• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مزاج جيد= عمل جيد

مزاج جيد= عمل جيد

هناك قاعدة تقول Good mood = good work أي إنّ المزاج الجيِّد يؤدي إلى عمل جيِّد ولقد أثبتت الأبحاث أنّ الأشخاص الذين يكونون في مزاج جيد يعطون أفضل ما عندهم إذ تزداد كفاءتهم العقلية وقدرتهم على فهم المعلومات وصنع القرار ويصبحون أكثر مرونة في تفكيرهم. وفي دراسة شملت 32 محلاً لتجارة التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية تبين أنّ المحلات التي يسود فيها المزاج الجيِّد تبيع أكثر، لأنّ الزبنون يرتاح في أثناء تسوقه فيها فيعود إليها ويقوم بدعاية شفوية لها أيضاً، وعندما تمت مقابلة مديري هذه المحلات وجد أن مديري المحلات التي كان يسودها المزاج الجيِّد كانوا أكثر تفاؤلاً وثقة بأنفسهم وانفتاحاً من باقي المديرين، ومن ثمّ أشاعوا جو التفاؤل والثقة والانفتاح في متاجرهم.

إنّ المشاعر معدية فأنت عندما تكون في فريق عمل تؤثر وتتأثر بمشاعر هذا الفريق، وقد بينت دراسة أجريت على سبعين فريق عمل أن مزاجاً واحداً يسود الفريق بعد ساعتين من عمل أفراده بعضهم مع بعض. ويمكن للقارئ أن يدرك قوة انتقال المشاعر إذا تصور نفسه في مجموعة من الناس يبكون على فقد قريب لهم، لا شك أنّه سيصاب بالحزن والأسى، وقد يبكي معهم أما إذا كان في مجموعة من الناس يضحكون ويمرحون فستنتقل مشاعر المرح إليه بعد فترة قصيرة.

إذن يتأثر أفراد الفريق الواحد بعضهم بمشاعر بعضٍ، لكن الشخص الذي يكون له التأثير الأقوى هو قائد الفريق لأنّ الناس ينظرون دوماً إلى القائد، ومن ثمّ يتأثرون به أكثر من تأثرهم بعضهم ببعض، فالقائد يتكلم أكثر ويُنصتْ إليه باهتمام أكثر حتى عندما يُطرح سؤال ما فإنّ الناس ينظرون إلى القائد ليروا ردة فعله وليس إلى السائل. إنّ مشاعر أفراد الفريق تمتزج بعضها مع بعض لتشكل حساء متجانساً، لكن الشخص الذي يضيف النكهة الأقوى إلى هذا الحساء هو القائد، لأن مشاعره لها التأثير الأكبر في باقي أفراد الفريق.

إنّ قائد الشركة الذي يثني على موظفيه إذا أحسنوا وينقدهم بشكل بناء إذا أساؤوا ويدعمهم حينما يحتاجون إليه، ويشعر كلّ واحد منهم بأهميته، ويشجعهم على المرونة، ويشعرهم بأنهم أحرار في اختيار أفضل الطرق لإنجاز عملهم ينقل هذه الروح الإيجابية من التشجيع والنقد البناء والتعاون والمرونة والاحترام المتبادل إلى الموظفين المحيطين به، وهم ينقلونها بدورهم إلى من حولهم، وهكذا تنتشر هذه الإيجابية في دوائر متتالية حتى تشمل كلّ أفراد الشركة.

أما قائد الشركة الذي يعامل موظفيه بتوتر وغضب دائمين والذي لا يقبل أي انتقاد ويلقي المسؤولية دوماً على الآخرين، ويتصلب في مواجهة المشكلات ولا ينصت إلى آراء من حوله ولا يحترمهم فإنّه ينقل هذه الروح السلبية من الغضب والتوتر وتبادل اللوم والتصلب وعدم الاحترام إلى الموظفين المحيطين به، وهم ينقلونها بدورهم إلى من حولهم، وهكذا تنتشر هذه السلبية في دوائر متتالية حتى تشمل كلّ أفراد الشركة.

إنّ هذه لا يعني بالطبع أن يكون المدير لطيفاً طوال الوقت، فقد تواجهه مشكلات تتطلب منه إبداء شيء من التوتر أو الغضب لكي يدفع الموظفين إلى مزيد من الانتباه والحذر لكن هذا التوتر أو الغضب يجب أن يكون أمراً عابراً، أما عندما يصبح مزاجاً ملازماً للمدير فإنّه سينتشر في الشركة كالوباء ويسمم العلاقات بين أفرادها، وقد بينت دراسة أجرتها جامعة يل أنّ المشاعر السلبية المزمنة وخصوصاً الغضب والقلق والخوف والإحباط تؤثر بقوة في العمل.

إنّ الحالة العاطفية للقائد تؤثر في أداء العاملين معه فهي ليست أمراً شخصياً متعلقاً به، بل إن أداء الشركة بأكمله مرتبط بحالته العاطفية فإذا كان متفائلاً منفتحاً متعاوناً صريحاً نقل روح التفاؤل والانفتاح والتعاون والصراحة إلى كلّ أفراد الشركة، وإذا كان متشائماً منغلقاً أنانياً نقل روح التشاؤم والانغلاق والأنانية إلى كلّ أفراد الشركة.

 

إنّ القيادة هي فن التعامل مع المشاعر،

والذي يهمل هذه الناحية لا يمكن أن يكون قائداً ناجحاً أبداً.

لكي تقود نفسك استخدم عقلك، ولكي تقود الآخرين استخدم قلبك.

 

في أحد الأعوام أنشأت هيئة الإذاعة البريطانية قسماً تجريبياً، ووظفت فيه مئتي صحفي، ثمّ قررت بعد فترة وجيزة إغلاقه، وأرسلت أحد مديريها لإخبار الصحفيين بقرار الإغلاق. اجتمع المدير بالموظفين، ونقل لهم القرار كما هو من دون أي مقدمات، ومن دون أي مراعاة لمشاعرهم، فكانت النتيجة أنّ هذا القرار أثار سخطهم، حتى إنّ المدير فكر في استدعاء الشرطة لكي يتمكن من الخروج سالماً من قاعة الاجتماع.

في اليوم التالي أرسلت هيئة الإذاعة البريطانية مديراً آخر ليشرح لهم ملابسات القرار، وكان هذا المدير يعمل صحفياً فيما مضى، فافتتح كلامه بالحديث عن مهنة الصحافة وقدسيتها وأهميتها للمجتمع، ثمّ شكرهم على الجهد الذي بذلوه، وتمنى لهم مستقبلاً باهراً، فكانت النتيجة أن صفق له الجميع، وخرجوا متفهمين لقرار إغلاق القسم.

إنّ المدير الأوّل لم يعرف كيف يتعامل مع مشاعر هؤلاء الصحفيين، فأثار سخطهم وتذمرهم، أما المدير الثاني فمارس القيادة الحقيقية، وهي التعامل مع المشاعر، فنجح في تهدئتهم.

 

المصدر: كتاب الذكاء العاطفي في الإدارة والقيادة

ارسال التعليق

Top