الشخص المسؤول أو ذوالمسؤولية، هو الذي يتعرّض للمسائلة عن عمله، أي يتحمّل تبعات عمله، فالمسؤولية - لغةً - هي حال أو صفة مَن يُسأل عن أمر تقع عليه تبعته، وألقى المسؤولية على عاتقه: حَمَّله إيّاها.. وإذا وصفت المسؤولية بـ(الأخلاقية) فإنّها تعني التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً.. وإذا نُعتت بـ(الجماعية)، فيُراد بها الالتزام الذي تتحمّله الجماعة.. وإذا قيل (مسؤولية مشتركة)، فيفهم منها المشاركة في قرار يُتخذ وبما ينجم عنه.. وقولنا (مسؤولية وطنية) يُقصَدُ بها مهمّة وطنية ذات طابع له أهلية ومكانة.
ونخلص من التعريف اللغوي إلى المفهوم الاصطلاحي بأنّ المسؤولية هي ما يكون به الإنسان مُلزَماً، ومطالباً بعمل ما أو عدّة أعمال، وهي ما يوجبه على نفسه خضوعاً لشريعة أو لقانون أو لعُرف مجتمعي عام.
ويمكننا التقاط إشارات القرآن إلى المسؤولية من خلال عدد من الآيات المُعبِّرة عنها:
1- مسؤولية العمل:
قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105).
وبالتأكيد لا يُراد هنا إلّا الصالح من الأعمال، الذي فيه نفع للناس، وتبقى آثاره ممتدة حتى بعد رحيل الفاعلين به أو المؤسِّسين له، قال عزّوجلّ: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس/ 12).
2- مسؤولية العقل والحواسّ:
قال جلّ جلاله: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء/ 36).
ومسؤولية العقل أنْ يتلقّى وينتج الخير، ويعاف السُّوء والشرّ، كما أنّ مسؤولية الأعضاء (الجوارح) أن تكون مسخرةً في النفع والإفادة والصلاح، وفي الإجمال لطاعة الله تعالى في خدمة الناس.
3- المسؤولية الفردية (الشخصية):
قال عزّوجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة/ 105)، أي إنّ كلّ إنسان مُحاسب بعمله، والمطيع لا يؤاخذ بذنوب العاصين، إذا أمر بالمعروف حتى ولو لم يأخذوا به، ونهى عن المنكر حتى ولو لم ينتهوا عنه.. المهم أنّه يُمارس مسؤوليته في الذود عن حَمَى الله وحرماته والدفاع عن قيمه ودينه ورسالته.
4- مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 110).
وغاية هاتين الفريضتين المتلازمتين المتكاملتين هي السعي لإصلاح المجتمع وعدم تركه ينهار أو يستسلم للفساد والخراب والظلم.. وكما سبقت الإشارة، فإنّ حدود هذه المسؤولية المركبة ما عبّر عنه القرآن بقوله تعالى: (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأعراف/ 164).
5- المسؤولية.. إقامة الحجة:
قال تعالى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) (الشورى/ 48).
والإعراض هنا هو رفض الهداية، ولذلك كانت مسؤولية الرسول 6 هي الرقابة على الأعمال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143)، وإتمام الحجة بتبليغ الرسالة: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء/ 165)، وبالتالي فإنّ الملائكة إذا سألوا المتخلفين عن مسؤولياتهم: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) (الملك/ 9)؟ قالوا -بحسب القرآن-: (بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا) (الملك/ 19)، أي إنّ الإنسان يعترف بتخلّيه عن قيامه بالمسؤوليات المناطة به على الرغم من وصولها إليه ومعرفته بها من خلال الأنبياء، ومن ثمّ فإنّ حجّة الله قاطعة: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) (الأنعام/ 149).
6. اللّامبالاة منافاة للمسؤولية:
قال جلّ شأنه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر/ 19).
نسوه بنسيان مسؤولياتهم التي كَلَّفهم بها، وأنساهم أنفسهم بأن أوكلهم إلى أهوائهم التي تسوقهم للخروج عن دينهم.
7- الحرّية تستبطن المسؤولية:
قال جلّ جلاله: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزمر/ 7)، إذ كلّ حُر مسؤول بقدر حرّيته.
8- القيامة يوم الحساب عن المسؤوليات:
قال عزّوجلّ: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم ُمَسْئُولُونَ) (الصافات/ 24).
والسؤال عام شامل للجميع سواء القيادات أو القواعد: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (الأعراف/ 6).
الأنبياء والرُّسُل والأئمّة والقادة يُسألون عن أدائهم لوظائفهم الرسالية، والناس أو القاعدة يُسألون عن مدى التزامهم بمسؤولياتهم التي عرفها الله تعالى لهم من خلال كتبه (رسائله) وأنبيائه وأوصيائه، قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر/ 92-93).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق