محمد خليل
◄أجده دائماً منكفئاً على جهاز الكمبيوتر، أصابعه تتحرك بسرعة مذهلة مثل عازف البيانو.. عيناه لا تحيدان عن الأوراق الكثيرة التي وضعها أمامه، ولا يرفع يديه عن لوحه المفاتيح إلا ليضع ورقة جديدة ليكتبها.. إنه "التايبست" typist الذي تعتمد وظيفته على مهارة الكتابة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر بسرعة تتراوح من 40 إلى 80 كلمة في الدقيقة.
وقد ازدهرت هذه الوظيفة في العالم العربي خلال العقدين الماضيين؛ حيث بدأ التخلي عن الكتابة اليدوية في التعاملات المكتبية، والاتجاه إلى ميكنة المعلومات في المؤسسات الحكومية والخاصة.
وقد بدأت هذه الوظيفة تحت مسمى "كاتب الآلة الكاتبة"، واقتصرت في بدايتها على حاملي الشهادات المتوسطة ودبلومات التجارة، غير أن ظهور الحاسب الآلي في العالم العربي بكثافة في مطلع التسعينيات أدى إلى فتح آفاق جديدة لمهنة التايبست. وأصبحت هذه الوظيفة تحمل دائما في طياتها "قيمة مضافة" لأصحابها بالمعنى الاقتصادي؛ أي أن من يملكها يستطيع أن يضيف لنفسه في كل مرحلة من مراحل حياته وظيفة أخرى يتكيف بها مع متطلبات سوق العمل.. فكيف يتم ذلك؟
متطلبات بسيطة
رغم أن معظم العاملين في وظيفة التايبست من المؤهلات المتوسطة؛ فإن هذا لا يمنع أن خريجي الجامعات اقتحموا هذا المجال نتيجة انتشار البطالة في العالم العربي التي وصلت 15% في عام 2002، وفقاً لتقرير التنمية الإنسانية. ويقدر عدد العاملين في سوق التايبست سواء الحكومي أو الخاص في العالم العربي بقرابة 100 ألف شخص، وفقا لتقديرات أحد الباحثين المصريين في مجال تقنية المعلومات العربية.
وتتطلب وظيفة التايبست عددا من المهارات، وهي:
1- معرفة عامة بالكمبيوتر وتحديدًا نظام التشغيل "Windows"، ومعرفة عامة ببرنامج "Word"، وامتلاك هذه المعرفة يحتاج إلى دورة في مراكز تدريب الحاسب الآلي المنتشرة بكثافة في العالم العربي.
2- سرعة الكتابة على لوحة المفاتيح من 40 إلى 80 كلمة بالدقيقة، وهذه السرعة لا تأتي إلا مع الممارسة المستمرة، ويمكن امتلاكها بالالتحاق بدورة خاصة.
3- توفر لياقة بدنية عالية لتحمل ضغط العمل؛ فمعظم العاملين في مجال التايبست ربما يصل معدل عملهم في الكتابة على لوحة المفاتيح إلى 10 ساعات يومياً.
وهذه المتطلبات يساندها عدد آخر من الأمور تجعل من التايبست وظيفة في متناول معظم خريجي المدارس الثانوية والجامعية، منها زيادة الإقبال على الكتابة الإلكترونية في أغلب المؤسسات الخاصة والعامة والجامعية، وعلى سبيل المثال يجاور جامعة القاهرة في مصر منطقة تدعى "بين السرايات" توجد بها عشرات المكاتب التي يعمل فيها التايبست.
لكن هذه الوظيفة بها بعض العيوب، منها أنها قد تكون موسمية، خاصة للذين يعملون من البيت أو مع مؤسسات تتعامل بالإنتاج؛ فعلى سبيل المثال يقل دخل التايبست الحر بشدة في فترات الإجازة، خاصة الذين يعتمدون على الجامعات والرسائل العلمية كمصدر للدخل.
مصمم جرافيك
إذا كنت "تايبست" وتملك موهبة في الرؤية البصرية وحس فنان؛ فيمكنك التحول إلى وظيفة مصمم جرافيك بتعلم برامج مثل "PhotoShop" الذي يقوم بمعالجة الصور وتصميمها، وكذلك برنامج "Flash" وهو الأكثر إنتشاراً حالياً، ويفتح لك الباب كذلك لتصميم صفحات على الإنترنت، إلى جانب العديد من البرامج التي سوف تحتك بها في عالم الجرافيك، وهي كثيرة ومتنوعة.
في كل الأحوال فإن تطور وظيفة التايبست إلى وظائف أخرى تتوافق مع متطلبات السوق التي يرتفع سقفها من عام إلى آخر أضحى أمراً ضرورياً يفرضه الواقع التقني الذي يتطور بسرعة الصاروخ.. والذي لا يستطيع تطوير نفسه قد تتجاوزه سوق العمل.►
ارسال التعليق