• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قواعد التواصل الاجتماعي

قواعد التواصل الاجتماعي

    ثمة آداب تشكِّل جزءاً لا يتجزّأ من فنّ التعامل مع المجتمع، منها الآتي:

     1- آداب التحيّة:

    أ) من آدابها أن يسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، والرجل على المرأة، والابن على الأب، والداخل إلى مكان على من فيه، ولكنّ فنّ التعامل مع المجتمع كما يعلِّمنا رسول الله (ص) الكثير من دروسه يتطلّب أيضاً أن تكون سبّاقاً إلى تحيّة الإسلام وهي (السّلام) فلم يكن أحد يسبق رسول الله (ص) إليه.

    ب) ومن آدابها أن تستخدم التحيّة المعهودة في الإسلام وهي (السّلام عليكم) لتعبِّر بذلك عن هويّتك وشخصيّتك، فلا يصحّ لنا كمسلمين أن نتبادل فيما بيننا التحايا الأجنبيّة في الوقت الذي لنا تحيّتنا الجميلة التي ليس لها مرادف في كلّ تحايا العالم.

    ج) أن تُقبل بكلّك على صاحبك وأنت تحيّيه حتّى تشعره بحرارة تحيّتك، ولا يصحّ أن تصافح أحداً ويدك الاُخرى في جيبك، أو أنت متّكئ على سيارتك أو على جدار أو على شجرة، فذلك ينتقص من قدر حبّك لصاحبك.

    د) أن تردّ التحيّة بأحسن منها، فذلك هو خُلُق الإسلام الذي لا يقابل الحسنة بالحسنة بل بأحسن منها (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّة فَحَيُّوا بِأَحْسَـنَ مِنْهَا أَو رُدُّوهَا) (النساء/ 86). وأحسن من (السّلام عليكم) الرّد بـ(وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته).

    هـ) علينا أن نحيِّي النِّساء بتحيّة الإسلام أيضاً، وأن نعبِّر عن احترامنا لهنّ بالكلمات المؤدّبة العفيفة، ولا تجوز مصافحتهنّ لأنّ الإسلام يعتبر ذلك جزءاً من الحصانة الأخلاقية.

    

    2- آداب المهاتفة:

    صحيح أنّك لا ترى صاحبك على الطرف الآخر في الهاتف وهو لا يراك، لكنّ ذلك لا يعني أن تتساهل في آداب المهاتفة التي منها:

    أ) السلام أوّلاً، ولابدّ أن تشعر صاحبك بحرارة صوتك ودفء مشاعرك كما لو كنت تتحدّث معه وجهاً لوجه.

    ب) التعريف بالإسم من قبل صاحب المكالمة لأنّ بعض الأصوات قد تتشابه، وحتّى لا تحرج صاحبك في تمييز المتكلِّم أخبره باسمك فور إلقاء التحيّة.

    ج) تأكّد من الرقم الصحيح، ومن الوقت المناسب، وبادر إلى الاتصال ثانية فيما إذا انقطعت المكالمة سواء كنت أنتَ المتكلِّم أو كنت المخاطَب.

    د) اختصر المكالمة على قدر الحاجة، وإذا بلّغت جهاز التسجيل المرفق بالهاتف أنّك ستعاود الاتصال فعاوده ذلك أنّ وعد الحُرُّ دَيْن، وأنّ المؤمن إذا وعد وفى.

    هـ) استفد من الهاتف في المناسبات السعيدة كالأعياد لتوصل تهانيك وتبريكاتك إلى أكبر عدد ممكن من الأقرباء والأصدقاء الذين لا تقدر على زيارتهم ـ وإن كانت الزيارة أفضل ـ ولكنّ المهاتفة ـ كما هي المراسلة ـ نصف اللِّقاء المباشر.

    و ـ إذا طلب جارك أو صديقك استخدام الهاتف غادر المكان ريثما ينتهي من إجراء المكالمة، فقد تكون لديه بعض الأسرار التي لا يحب اطِّلاعك عليها.

    ز) الردّ على المزعجين والمشاكسين لا يكون بالكلمات الحادّة بل بالكلام الموزون اللبق الخالي من أيّة بذاءة، فذلك أدعى إلى منعهم من تكرار الاتصال.

    

    3- آداب الشكر:

    مرّ معنا أنّ جزاء الإحسان هو الإحسان، وأنّ ردّ الجميل بالجميل أو بأجمل منه، فلا يليق بي أن أقابل الحسنة بالصمت أو اللاّمبالاة أو الجحود أو الإساءة، ولذا كانت للشكر آداب، منها:

    أ) المبادرة إليه فور اداء الإحسان لمن أحسن فإرجاؤه يقلِّل من أثره وقيمته، وإن كان تأجيله لسبب قاهر أفضل من إلغائه بالمرّة.

    ب) تمنَّ وأنت تشكر من يسدي إليك خدمة أن تتمكّن من خدمته مستقبلاً، واسع إلى ذلك، فذلك هو الشكر العمليّ الذي يعمِّق المودّة ويشجِّع على مزيد من الإحسان.

    ج) الشكر ليس محدّداً بشخص أو أشحاص معيّنين فهو لكلّ المحسنين مهما كانت درجات إحسانهم، فهو كما للأب والاُم والأخ والاُخت والصديق والمعلِّم والمدير، كذلك هو لساعي البريد وعامل البلدية والنادل في المقهى والجابي في الحافلة وحارس البناية وماسح الأحذية وغيرهم.

    د) يستحسن عدم استخدام الكلمات الدخيلة أو الأجنبيّة أثناء تقديم الشكر، فلغتنا العربية الجميلة فيها الكثير من مفردات الشكر والثناء والعرفان، فبدلاً من أن أقول (ميرسي) أو (ثانك يو) يمكن أن أقول: (جزاك الله خيراً) أو (رضي الله عنك وأرضاك) أو (بارك الله فيك) أو (أثابك الله)، وما إلى ذلك.

    هـ) إنّ جواب كلمة (أشكرك) أو (شكراً) هو (الشكر لله) أو (لا شكر على واجب) أو (المشكور أنت) وليس (عفواً) فهي كلمة للاعتذار وليست جواباً على شكر.

    

    4- آداب الصحبة والمجالسة:

    دعت الأحاديث الشريفة إلى أن نصحب إخواننا وأصدقاءنا بالفضل بأن نفضِّلهم علينا، وأن ننصفهم فلا يشعروا بأدنى غبن أو ظلم في صحبتنا لهم، وأن نكرمهم فلا نكون البخلاء معهم، وأن نحفظهم في حضورهم وغيابهم فلا نسمح لأحد بأن يتطاول عليهم أو يسيء إليهم، وأن نبدي لهم النصيحة، ونشجِّعهم على طاعة الله تعالى، ونعينهم على أنفسهم بتجاوز أخطائهم وسيِّئاتهم.

    وكم هو جميل اختصار ذلك كلّه بالقول «كن عليه رحمة ولا تكن عليه عذاباً». ومع ذلك فإنّ للصحبة آداباً ينبغي مراعاتها وإلاّ قصّرنا في حقّها:

    أ) أن لا نخدع صاحبنا في أي أمر، بل يجب أن نكون صريحين معه في كلّ شيء، وأن لا نغشّه بل نكون أمناء في نصيحته، وأن نتلطّف في طرحها.

    ب) أن لا نكذب عليه البتّة، وأن يكون الصدق ثالثنا ورائدنا، فليس احفظ للصحبة وللصداقة من الصدق في المواضع كلّها.

    ج) أن لا نعمل على انتقاصه مهما بدا لنا ما يدعو إلى ذلك، فالانتقاص من الأخ أو الصديق هو انتقاص لأنفسنا، لأنّ موقع الأخ والصديق والصاحب هو موقع النفس منّا، وبدلاً من تعييره وانتقاصه لأعمل على استكمال جوانب شخصيّته، فذلك أوثق للصداقة، وأحبّ إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

    د) إذا جلست مع صديقك فكن ليّناً معه في اختيار الكلمات المناسبة والمشاعر المعبّرة عن الحبّ والحرص فـ «اللين يؤنس الوحشة». وقد عبّر القرآن عن ذلك أجمل وأرقّ تعبير (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الحجر/ 88). فكأنّك وأنت العزيز الكريم ذليل بين يدي أخيك، ولكنّها ذلّة المحبّة لا ذلّة تهين بها نفسك.

    ومن متطلّبات الملاينة: المجاراة في غير المنكر، وأن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، وأن لا تقوم من المجلس إلاّ بإذنه، وأن لا تسمعه إلاّ خيراً فـ«لفظة السوء تبعث الشرّ، والخير مقمعة للشرّ»، وأن تشكره على حسن صنيعه.

    هـ) في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) «المجالس بالأمانة» أي ليس لي أن اُفشي حديثاً أو سرّاً يكتمه صاحبي لا سيما إذا خصّني به دون غيري، فلا يجوز البوح به إلاّ بإذنه.

    و) وإذا ضمّ المجلس أكثر من اثنين فلا يليق بي أن أهمس لأحدهما بحديث لا أريد أن يسمعه الثالث، فذلك ممّا يحزنه ويؤذيه، فحتّى لو لم يكن الهمس يعنيه لكنّه إشعار له أنّه غير أهل للثقة.

    

    5- آداب الهدية:

    فنّان جميل الذوق ومرهف الحسّ ذاك الذي اخترع الهدية لما لها من أثر ساحر في نفس الطرف المقابل، فأنت حينما تهديني أيّة هدية ـ والهدايا في معناها لا في قيمتها المادِّية ـ إنّما تقدِّم لي تعبيراً محسوساً على حبّك لي، وكما يحلو لي أن أفرح بهديتك فإنّ لك عليَّ حقّاً أن أبادلك الهدية بالهدية.

    ولمّا كانت الهدية تعبيراً عن مشاعر لا تستطيع الكلمات إيصالها، فإنّ لها آداباً، منها:

    أ) لابدّ من الذوق والدقّة في الاختيار، فاختيار المرء ـ كما يقال ـ قطعة من عقله، فقد تكون الهدية صغيرة في حجمها كبيرة في مغزاها.. إن كتاباً ممّا يحب صديقك مطالعته قد يعدل أو يفوق لديه أيّة هدية اُخرى.

    ب) كما لا بدّ من اختيار المناسبة، ولكن قد تكون الهدية بمناسبة وقد تكون بلا مناسبة، فعلاقتك بأخيك وحرصك على تنميتها مناسبة بحدّ ذاتها. كما أنّ تحيّن الفرص السعيدة كالنجاح أو تحقيق انجاز معين أو تخرّج أو زواج أو شراء بيت أو قدومه من سفر، لتقديم الهدايا، هو ممّا يعزّز أواصر الصداقة ويغذّيها. وفي الحديث الشريف «تهادوا تحابّوا».

    ج) إنّ تغليف الهدية بغلاف جميل عليه عبارات تبريك رقيقة وتمنيات عطرة أو أبيات من الشعر، يجعل الهدية ناطقة بأكثر من لسان.

    د) يُفضّل أن يراعي المُهدي الفائدة العملية للهدية، فلبعض الهدايا عمرٌ قصير ولبعضها عمر أطول، وبعضها ذو فائدة محدودة وبعضها ذو فائدة أكبر، فربّما كانت لوحة زهيدة الثمن مخطوط عليها بخط جميل حديث شريف أو آية مباركة أو حكمة مأثورة تجعل من الهدية أثراً فنّياً وأدبياً خالداً لا ينسى.

    هـ) لا يصحّ إطلاقاً نقد الهدية أو التقليل من قيمتها حتّى ولو كانت كذلك، فلابدّ من شكر المُهدي على كلّ حال واستقبال هديته المتواضعة برضىً ملحوظ. فلقد أهدى تلميذ من أسرة فلاّحية أستاذه شيئاً من الخيار في أوّل موسمه، فتناول المعلِّم واحدة منه فكانت مرّة المذاق فاستذوقها، ثمّ تذوّق الثانية فكانت كذلك فأكلها والطلاّب ينظرون باستغراب لعدم دعوتهم لمشاركة الأستاذ في أكل الخيار حتّى خرج التلميذ وهو مسرور بهديته لأستاذه الذي التفت إلى تلاميذه قائلاً: قد تستغربون منِّي ذلك، لكنّ الخيار كان مرّاً ولو كنت قدّمته لبعضكم وتأفّف من مرارته لكان ذلك إساءة للتلميذ الذي كان فرحاً بهديته وقد أردت إدخال السرور عليه باستطعامي لخياره!

    و) كما لا يصحّ أن تهدي ما أهدي إليك، فقد قيل إنّ الهدية لاتُهدى، فهي مّما خصّك به مهديها فكيف تفرّط بهدية لو رآها مهديها عند غيرك فلربّما ساءه ذلك.

    

    6- آداب الزيارة:

    من الاُمور التي رحنا نزهد فيها ـ في عصر الانشغال هذا ـ وهي ذات أثر كبير في تمتين الروابط الاجتماعية هي التزاور الذي حثّت عليه أحاديث كثيرة لدرجة اعتبار أنّ من يزور أخاه المؤمن فكأ نّما زار الله ورسوله. ومن آداب الزيارة:

    أ) تحديد موعدها مسبقاً والتقيّد بذلك، فلا يجوز أن تخلف موعداً أو تتأخّر عنه إلاّ لأسباب خارجة عن إرادتك، وإذا حصل وتأخّرت أو أردت إلغاء الموعد فلا بدّ من أن توصل اعتذارك لمن تريد زيارته بأيّ شكل حتّى لا يبقى في انتظارك.

    ب) إذا زرت صديقاً أو أخاً في الله من دون موعد واعتذر عن استقبالك لظروف هو أعلم بها فـ«صاحب الدار أدرى بالذي فيه» فلا تغضب ولا تعتبر ذلك إهانة، بل هو حقّه الذي عليك أن ترعاه.

    ج) من الأفضل تحديد وقت تستغرقه الزيارة، فقد يكون لمضيّفك مواعيد اُخرى، أو لديه أعمال يريد إنجازها، فإذا تركت نهاية الزيارة سائبة فقد تثقل عليه وتحرجه.

    د) إذا دخلت بيت أحد أصدقائك فلا تكن فضولياً تتدخل في شؤون البيت وأهله أو تدسّ أنفك فيما لا يعنيك، فقد لا يريد صاحب البيت أن تسأله أو تطّلع على كلّ شيء، وهذا يقتضي أيضاً أن تحفظ عينك ولسانك فذلك من أدب المسلم الزائر المؤتمن.

    هـ) يُستحسن أن تحدِّد هدفاً للزيارة، فالتواصل بعد انقطاع هدف، والمباحثة في أمر أو قضيّة تهمّ أحدكما أو تهمّكما أو تهمّ المسلمين هدف، والسعي لحل مشكلة هدف، والأهداف بعد ذلك كثيرة فلا تدع زيارتك غرضاً للثرثرة والاغتياب وتمضية الوقت.

    وللزيارة أنواع، ولكلّ نوع منها أدبه، فبالإضافة إلى زيارة الإخوان هناك زيارة المريض وزيارة الجار، وإليكم آداب كلّ منهما:

    

    - زيارة المريض:

    من بين الاُمور التي تساعد المريض على الشفاء العاجل، أو على الأقل تقلِّل من تدهور حالته النفسية بسبب أزمته الصحّية هي عيادته، ولذا حثّ الإسلام على زيارة المريض وجعل لذلك آداباً منها:

    أ) عدم إطالة الزيارة لأ نّها قد تثقل على المريض الذي يحتاج إلى فترة طويلة من الراحة، إلاّ إذا كان المريض راغباً بالاستزادة.

    ب) خصّص زيارتك للمريض في الاستماع إليه أو إلى ذويه فيما يتعلّق بوضعه الصحّي وآخر تقارير الأطباء عنه، ولا تتحدّث عن نفسك، فحديث المريض عن وضعه هو بمثابة متنفّس لبعض ما يعاني أو لنقل أنّه مسكّن لبعض آلامه.

    ج) من اللطف بالمريض أن تكون زيارتك له مقرونة بالهدية سواء كانت باقة ورد مرفقة بأطيب التمنيات، أو أي شيء يدخل البهجة عليه، فهو جليس المستشفى الذي لايستطيع مغادرته حتّى يتماثل للشفاء، وإطلالتك عليه من بعض منافذ اتصاله بالعالم الخارجي.

    د) أن تكثر من الدعاء للمريض بالشفاء والأجر، وأن ترفع من مستوى معنوياته، وتشدّ من أزره، وأن تتمنّى له الامنيات التي يتمنّاها في العودة سالماً معافى إلى أحضان أهله وأحبّته، وأن تزيد في صبره على تحمّل الآلام فيما تحفظ من آيات وأحاديث وحِكَم.

    هـ) أن تلمس جبهة المريض الذي قد يكون يشتكي الحمّى أو الصداع، وأن تضع يدك على يده ممّا يجعله يأنس بلطفك ومحبّتك وعنايتك، لأنّ ذلك يعني أنّ صحّته تهمك وأ نّك تتفقّده. يقول علي (عليه السلام): «من تمام العيادة للمريض أن يضع إحدى يديه على الاُخرى أو على جبهته».

    و) لابدّ من مراعاة تعليمات المستشفى فيما يتعلّق براحة المريض فهي أعرف منّا بما يريحه، وإذا كان مستسلماً للنوم فمن الأفضل أن ننسحب بهدوء تاركين تمنياتنا له بالشفاء العاجل على ورقة أو مع أهله وذويه، ويمكن الاستيضاح منهم عمّا يحتاجه أو يحتاجونه من خدمات يمكن أن نساهم في تلبيتها.

     

    - زيارة الجار:

    أوصى الله تعالى بالجار (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) (النساء/ 36). وأوصى رسوله (ص) بالجار وكان يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورِّثه». والجار ليس فقط الذي داره لصق دارك، بل جيرانك هم أبناء محلّتك أو قريتك أو الضاحية التي تسكن فيها، ومن آداب التعامل مع الجار:

    أ) معرفته: فلا يصحّ أن أجاور جاراً مسلماً أو غير مسلم وأنا لا أعرفه، ولا أسلِّم عليه، ولا أزوره أو اتفقّده.

    ب) مداراته: فلابدّ أن يأمن جاري جانبي فلا أؤذيه أو أحداً من أهله، وإذا أصابه خير اُهنِّئه، وإذا أصابه مكروه اُعزِّيه واُواسيه، وإذا اشتريت فاكهة فلاُهد له وإذا لم أفعل فلاُدخلها سرّاً، وأن اُراعي مشاعره في عدم إحداث ضجيج أو رفع صوت المذياع أو التلفاز، وإذا تمكّنت من اقراضه في حال طلب ذلك فلأفعل، بل بلغ الاهتمام بمشاعر الجار إلى درجة أن لا تستطيل عليه في البناء فتحجب عنه الهواء والضياء، كما تمتد المداراة إلى رعاية أولاده وأسرته خاصّة في حال سفره.

    ج) التعاون معه: بمشاركته في نقل أثاثه، وتقديم يد العون والمساعدة فيما يحتاجه وأستطيع توفيره له، وأن أتعاون معه في تنظيف مرافق البناية المشتركة واصلاح ما فسد أو عطل منها.

    د) إشعاره بالمودّة: من خلال التسامح معه، والترحيب به، وزيارته مع بعض سكّان البناية أو المحلّة أو الحيّ، وتقديم هدية منزلية كعلامة محبّة، ودعوته إن أمكن إلى مأدبة، والسؤال عنه إذا سافر أو غاب أو مرض. وإذا غادرت البناية أو المحلّة فاستسمحه وتحلّل منه.

    

    7- آداب توديع واستقبال المسافر:

    من بين وصايا لقمان لابنه: «إذا سافرت مع قوم فأكثر من استشارتهم في أمرك واُمورك، وأكثر التبسّم في وجوههم، وكن كريماً على زادك بينهم، وإذا دعوك فأجبهم، وإن استعانوا بك فأعنهم، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد، وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك».

    ومن آداب توديع المسافر:

    أ) أن تمرّره من تحت القرآن الكريم.

    ب) أن تحتضنه وتقرأ على كتفه الأيمن (إنّ الّذي فَرضَ عَليك القُرآن لرادّك إلى معاد) وعلى كتفه الأيسر (فالله خَيرٌ حافِظاً وهُو أَرحَم الرّاحِمِين).

    ج) أن تتمنّى له بأن تصحبه السلامة في حلّه وترحاله وأن يعود سالماً غانماً .

    د) إذا تمكّنت من إيصاله إلى نقطة انطلاقه في سفره سواء المطار أو الميناء أو مركز انطلاق الحافلات أو القطارات، فإنّ ذلك ممّا يدخل السرور عليه.

    هـ) أن لا ترهق كاهله بالطلبات أو بإيصال حاجات ثقيلة إلاّ إذا أبدى استعداده.

    و) أن تستفسر أخباره من أهله أو تتّصل به هاتفياً إن أمكن وأن تردّ على رسائله.

    وإذا عاد من سفره:

    أ) أن تستقبله في مكان الوصول إن أمكن.

    ب) أن تحتضنه بحرارة مرحّباً بكلمات الثّناء على الله بوصوله سالماً، والاعراب عن مشاعر الشوق لرؤيته، ففي الحديث: «من تمام التحيّة للمقيم المصافحة، وتمام التسليم على المسافر المعانقة».

    ج) أن تزوره في بيته وأن تصطحب معك هدية ولو رمزية اشعاراً له بسعادتك بعودته.

    

    8- من آداب التعزية والمواساة:

    لا يعني فنّ التعامل مع المجتمع أن نشاطر الناس أفراحهم فحسب، بل يستوجب مشاركتهم في أحزانهم أيضاً، ولعلّ حاجة الحزين إلى من يقف إلى جانبه في نكبته أو مصيبته أشدّ.

    ومن آداب التعزية بمصاب أليم بفقد عزيز:

    أ) المساهمة في تشييع الجنازة، وعدم السير في مقدّمة الموكب، وأن نسير سيراً هادئاً رزيناً وحزيناً وكأنّ المصاب مصابنا، وأن نردّد عبارت الإيمان بقضاء الله وقدره مثل (لا إله إلاّ الله) و (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله) و (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) وأن نأخذ بطرف النعش ونحمله مع الحاملين، وأن نترحّم على الميت ونستغفر له.

    ب) أن نساهم في صلاة الميت، وأن نقرأ الفاتحة على روحه.

    ج) أن نشيِّع الجنازة إلى المثوى الأخير، وأن نودِّع ذوي الفقيد بكلمات العزاء الحارّة من الصبر والترحّم على الفقيد، وأن يجمل الله لأهله الصبر ويعظِّم لهم الأجر وأن يجعل ذلك خاتمة السوء والأحزان.

    هـ) أن نشارك في مجالس الفاتحة التي تقام على روح الميت لنشاطر أهله العزاء.

    و) أن نقدِّم ما نستطيع من يد العون لأهله حتّى يجتازوا محنتهم أو الفترة العصيبة التي تعقب رحيل عزيز عليهم.

    ز) وإذا كنّا بعيدين عن البلد الذي توفّي فيه صديق أو أحد أقرباء صديق فيمكن أن نعزِّيه تعزية شفويّة بالهاتف، أو مكتوبة في برقية أو رسالة أو فاكس. وللتعزية عبارات معروفة ومتداولة منها: (عظّم الله اُجوركم) و (أحسن الله لكم العزاء) و (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) و (لا أراكم الله بعد اليوم مكروهاً) وغيرها.

    

    9- آداب التهنئة:

    من حق أيّ صديق علينا أن نهنِّئه بأيّ توفيق أو نجاح أو نعمة ينعم الله بها عليه، ومن حقّنا عليه أن يفعل مثل ذلك. فتبادل التهاني من عوامل تقوية الصداقة وتغذيتها بدم جديد. فمن آداب التهنئة بالنجاح أن نزفّ للناجح أرقّ التهاني والتبريكات، وأن نتمنّى له المزيد من النجاحات، وأن نقدِّم له الهدية المناسبة المعبّرة عن فرحتنا بنجاحه.

    ومن آداب التهنئة بالمولود الجديد أن نحمد الله على سلامته وسلامة والدته، وأن نتمنّى على الله أن يرزق والديه برّه، وأن يتربّى في عزّهما، وأن يجعله من أهل الإيمان، وأن نقرن ذلك بهدية مشفوعة بكلمات لطيفة وطيِّبة.

    ومن آداب التهنئة بالزواج التمنّي للزوجين بالرفاء والبنين، وأن ينعم الله عليهما بدوام السعادة والانسجام، وقد تفي كلمة (ألف مبروك) بالغرض، لكن للهدية إن كان هناك إمكانية لذلك تعبير أقوى.. ويستحسن سؤال العروسين عن الأدوات المنزلية التي يحتاجانها حتّى لا تتكرّر الهدايا، وحتّى يمكن المساهمة في تأثيث بيت الزوجية كلّ حسب قدرته واستطاعته.

    

    10- آداب الضيافة:

    إقراء الضيف (أي إكرامه) خصلة حميدة كانت قبل الإسلام وشجع عليها الإسلام حيث اعتبر إكرام الضيف من حسن الخلق حتّى جاء في الحديث الشريف: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».

    ولذا فإنّ من آداب الضيافة سواء في عيد من الأعياد، أو بمناسبة عقد قران أو زفاف، أو شراء بيت، أو وفاء نذر، أو مأدبة إفطار في شهر رمضان:

    أ) إظهار الترحاب الحار بالضيف واستقباله بهندام جميل ونشر جو من البشاشة والحبور، وإجلاس الضيف في المكان اللاّئق بل وترك الخيار له في ذلك، فذلك من حسن الوفادة.

    ب) دع لضيفك حرِّيّة اختيار الحديث الذي يراه مناسباً فذلك يريحه أكثر ممّا تفرض عليه حديثاً معيناً قد لا يتفاعل معه ولكنّه يضطرّ ـ تحت المجاملة ـ أن يجاريك فيه.

    ج) في حال الاستغراق في إعداد المائدة دعه يختار ما يناسبه من كتب أو صحف أو مشاهدة التلفاز أو الحديث مع أهل البيت الآخرين لئلاّ يضجر.

    د) لا تتأخّر في تقديم الطعام وإن أمكن مراعاة الوضع الصحّي للضيف واختيار الصنف الذي يناسبه فذلك من تمام كرم الضيافة.

    هـ) إذا قرّر ضيفك المبيت فأعدّ له فراشاً نظيفاً ومريحاً، وحدِّد له القبلة للصلاة وكيفيّة ذهابه إلى الحمّام، وهيِّئ له منديلاً مناسباً، واستأذنه في الدخول عليه صباحاً. وباختصار فإنّ عليك أن تشعر الضيف أنّه هو صاحب المنزل كما عبّر ذلك الشاعر بقوله:

    يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا*** نحن الضّيوف وأنت ربّ المنزلِ

    

    11- آداب الطريق:

    رغم أنّنا لا نعرف الكثير ممّن يسيرون في الطريق العام أو على أرصفة الشوارع، إلاّ أنّ ذلك لا يعفينا من اسقاط فنّ التعامل مع شركائنا في الطريق. فالتعامل الحسن هو مع من نعرف ومع من لا نعرف.. مع من نعرف لنوثِّق العلاقة به، ومع من لا نعرف حتّى نمنح الحياة وجهاً إنسانياً مشرقاً.

    وقد وضع الاسلام لائحة بآداب الطريق يمكن الإشارة إلى بعضها:

    أ) وأنت تسير في الشارع اخفض نظرك.. حدِّق في الأرض وفي الاتِّجاه الذي تسير فيه ولا تكثر الالتفات.

    ب) وقد يعترضك في الطريق ما يعكِّر صفو مزاجك فيدعوك للخروج عن طورك.. تذكّر أنّك في البيت كما أنت في الشارع، فالتزامك هو التزامك.. وأدبك هو أدبك.. وخلقك هو خلقك.. فحافظ على توازنك أينما كنت.

    ج) ارفع الأذى عن الطريق فالذين يمشون فيه هم إخوانك إمّا في الدين أو في الإنسانية، وفي الحديث «لا تحقرن من المعروف شيئاً حتّى إماطتك الأذى من طريق المسلمين».

    د) أنشر السلام بإلقاء التحيّة على الجميع ـ معارف وغرباء ـ حتّى تشيع جوّاً من الطمأنينة على طول الطريق.

    هـ) لا تقطع الطريق أو الرصيف بأي عارض أو حاجز، فهو حق للمارّة جميعاً وليس حكراً عليك فقط.

    و) ولأنّ الطريق حقّ الجميع فلا يجوز لك أن تبصق فيه، أو أن تلقي فضلات العلب أو الأوساخ في قارعة الطريق، فأي تلويث للشارع تلويث للصحّة العامّة وصحّتك منها.. ارمِ أوساخك في الأماكن المخصّصة.

    ز) ساعد ذوي الحاجات في التقاط ما يسقط من بضائعهم، أو ما يتعطّل من وسائط نقلهم.. إعرض مساعدتك على من يحتاجها خصوصاً الضرير فقد يأتي يوم تحتاج فيه إلى مساعدة الآخرين، وحتّى إذا لم يأتِ هذا اليوم فإنّك تكون قد صنعت معروفاً.

    ح) إذا كنت صاحب سيارة أوقفها في الأماكن المخصّصة، ولا ترفع صوت زمورها، ولا تتهوّر بسرعتها حفاظاً على سلامتك وسلامة الجميع.

    

    12- أدب التعامل مع الكبار:

    للتعامل مع الكبير ـ سواء الوالدين أو سواهما من المعلِّمين والعلماء ـ أدبه الخاصّ، فالإسلام يطالبنا كشباب بإجلال هؤلاء، فقد ورد في الحديث الشريف «إنّ من إجلال الله عزّ وجلّ إجلال ذي الشيبة المسلم» وتوقيره لسنِّه «فإنّما حقّ السنّ بقدر الإسلام» فإذا كان الكبير في السنّ من أهل الفضل فإجلاله إجلالان: إجلالٌ لسنّه وإجلالٌ لفضله.

    وكما أنّ معاملة الصغير تقتضي أن ترحمه وتثقِّفه وتعلِّمه وتعفو عنه وتستر عليه وترفق به وتعينه وتداريه، فكذلك لمعاملة الكبار اُصولها:

    أ) أن تترك مخاصمته وأن لا تقابل إساءته بإساءة مماثلة، وأن تنبِّهه إلى خطئه بالتي هي أحسن، كما فعل الحسنان (الحسن بن عليّ والحسين بن عليّ (ع)) حينما نبّها ـ وهما طفلان صغيران ـ بطريقتهما اللطيفة ذاك الرجل الكبير الذي لم يحسن الوضوء حيث طلبا أن يحتكما عنده ليرى أيّهما أصحّ وضوءاً، فالتفت إلى خطأ وضوئه من خلال صحّة وضوئهما.

    ب) أن لا تسبقه إلى الطريق، وأن لا تجلس قبله، وأن تفسح له في المجالس، وأن تكرمه حيثما كان.

    ج) أن تبرّ به بتقدير فضله عليك وعظيم إحسانه لك، ومجازاته يحسن الوفاء وجميل والاحترام، ورعايته بكلّ أشكال الرعاية خاصّة الأبوين (ووَصَّيْنَا الاِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً) (العنكبوت/ 8)، وهكذا المعلِّم باعتباره الأب الثاني والعلماء من المعلِّمين ينبغي توقيرهم بالقول والعمل والتكريم، وبرّهم والاهتداء بهم. فعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مجالسة أهل الدين شرف الدّنيا والآخرة». وقال لقمان لابنه: «يا بنيّ! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإنّ الله عزّ وجلّ يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض بوابل السّماء». كما ينبغي تقدير جهودهم وجهادهم واتباع نصائحهم والدفاع عنهم.

    

   13 - من الآداب الأُخرى:

    إنّ قائمة الآداب الاجتماعية التي تشكِّل بمجملها (فنّ التعامل مع المجتمع) طويلة بما لا يسع حصرها هنا، ولكنّنا نذكِّر ببعض مفرداتها الاُخرى على عجالة:

    أ) عندما تستعير كتاباً، لا تكتب عليه، حافظ عليه من التلف أو الضّياع، أعده إلى مصدره مع الشكر والامتنان، وإذا أصاب الكتاب ضرر فعليك تعويضه.

    ب) تقيّد بالتعليمات الملصقة في السيارات والغرف والدوائر والمكتبات والأسواق التجارية.

    ج) اطلب الاذن في استخدام الأشياء غير العائدة لك.

    د) لا تهمل الردّ على الرسائل فالرسالة مثل السلام تحتاج إلى الردّ حتّى ولو أنّك تقول لصاحبها: وصلتني رسالتك.

    هـ) امتنع عن التدخين في الأماكن المغلقة، فالإضرار بالغير غير جائز لاسيما وأنّ الذي يتنشق الدخان يتضرّر ـ كما هو ثابت صحّياً ـ أكثر من المدخِّن.

    و) من اللاّئق أن يأتي الاعتذار سريعاً بعد ارتكاب الخطأ حتّى ولو كان صغيراً كما في التأخّر عن موعد، أو عن التقاعس عن أداء واجب، مع تقديم سبب مقنع لذلك.

    يقول الشاعر :

    يعيدُ التماسُ العذر للنفس روحها****ويُخمد جَمر الشرّ قبل شبوبه

    عجبتُ لمن يستحي باعتذاره****وأولى به أن يستحي بذنوبه

    ز) العتاب صابون القلوب.. عاتب أخاك، ولكن ليس في كلّ الاُمور، فلقد كتب عليّ الهادي (عليه السلام) لبعض أصحابه قائلاً: «عاتب فلاناً وقل له إذا أراد الله بعبد خيراً إذا عوتب قبل».. أليست المعاتبة خيراً من الاغتياب ألف مرّة؟!

ارسال التعليق

Top