• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأسباب المعنوية للنصر

جمعية المعارف الإسلامية

الأسباب المعنوية للنصر

 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الأنفال/ 65).

يبدو أنّه لا نقاش في تأثر الجانب المعنويّ في تحقيق النصر سواء كان ذلك بطريقة غيبيّة لا نعلمها أم كان ذلك بطريقة يمكن تحليلها والاهتداء إلى حقيقتها وكيفية تأثير البعد المعنويّ على الإنسان في حياته الطبيعية كالنصر والهزيمة وما شابه من الحالات. وسوف نستعرض فيما يأتي الأسباب المعنوية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم. وسوف نحاول تحليل ما يسعفنا التحليل في فهمه، ونكتفي فيما سواه بعرضه والتسليم به لشهادة الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

الإيمان:

الإيمان في اللغة كلمة تتضمّن معاني عدّة هي الوثوق والتصديق والركون. ويبدو أنّ هذه الكلمة على الرغم من تعدّد استعمالاتها وتنوّعها إلّا أنّها أصل لغويّ واحد تعددت معانيه بتعدّد استعمالاته. فيُقال: أمن فلانٌ فهو آمن على نفسه، وأمن البلد، وآمن بالله، وأتمنت زيداً على كذا. يقول المصطفوي في شرح هذه المفردة القرآنية: "والتحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادة: هو الأمن والسكون ورفع الخوف والوحشة والاضطراب. يقال أمِن يأمن أمناً؛ أي اطمأنّ وزال عنه الخوف... والائتمان هو أخذه أميناً. والإيمان جعل نفسه أو غيره في الأمن والسكون. والإيمان به حصول السكون والطمأنينة به... (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) (الحديد/ 19)، أي اطمأنّوا وحصل لهم الأمن. وآمن بالله: حصل له الاطمئنان والسكون بالله المتعال، فهو مؤمن أي مطمئنٌّ".

وقد ورد في القرآن الكريم أكثر من آية تربط بين النصر وبين الإيمان، ولا يبدو أنّ ثمّة حاجة لاستعراضها جميعاً؛ ولذلك نكتفي بالإشارة إلى بعضها، ومنها:

-         قال الله تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الرُّوم/ 47). من حيث المبدأ لا حقّ لأحدٍ على الله ولا عنده عزّ وجلّ، فكلّ ما يفيض من الله يفيض على أساس الجود الكرم والتفضُّل، ولكنّ الله يكتب على نفسه بعض الأمور، فتتحوّل إلى حقٍّ بالوعد الإلهيّ بالتفضّل. وكفى بالوعد الإلهي وثيقة للتحقّق: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) (الزُّمر/ 20).

-         وفي آية أخرى يقول عزّ وجلّ بلسان الوعد: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) (النور/ 55). وفي هذه الآية وعد من الله أيضاً بالنصر ولو بكلمات: الاستخلاف، والأمن، والتمكين، فقد تقدّم أنّ التعبير القرآني عن النصر متعدد الصيغ.

-         قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الأنفال/ 65). وهذه الآية أيضاً واضحة الدلالة على أنّ صفة الإيمان التي يتّصف بها أصحاب رسول الله (ص) هي أحد الأسس التي تسقط العدد من الاعتبار وتعطي المؤمنين ميزة تجعل الواحد منهم يعادل عشرة من غيرهم.

 

أثر الإيمان في النصر:

والربط بين الإيمان والنصر من الأمور التي يمكن للإنسان أن يدركها. فالمؤمن يستند إلى ركنٍ وثيق هو الله، ويمتاز بدافع قويٍّ للتضحية لا يتوفّر عند غيره من الناس، فهو كما تقول الآية الشريفة: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) (النساء/ 104). فاختلاف الرجاء والغاية التي يسعى الإنسان من أجلها تؤثّر في الدافع الذي يدفع الإنسان إلى التضحية وبذل النفس من أجله. وخاصّة إذا أخذنا بالاعتبار أنّ المؤمن يطلب إحدى الحسنيين كما تقدّم فإنّ انتصر فبها ونعمت وإن استشهد فإنّه ينقلب إلى ربٍّ غفور، فهو يعتقد أنّ بين حالين كلاهما حسن، ومَن ينظر إلى الأمور بهذه الطريقة لا يعرف اليأس إلى قلبه سبيلاً. والشرط الأساس في هذه الصفة حتى تؤثّر أثرها أن تبقى اسماً ورسماً وأما إن تحوّلت إلى اسم خالٍ من المضمون فلا ينبغي توقّع تحقُّق الوعد الإلهي بالنصر، فالنصر المجانيّ غاية لا تدرك وبغية لا تُنال: "والحكم أعني النصر والغلبة حكم اجتماعي منوط على العنوان لا غير؛ أي إنّ الرسل وهم عباد أرسلهم الله والمؤمنون وهو جند الله يعملون بأمره ويجاهدون في سبيله ما داموا على هذه النعت منصورون غالبون، وأما إذا لم يبق من الإيمان إلّا اسمه ومن الانتساب إلّا حديثه فلا ينبغي أن يرجى نصرٌ ولا غلبة". وبالتالي قد يهزم المسلمون إذا فقدت أكثريّتهم الاتّصاف بهذه الصفة حتى لو كان فيهم نبيّ من أنبياء الله تعالى: "هناك جانب آخر لعمليّة التغيير التي مارسها النبيّ (ص) وأصحابه الأطهار، هذه العملية حينما تلحظ بوصفها عملية متجسّدة في جماعة من الناس وهم النبيّ والصحابة.. وبوصفها عملية قد واجهت تيّارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في ألوان من الصراع والنزاع العقائدي والاجتماعي والسياسي والعسكريّ... حينما تؤخذ العملية من هذه الزاوية تكون عملية بشرية، يكون هؤلاء أُناساً كسائر الناس تتحكّم فيهم إلى درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكّم في بقية الجماعات وفي بقيّة الفئات.. المسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعية للنصر بحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا، وخسروا المعركة في أحد حينما كانت الشروط الموضوعية في معركة أحد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة... لا تتخيّلوا أنّ النصر حقٌّ إلهيٌّ لكم، وإنما النصر حقٌّ طبيعي لكم بقدر ما يمكن أن توفّروا الشروط الموضوعية لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها الله سبحانه وتعالى كونيّاً لا تشريعيّاً".

 

العمل الصالح:

العمل الصالح السابق على النصر واللاحق له من العناصر المهمّة في استنزال النصر. وقد بيّن الله هذا الأمر في عددٍ من الآيات. ونكتفي باستعراض أقل عددٍ ممكنٍ من هذه الآيات لأنّ مفهوم الإيمان في القرآن الكريم من المفاهيم المقرونة بالعمل الصالح في كثير من الآيات.

-         قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) (النور/ 55). نلاحظ في هذه الآية أنّ النصر الذي يعد به الله تعالى مقيّدٌ بصفتين هما الإيمان والعمل الصالح.

-         قال الله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ) (الحج/ 40-41). تتحدّث الآية السابقة عن العمل الصالح السابق على النصر، وأمّا هاتان الآيتان فإنّهما تتحدّثنان عن نصر الله لمن ينصره، ولكنهما تقيّدان ذلك بما بعد النصر وتشترطان في هؤلاء الذين يدّعون الإيمان ويطلبون من الله النصر والتمكين أن يحافظوا على الصفات التي أهّلتهم لنيل النصر، وإلّا فلن ينال النصر من الله مَن يضيّع ما أمره الله به. ولو فُرِض وحصل مثل هذا الأمر فإنّ الله يهدِّد هؤلاء بالاستبدال بمن هو أهلٌ لأن يخصّه الله بنصره وتمكينه.

-         قال الله تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (الجن/ 16).

-         قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (المائدة/ 66)، تشترك هاتان الآيتان في نكتة واحدة هي الوعد بفيض النعم الإلهية على بعض الناس لو أنّهم استقاموا على الشريعة التي شرّعها الله لهم، وأقاموا حدود الكتب السماوية التي أتاهم بها أنبياؤهم. ووجه الربط بين هاتين الآيتين وبين النصر أنّ هذا الأخير نعمة من النعم الإلهية، وبناء على قاعدة "حكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد"، يمكن تعميم هذا الحكم من نعمة الأكل والشرب إلى غيرها من النعم كالنصر.

 

الصبر والثبات:

الربط بين الصبر والنصر من الأمور الواضحة التي يدركها الإنسان بالوجدان، فمن لا يصبر على تحمُّل التضحيات لا يمكن أن ينال ما يريد. وقد التفت الإنسان بحسّه الفطريّ تجاربه العادية إلى مثل هذا الأمر، وامتلأ الشعر الحكميّ والأدب وكتب الأخلاق على وجه العموم بالحديث عن الصبر وتأثيره في وصول الإنسان إلى ما يبتغيه. يقول الشاعر و"إنّ من الشعر لحكمة": "لابدّ دون الشهد من إبر النحل". ومن الحكم المشهورة في الأدبيات الإسلامية قولهم: "مَن صبر ظفر فاصبر تظفر". وقد تعرّضت السنّة لهذا الربط وورد في بعض الأخبار والأحاديث ما يكشف عن الربط بين الأمرين، ومن ذلك: ما ورد عن أمير المؤمنين (ع): "لا يعدم الصبور الظفر، وإن طال به الزمن". وقد اشتهر على الألسن نسبة قولٍ إلى النبيّ (ص) هو: "إنما النصر صبر ساعة". ولكن يبدو بعد البحث والتحقيق أنّ النسبة غير صحيحة؛ ولكن لا تبعد صحّة المضمون. ومن الآيات التي تؤكّد هذا المعنى وتصدّقه.

-         قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 200). وجه دلالة الآية على الربط بين الصبر والنصر أنّ الله يعد المؤمنين بالفلاح ويرجّيهم إيّاه إن هم حقّقوا الشرط وهو الصبر والثبات.

-         قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 155). وردت هذه الآية في سياق الحديث عن الجهاد والقتال في سبيل الله، وختمت ببشارة الصابرين. والأقرب في مضمون هذه البشارة والأكثر انسجاماً مع سياق الآيات الكريمة أن يكون النصر والظفر ونيل ما يسعون في سبيل الحصول عليه: "أعاد ذكر الصابرين ليبشّرهم... فأمر تعالى نبيّه أوّلاً بتبشيرهم، ولم يذكر متعلّق البشارة لتفخيم أمره فإنّها من الله سبحانه فلا تكون إلّا خيراً وجميلاً. وقد ضمنها ربّ العزّة".

-         قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 153). وهذه الآية كسابقتها تدعو إلى الاستعانة بالصبر لنيل المبتغيات، وهي عامّة ولو شكّك أحدٌ في عمومها فإنّه يكفي للربط بين الصبر والنصر قوله تعالى: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46)، ومن كان الله معه ومحيطاً به إحاطة قيوميّة على حدّ تعبير أحد المفسِّرين لن يكون إلّا منتصراً.

 

التوكُّل:

التوكُّل على الله تعالى من الفضائل الأخلاقية في منظومة القيم الأخلاقية الإسلامية. وهذا الأمر لا يخفى على من له أدنى اطّلاع على الأخلاق الإسلامية. وما يعنينا هنا هو الكشف عن الصلة بين التوكُّل على الله وبين النصر.

-         يقول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (الطلاق/ 3). حسبه أي يكفيه ويغنيه عمّا ومن سواه. تقرّر هذه الآية مبدأً عامّاً هو أنّ التوكُّل على الله تعالى يجعل الإنسان في غنىً عن سواه. ومن الأمور التي ينبغي التوكُّل على الله تعالى فيها وقطع الطمع في غيره الحرب والقتل وخاصّةً عندما يكون القتال في سبيل الله.

-         قال الله تعالى: (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ) (آل عمران/ 122-123). ودلالة هاتين أوضح من دلالة سابقتهما وذلك أنّ الآية الأولى منهما تتحدّث عن الاقتراب من الفشل وإظهار العجز، ثم تدعو المؤمنين إلى التوكُّل على الله. وتشير الآية الثانية إلى النصر الذي أحرزه المسلمون في بدرٍ، ولهذا السياق دلالته على الربط بين التوكّل والصبر.

-         قال الله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران/ 160). هذه الآية تقلب المشهد ولكنها لا تعدم الدلالة على الربط بين الأمرين، فإنّها بدل أن تدعو إلى التوكُّل طلباً للنصر، تدعو إلى التوكُّل بالاعتماد على مبدأ عامٍّ وحقيقة كونية كبرى هي حقيقة أنّ مَن ينصره الله فلن يُغلب، ومن يخذله الله فلن يذوق طعم النصر، وتبني على هذه الحقيقة المؤكّدة الدعوة إلى فضيلة التوكُّل والاعتماد على الله تعالى.

وبكلمة عامّةٍ التوكُّل على الله يرفع منسوب الثقة ويشدّ العزيمة فمن يرَ الله ظهيراً له ومعتمداً، يكنْ أقدر على اتّخاذ المواقف الحاسمة في الأوقات الصعبة. ومن المعلوم أنّ كثيراً من الهزائم التاريخية سببها ضعف في اتّخاذ القرار في الوقت المناسب، وكثيراً من الانتصارات سببها ارتفاع منسوب الثقة بالمستند والمعتمد، وأيّ رهانٍ يمكن أن يكون أقوى من الرهان على الله والاستناد إلى ما عنده؟

 

المصدر: كتاب النصر الإلهي (سُنن النصر في القرآن الكريم)/ سلسلة الدروس الثقافية 47

ارسال التعليق

Top