• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف تجري نقاشات صعبة؟

كيف تجري نقاشات صعبة؟

"كلّ ما في الأمر أنني لا أستطيع أن أحمل نفسي على التحدث معها عن ذاك الأمر".

هل حدث لك أن لاقيت متاعب لدى إثارتك قضية زيادة راتبك مع مدير متحجر المشاعر؟ أو هل شعرت، ذات مرة، بأنّه لا حول لك ولا قوة لدى مجابهتك مراهقاً يقول: "لماذا لا تثق بي؟"، أو تلكأت في تحرير مراجعة نقدية لأداء زميل عمل، وهو في الوقت ذاته صديق عزيز، تصف فيها أداءه بأنّه أقل من متألق؟

في خضم مناقشات صعبة: كيف تناقش أكثر المسائل أهميةً. يزودنا المؤلفون دوغلاس ستون، وبروس باتون، وشيلا هين بطريقة لمعالجة المناقشات التي طالما خشينا الانخراط فيها، وذلك باتباع منهجية خطوة فخطوة.

يقول المؤلفون: تتمثل الخطوة الأولى في تصنيفك المناقشات التي تحاول أن تجريها فعلاً. وتحدث المناقشات على مستويات ثلاثة مختلفة: في المستوى الأوّل، تدور المناقشات حول "ماذا حدث؟"، وهي تتعلق بقضية المناقشات التي ما تزال قائمةً. تتضمن المناقشات الصعبة، في معظم الأحوال، اختلافات جوهرية تتعلق بالحقائق الفعلية للقضية. على سبيل المثال: هل تأخر المشروع بسبب ضعف مقدرة مزود الخدمات، أم يمكن أن تعد ظروف عمله مخففة؟

ثانياً: ثمة نقاش يتعلق "بالمشاعر". وثمّة احتمال لوجود مشاعر مؤلمة في ثنايا كل محادثة عسيرة. يجب أن نكون قادرين على معالجة مشاعرنا، ومشاعر الفريق الآخر معاً. هل يتخذ مزود الخدمات ذاك وضعاً دفاعياً لا يصدق عندما تشتكي من التأخير لأنّه أحمق، أم لخشيته من أن يخسر عقد العمل؟

وأخيراً، يوجد نقاش "الهوية". هل هذه المناقشات تهدد تحديدنا الذات؟ لا أحد يحب أن يصدق أنّه عديم الأهلية، أو أنّه ليس محبوباً. قد تنطوي المناقشات الصعبة على لحظات قاسية من الاستبطان (فحص المرء أفكاره، ودوافعه، ومشاعره). هل مزود الخدمات مصاب بهوس الكمال، فيساوره شعور بأنّه معرض للتهديد عندما يجابه بدليل يثبت أنّه في الحقيقة أقل من مثالي؟

عند مستوى الحقيقة، يطلب منا الكتاب أن نركز على ما هو مهم، لا على ما هو صحيح وحقيقي. نفسر عادةً أفعال الآخر، وأفعالنا على نحو مختلف؛ لأنّ الأمور المختلفة تعد مهمةً لنا. ليس الهدف، هنا، اتهام الشخص الآخر بالكذب، بل الهدف هو أن حاول طرح ما يهم كلّ طرف من الطرفين على بساط البحث والنقاش. إنّ العامل الحاسم – في هذا المقام – يتمثل في عدم إلصاقك التهم على الطرف الآخر على افتراض أنّه سيئ النية. يتعين عليك أن تفسح المجال أمامه؛ كي يحدثك هو عن نياته. وعلى نحو مماثل، لا تنجرَّ إلى لعبة تبادل اللوم، والانتقاد، وتحميل مسؤولية الخطأ والفشل؛ لأن ذلك لا يؤدي إلا إلى تأجيج مشاعر الإحباط والعداء لدى الجانبين كليهما.

يشير علينا المؤلفون "بالانتقال إلى محادثات التعلم". ركز اهتمامك على إيضاح نيتك واستيضاح نية الطرف الآخر، وعلى معرفة ما يريده كلا الطرفين، وعلى استكشاف هويتيّ الطرفين كليهما بنحو جوهري. اسأل مزود الخدمات والمواد ذاك عما فهمه من العقد، وهل بحوزته كل المعلومات التي يحتاج إليها في سبيل إتمام متطلبات العمل. هل كان ينتظر جزءاً مهماً من البيانات التي كان يفترض أن تزوده بها، في وقت محدد، إلا أنك تأخرت قليلاً؟

إضافة إلى ذلك، تحتاج – عند هذا المستوى – إلى الفصل بين النية وما تتمخض عنه. علينا أن نفهم، أوّلاً، نية الطرف الآخر؛ هل كان مزود المواد عازماً على إحضار المنتج لك في الوقت المحدد على وجه الدقة، أم ضمن النطاق الزمني الذي وجده مقبولاً فقط؟ إنّه سبيلك الوحيد كي تعرف ما هو السؤال. بعد ذلك، نحتاج إلى تبادل الحديث عن التأثير الذي تمخضت عنه تلك النية. يمكن أن يكون للنية الطيبة أثر سيئ في شخص آخر، ويجب على كلا الطرفين أن يعترفا بهذه الحقيقة المُرّة.

عند المستوى الثالث – المشاعر – نحن بحاجة إلى أن نتعلم كيف نعبر عن مشاعرنا بعناية، لا أن نجعل من الحديث عنها مناسبة للتنفيس عن مشاعر الغضب التي تعترينا. علينا أن نمنح الآخرين الوقت والاحترام اللازمين لفعل الشيء ذاته. يتعين على كلا الفريقين تجنب الخط الكلاسيكي الذي يؤدي إلى انحدار مستوى المحادثات الجيدة: "لقد جعلتني أشعر...". تحدث بطريقة تحاكي شعورك، ودع الطرف الآخر يفعل الشيء ذاته.

عند مستوى الهوية، علينا أن نسأل أنفسنا: ما الذي عليه الرهان؟ يقول المؤلفون: إن صرف الموضوع من الذهن هو الاستجابة المناسبة في كلّ المواقف التي لا تعدو مسائل حياة أو موت. نستطيع، بهذه الطريقة، أن نصوب قراراتنا من التشبث بقصتك، امنح نفسك وقتاً كي تتعلم من قصة الطرف الآخر عما حدث. بعد ذلك ابتكر قصةً ثالثةً تبدؤها بدعوة الطرف الآخر للتعبير عن مشاعرها، وفهمها الشيء الذي عليه الرهان. اطرح أسئلةً مفتوحةً، وأعد صياغة الأجوبة، واتلُها على مسامع الطرف الآخر؛ كي تتوثق من أنك قد فهمت ما قيل لك، واعترف بمشاعر الشخص الآخر. ما هو الأمر الأكثر أهميةً في علاقتك بمزود المواد والخدمات؟ هل هو تسليم المواد في المواعيد المحددة؟ أو النوعية؟ إن اعتماد قصة تتوافقان عليها يمكن أن يؤدي إلى تحقيق علاقة عمل أكثر نجاحاً وانسجاماً.

يحثنا المؤلفون أخيراً على عدم النظر إلى المحادثات بوصفها مسألة "إما - أو"، بل بوصفها مسألة "كلا الأمرين – و". ولا تقتصر فوائد هذه الرؤى على جعل المحادثات الصعبة سهلةً، بل تتعدى هذا الحد وصولاً إلى جعلها أكثر إثماراً. تذكر هذا الأمر عندما يسألك – في المرة القادمة – المراهق الذي يدور في فلكك: "لماذا لا تثق بي؟".

 

المصدر: كتاب التعامل مع الموظفين المشاكسين/ مطبوعات كلية هارفرد لإدارة الأعمال

ارسال التعليق

Top