجيه تهم التمييز، والمضايقات المستمرة، والإكراه بالتهديد تتزايد. وقد أضحى التقاضي الرامي إلى تسوية النزاعات بين أرباب العمل والعمال، أمراً أكثر شيوعاً.
لكن من المؤكد أنّ العمال كانوا، دوماً، يعانون التعاسةَ في ميادين أعمالهم
بالتأكيد، بيد أن أسلوب التعبير عن التعاسة كان أكثر ترتيباً وتنظيماً. إن كنت أحد أعضاء اتحاد وانتابك غضب من رئيسك في العمل، كان بوسعك أن تتظلم. إنّ غضبت من أمر ما في الشركة التي تعمل فيها، كان بوسعك أن تضرب عن العمل، أو أن تسهم في جعل العمل يتباطأ بوصف ذلك وسيلةً للحصول على مطالب معينة. الآن يوجد عدد أقل من الأنظمة أو الاتفاقيات المقررة على صعيد معالجة الغضب، لذلك يأخذ الأفراد في معظم الأحيان أمور معالجة الغضب على عواتقهم، ولا يكون أسلوب التعبير عنه عقلانياً، دوماً، أو مناسباً.
ما الذي يسبب في رأيك حدة الغضب هذه الأيام؟
الغضب عند من بلغوا سن الرشد. غالباً ما يتفجر نتيجة التهديد بفقدان شيء على جانب من القيمة أو الأهمية. يمثل العمل. والحب، وحرية التصرف ثلاثيةً تؤثر في شعور المرء بأنّه على ما يرام. وتزيد الخسارة، أو التهديد بخسارة أي من هذه الأمور الثلاثة من حدة غضب من بلغ سن الرشد. بإسقاط هذه الأمور على ميادين العمل، أصنف هذه العوامل بوصفها أكبر الأسباب التي تؤدي إلى الغضب: المصاغرة (تخفيض عدد العمال بواسطة تسريح بعضهم من العمل)، أو التهديد بالصرف من الخدمة؛ الضغط على العامل كي ينتج أكثر، ويتقاضى أجراً أقل، أو خسارة الموارد الراهنة؛ تجريد المرء من صلاحياته، أو فقدانه التحكم في العمل المطلوب إنجازه.
إلى أي مدى تعد قضية تخفيض عدد العمال مهمة، إذا أخذنا في الحسبان مستويات البطالة المنخفضة حالياً؟
كانت الشركات، في الماضي، تسرح بعضاً من عمالها عندما كانت تعاني مشكلاتٍ عويصة ومعقدة. أمّا اليوم، فقد أضحى تسريح العمال أمراً مألوفاً وعادياً، حتى عندما تكون أوضاع الشركات على ما يرام، بالرغم من أنّ الأبحاث تشير إلى أن أداء المؤسسات التي تطبق هذه المعايير القاسية والوحشية قلما يتحسن، والمرجح أنّه لا يتحسن مطلقاً. والأمر الجوهري هنا هو أنّه حتى التهديد بتسريح بعض العمال، يمكن أن يزيد من شدة القلق في ميادين العمل بطريقة دراماتيكية.
ماذا بشأن الأسباب الأخرى التي ذكرتها؟
إنّ للممارسات القائمة في ميدان العمل، والسياسات المطبقة فيه تأثيرها أيضاً. بالرغم من اللغة المنمقة والطنانة التي يستخدمها أرباب العمل في الحديث عن أعمالهم بوصفهم "المورد الأكثر أهمية"، فإنّ التمييز، والمضايقات المستمرة، وإقصاء العمال؛ كل ذلك يسهم في صب الزيت فوق النار المستعرة. ففقدان بعض المزايا مثل الإعانة المالية عند التقاليد أو المرض أو تقليصها، يزيد من شكوك العمال وخوفهم من المجهول. كذلك فإن بعض الممارسات التي تصادر في النتيجة صوت العمال، وتسلبهم حقهم في الشعور بالعنفوان والكرامة الشخصية – مثل إخراجهم من دائرة صنع القرار، أو إسقاطهم من دائرة الاتصالات المهمة – تؤجج عندهم مشاعر الغضب، وتزيد من إحباطهم.
ذكرت كلمتي "الغضب" و"الغيظ"، أليست هاتان الكلمتان متطابقتين من حيث المعنى؟
إنّ الاختلاف بينهما يتعلق بالدرجة لا بالطبيعة. أنا أدافع عن المديرين الذين يعالجون المواقف قبل أن تستفحل، فتتمخض بانقلاب في مواقف العمال، وتغيبٍ مزمن عن العمل، وتدنٍّ في الإنتاجية، وتخريب متعمد للممتلكات يستهدف تعطيل العمل، أو تقويض أركانه. يُعبر عن الغضب بأساليب شتى، ولا ينحصر في الاعتداء الفعلي. محاولات تعطيل حركة الطيران إبان عهد إدارة ريغان، كانت ضرباً من العدوان السلبي. لم يصب أحد حينها بأذى شخصي، بيد أنّ النظام برمته تباطأ نتيجةً لتباطؤ العاملين في أداء أعمالهم ومهامهم. ميدان العمل المتقلب اليوم هو ذو بيئة وطبيعة مختلفتين، حيث يمكن أن يتصرف العمال على نحو لا يمكن توقعه ولا التنبؤ به؛ الأمر الذي يتمخض عن عواقب خطرة ومهلكة – تنال المدير المستهدف، أو الشركة. عندما يخرج الغضب عن السيطرة إيذاء شخص ما، أو الإضرار به، أو إتلاف وتخريب ماديان، وعندها يكون قد تجاوز الحد، وتحول إلى غيظ.
هل بوسع المديرين أن يفعلوا أي شيء حيال الغضب العارم الذي ينذر بالقتال؟
لاشك في أن بوسعهم التصرف. أوّلاً: ينبغي أن يكون لديهم خطة للتعامل مع مواقف من هذا القبيل ومعالجتها. ثانياً: هم بحاجة إلى معرفة كيفية استشعار الحاجة إلى طلب نجدة خارجية. ثالثاً: يجب أن يكون لديهم خبرة بعلاقات العمال، وأن يكونوا مهرةً – ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً – في رصد العلاقات القائمة بين العمال. وكما أن قيادة السيارة الاحترازية (الوقائية) تقتضي من كل شخص أن يتحلى بروح المسؤولية حرصاً على السلامة، كذلك معالجة "النزعة العدوانية" تقتضي من كل مدير أن يحترز، وأن يتحلى بروح مسؤولة في آن معاً؛ كي يتمكن من معالجة الأمور معالجةً احترافية واستباقيةً ومنصفةً.
إضافة إلى ذلك، يجب على كل مؤسسة أن تتبنى بروتوكولات، وأساليب علاجية تمكنها من التعامل مع كل مستويات الغضب في ميادين العمل:
* عدم التسامح مع التهديد باستخدام العنف.
* انتهاج سياسة جازمة تشجع العمال على مجابهة المواقف على الفور، وبروح بناءة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.
* إقرار برامج تهدف إلى مساعدة العامل في مثل هذه الظروف، التي تعد خارج نطاق المسؤوليات الإدارية.
أخيراً: على الشركات أن تستثمر أكثر في مجال التدريب الهادف إلى التطوير الرقابي والإشرافي، والتدريب الرامي إلى إدراك العلاقات القائمة بين العمال، ويجب أن يشمل التدريب موظفين عاملين في أقسام الرقابة والإشراف، وفي غيرها من الأقسام. لا يخلف العمال عواطفهم وراءهم عندما يأتون إلى أماكن عملهم، بل يقصد كل عامل العمل مصحوباً بذاته الكاملة. يتعين على المديرين أن يركزوا اهتمامهم على العامل بوصفه كلاً متكاملاً، لا أن يقتصر اهتمامهم على أدائه العملَ المطلوب منه.
هل تحتاج ميادين العمل الحالية التي يحتدم فيها الغضب إلى متخصصين في معالجته؟
يوجد اليوم في بعض ميادين العمل متخصصون في معالجته. ثمّة متخصصون محترفون في حقل "معالجة الغضب" ينزعون إلى التعامل مع تجليات هذه المشكلة. وثمّة آخرون قليلون شرعوا في العمل على الأسباب الجوهرية لها. لم أصنف نفسي يوماً على أنني متخصص في مسألة الغضب، بيد أن جل عملي الذي أقوم به يتصل بجعل البيئات غير الصحية أقل سُمِّيةً واحتقاناً.
- لمحات موجزة مفعمة بالغضب (عن حياة أشخاص):
آر. برايتون باون
الحديث مع الموظفين هذه الأيام عما يدور من أحداث في ميادين عملهم، يعد تجربةً مفعمةً بالصدق والصراحة. حتى الموظفين الذين سبب لهم عنف ميادين العمل تشوهات، يمكن، بوجه عام، الاجتماع بهم، والتحدث معهم، وهم منفتحون، يتحدثون بشفافية عن المواجهات التي تعرضوا لها، وعن مشاعرهم حيالها. لقد تركت شهاداتهم في رؤيتي العاملين وأربابَ العمل بصمةً لا تزول، ولا يمكن أن تمحى مع أفول شمس القرن العشرين. أورد فيما يأتي قصصاً شديدة الإيجاز لبعض من تحدثت إليهم من الموظفين الأكثر رسوخاً في ذاكرتي:
· عمل توم مديراً إقليمياً لإحدى شركات التأمين على الحياة لما يزيد على عشرين سنةً، ونقل الشركة، من حيث حجم المبيعات، من موقعها الأكثر تخلفاً بين جميع شركات التأمين إلى حيث باتت واحدة من أفضل خمس شركات في البلاد. بعد أن تسلم نائب رئيس الشركة الجديدة مهام منصبه بلحظات، أخبر توم بأن مكتبه قد أقفل. بينما كان توم يقود سيارته من المطار متجهاً إلى مقر عمله، سأل: "ماذا سيحل بي؟" قال: إنّ الجواب الذي تلقاه كان مخيباً للآمال، ومثبطاً للهمة: "لقد عملت في هذه الشركة 23 سنةً يفترض أن تكون قد خلفت عندك ذكريات عطرةً. كنا ندفع لك بسخاء، ولسنا مدينين لك بشيء!".
· في معرض رواية آن قصَّتها قالت: إنّها "سرحت من عملها مع أعظم مجموعة من الموظفين يتمنى المرء أن يعمل معهم. لقد "نُسفنا" جميعاً من عملنا في يوم واحد. كانت هذه المجموعة – وأنا منها – مصدر فخري واعتزازي حقاً، وكنا نساند بعضنا بعضاً حتى النهاية القصوى مهما كانت مريرةً وقاسيةً". تتابع سردها قصتها، وقد كانت موظفة سابقاً في إحدى شركات الخدمات المالية الضخمة، فتقول: "عملت هناك على مدى ستة عشر عاماً. بالرغم من أنني ابتعدت عن العمل زهاء سنة، فقد خلف الموضوع في نفسي آثاراً عميقةً مفعمة بالغضب؛ إنّه غضب من إدارة الشركة العليا. أعتقد أنّ القائمين على إدارة الشركة لم يتخذوا الإجراء الذي ينبغي اعتماده لنقل الشركة إلى المستوى اللاحق – قرروا بيع الشركة في الوقت الذي كانت أسهمها لا تزال ذات قيمة إلى حد ما؛ ونحن نسفنا من عملنا نسفاً".
· بودي موظف تأمين صحي، متطوعون، قال: "لقد سرحت من عملي ثلاث مرات، ثمّ أعيد توظيفي من قبل صاحب العمل الذي أعمل معه حالياً". وأضاف قائلاً: "فيما يتعلق بولاء المرء لعمله، لقد مات، ما عليك إلا أن تنسى هذا الموضوع. في الحقيقة، لا يستغرب الموظفون في شركتي أن يتلقوا رسائل بريد إلكتروني تتعلق بطردهم من العمل، والتخلص منهم. يحددون – بطلب من الإدارة – موعداً مع الإدارة لعمل الترتيبات اللازمة لإنهاء خدماتهم".
· جان الذي كان يعمل في شركة إيست كوست يوتيليتي، يتذكر ما حدث: "في اليوم الأخير، دخلت إلى مكتبي، وشرعت في تنفيذ عملي وتنظيف جهاز الحاسوب، ثمّ خرجت من المكتب، وكان هذا كل ما في الأمر، لقد أسقط في يدي... لقد كان كل شيء مخيباً للآمال، باستثناء زملائي في العمل الذين ينتابهم قلق واضطراب. عملنا معاً زهاء اثني عشر عاماً. كان الموقف عاطفياً جدّاً... وصعباً جدّاً... – تجربة أرجو ألا تتكرر في حياتي مرة أخرى. أرجو ألا أعمل مطلقاً مع مؤسسة أخرى. لن أضع مصير مستقبلي في أيدي أي شخص آخر".
كيف ينظر عمال هذا حالهم إلى الغضب في مضماره الأوسع؟
يقول توم: "أعتقد أن ثمّة كثيراً من الغضب يتجمهر في ميادين العمل. عندما تغدو ضحية التسريح من العمل، تشعر بحاجة إلى الشعور بذاك الغضب، والتعبير عنه؛ اذهب إلى الغرفة الخاصة بك، واقذف بكرسي إلى الجدار كي تكسره؛ عليك أن تستشعر ذاك الغضب، وتخرجه من داخلك. دعه يخرج بأقصى ما تملك من قوة، ثمّ دع آثاره تجيش في صدرك، كي تعمل لمصلحتك، دون أن تظهرها. أود أن أقول: إنّ القائمين على إدارة الشركات والمؤسسات يخدعون أنفسهم، إن هم ظنوا أن جماهير العاملين فيها ليسوا غاضبين، وأنّهم، جميعاً، يحبون أعمالهم".
بالرغم من نصيحة توم، فإنّ القادرين على التكتم على غضبهم المتنامي ممن تحدثت معهم، قليلون جدّاً.
هل يحتاج المديرون إلى تدبر أمور غضبهم إضافة إلى معالجة غضب عمالهم؟
هذه المسألة وثيقة الصلة بالموضوع إلى أبعد حد! في الحقيقة، عادةً ما يكون مديرو الإدارات المتوسطة الهدفَ الأساسي عندما تنتهج المؤسسات سياسة تسريح العمال الجزئي. أما المديرون الذين يحتفظون بوظائفهم، فتراهم عالقين بين مطرقة صناع القرار الذين يشددون الخناق عليهم، وسندان الموظفين غير الرقابيين الذين يعانون الوطأةَ العظمى الناجمة عن التغيير. لقد تبين لي أنّ الأمر لا يقتصر مع كثير من المديرين على استشعار الوضعية الوظيفية المتردية لعمالهم، بل يتعداه إلى اشتراكهم فيها. هذا الأمر يؤدي إلى موقف شديد الحرج، إذ تطلب المؤسسات، في معظم الأحيان، من المديرين اتخاذ تدابير لا ينسجمون معها، ولا يوافقون عليها. وغني عن القول: إنّ هذا الوضع يزيد من حدة غضب المدير؛ هذا الوضع غير صحي.
لكن من المؤكد أنّ المديرين ليسوا بلا حول ولا قوة على الإطلاق.
كثير من الأمور التي تؤثر في مستوى الغضب المؤسسي تسوى من قبل إدارات المؤسسة العليا، حيث تكون القيم والثقافات مؤطرةً، وحيث يكون القرار متخذاً. تزداد الأوضاع صعوبةً عندما تقتضي الأوضاع من المديرين اتخاذ قرارات، وتنفيذها. على أي حال، ليس كل مدير قادراً على فعل أشياء كثيرة، بل يجب عليه فعلها؛ ليؤكد القيمة الشخصية، واحترام الذات، والرعاية، والاهتمام. وفي الحقيقة، كما أنّ العلاقات الإدارية تعد عاملاً حاسماً على صعيد التسويق الناجح، كذلك هي حال إدارة علاقات العمال والموظفين، إذ إنها حاجة أساسية، وملحة، ولا سبيل لاجتنابها داخل المؤسسة.
على وجه الإجمال، ما الأمور الأساسية التي يجب على المدير فعلها؟
أوّلاً: إعداد خطة للتعامل مع الغضب تتضمن إقرار سياسات، والاستعانة بمستشارين متخصصين لتنفيذ برنامج يهدف إلى مساعدة العمال والموظفين، وتحديد موارد خاصة بطريقة استباقية؛ للمساعدة على معالجة المواقف المتأزمة.
ثانياً: الاستثمار في مزيد من التدريب والتطوير، مع التركيز بوجه خاص على معايير الاتصالات الجازمة، والتدريب الهادف إلى صقل مهارات الرقابة والإشراف، والتدريب الرامي إلى تعزيز العلاقات الإنسانية، وبناء مهارات القدرة على إدارة الصراع من قمة الهرم إلى قاعدته.
ثالثاً: تعلمْ وعلمْ موظفيك، تدربْ ودربْ موظفيك، بحيث تتمتعون جميعاً بنوع من الاستقلالية، وتصبحون ذوي اختصاصات قادرين على إضفاء قيمة على المهام التي يوكل إليكم تنفيذها، بحيث يصبح موظفوك "بارعين في فن التغيير السريع"، عبر تعلمهم تبني مواقف جديدة على جناح السرعة؛ حتى إن أدى هذا الأمر إلى الذهاب إلى مكان آخر. كلما ازداد الناس ثقةً بأنفسهم، وتعززت الثقة فيما بينهم، ازداد احتمال تمكنهم من العمل في ظل القلق المصاحب التغيير.
سؤال أخير: بعد انقضاء عامين على البحث في هذا الموضوع، ما الأمر الذي أدهشك أكثر من غيره؟
فوجئت بعدد الخبراء – المتخصصين الاحترافيين، وأساتذة الجامعات، وحملة الإجازات الجامعية في مجال التجارة والأعمال، والمستشارين – الذين أكدوا تنامي الاهتمام بموضوع الغضب. إنها الحقيقة، لقد أجمع الخبراء على أن سوء إدارة الغضب يتمخض عن تكاليف باهظة جدّاً. أستطيع أن أضيف أنّ الأمر الذي يبعث على الذهول المحزن، هو أن كثيراً ممن طالتهم التسريحات العمالية أفضوا بدخيلة أنفسهم قائلين: إنّهم لن يعودوا مطلقاً إلى الالتزام العميق، والولاء عندما يعملون في مؤسسات أخرى؛ يا له من أمر مؤسف!
كان الولاء في الماضي يعني طاعةً عمياء للشركة. ما أتحدث عنه هو مبدأ الالتزام في التعامل، والعلاقة بين شخص وآخر. حيثما تُسدِ الثقة، يمكن إنجاز أمور عظيمة. الغضب المفسد والمنحرف أوجد معياراً من عدم الالتزام بين أرباب العمل والعمال، كما لو أنّ الشعار الذي بات يرفعه كلاهما هو:
"سوف أستخدمك، لكني لن أدعك تستغلني". لقد جلبت الأعمال التجارية هذا الشر والبلاء على نفسها؛ البلاء المتمثل في الاستخدام القصير الأمد المشروط بمدة مؤقتة للعمال، بحيث يعملون في مشروع محدد، وتنتهي خدماتهم بانتهاء أعمال ذاك المشروع.
هذا التوجه أكّد انعدام المبالاة في المجتمع نعيش فيه. وفي الحقيقة، يُنظر إلى العمال على أنهم سلع يمكن التخلص منها، لا على أنهم موارد إنسانية يُعتز بها. إن كبار المديرين التنفيذيين يتحدثون عن العمال حديثاً يشوبه النفاق والرياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قراءات إضافية
Anger at Work by Hendrie Weisinger (1995, William Morrow and Company).
The Assertive Advantage: A Guide to Healthy and Positive Communication by Sharon Anthony Bower (1994, National Press Publications).
The Human Equation: Building Profits by Putting People First by Jeffrey Pfeffer (1998, Harvard Business School Press).
Preventing Workplace Violence by Marianne Minor (1995, Crisp Publications).
المصدر: كتاب التعامل مع الموظفين المشاكسين
ارسال التعليق