الاسترخاء من أسهل وسائل الترويح عن النفس فهو بالإضافة إلى أنّه لا يكلّف شيئاً فإنّه متوفّر للجميع،وفي كلِّ وقت.
غير أنّ الاسترخاء مهما كان بسيطاً فهو ليس أمراً سهلاً، خاصة عندما يكون المرء في حالة من الإثارة والانفعال..
ولهذا فإنّ الاسترخاء لن يعطي ثماره الّا بشرطين:
الأوّل: أن نقوم به، ليس من أجل رفع التوتر العصبي بعد حصوله فحسب بل كأمر روتيني لمنع حصوله أيضاً..
الثاني: أن نتدرّب عليه..
ومن هنا فضروري أن نتعرّف على بعض الأساليب المجرّبة في هذا المجال.. ونقوم بالتدرّب عليها، بين فترة وأخرى..
انّ ضغوط الحياة اليومية تتطلّب الاسترخاء بشكل منتظم للتخفيف من الشعور بالانهماك قبل حصوله..
والتمتّع – بالإضافة إلى ذلك – بالخدر المريح الناجم من إراحة الفكر، والعضلات من التوتّر، والضغط العصبي..
وإذا ما قام أحدنا بالتمارين اللازمة للاسترخاء فإنّه سيحصل على متعة أكبر بكثير من متعة التدخين الذي يشعر به المدخّنون عادة.
وفيما يلي مجموعة تمارين تساعدك على الاسترخاء، واتقانها كفيل بأن يعلم كلّ شخص طريقة اخماد التوتّر والقلق حسبما يشاء، وهي تمارين يمكن تطبيقها في أثناء معاناة الفرد لحالة مؤدّية إلى الانفعال، كما يمكن اتباعها في شكل منتظم وفي كلتا الحالتين يمكن تحقيق مجموعة من الفوائد السريعة والدائمة الأثر..
ولكي تتعلّم هذه الأساليب في المنزل، عليك ممارستها في غرفة هادئة. وللوصول إلى تطبيقها المثالي لابدّ لك من قضاء ثلاثين دقيقة يومياً خلال ثلاث فترات تمتدّ كلّ منها على أسبوعين. ولكن إذا لم تتمكّن من التفرّغ أكثر من بضع دقائق يومياً، يمكنك الوصول إلى نتائج مفيدة بفضل برنامج مختصر. ومن الممكن لمن يمارس التمارين أن يقرأ التعليمات بنفسه في فترة تطبيقها أو أن يهتدي إلى من يقرأها له أو أن يتّبع طريقة التلاميذ في تسجيل التعليمات على أشرطة والاستماع إليها وهو يمارس التمارين.
تنصب تمارين فترة الأسبوعين الأوّلين على توضيح الفارق بين الشعور بالتوتّر والشعور بالاسترخاء. وهذه التمارين تجعلك أكثر يقظة تجاه التوتّر المتسلّل إلى جسمك. وهي بمثابة مقدّمة لإبراز الطريقة الآلية الطبيعية للتخلّص منه.
أما الأسبوعان اللاحقان فيركّزان على الوسائل الذهنية التي يمكنها مساعدتك في إزالة طبقات التوتّر والقلق. "هنا تبدأ بإدراك قدرتك على الاسترخاء لمجرّد تفكيرك في ذلك"، وهذا يعني تحقيق الاسترخاء عند الحاجة إليه.
تتّجه فترة الأسبوعين الأخيرين إلى التركيز على إيقاظ المشاعر المسترخية، سواء كنت جالساً أو واقفاً أو سائراً "والغرض من ذلك هو تمكينك من الاسترخاء حيثما كنت، وفي أي وضع كنت"، كما توضح مديرة البرنامج:
"انّ الأمر شبيه، إلى حدٍّ كبير، بقيادة السيارة، إذ يكون المرء واعياً كلّ ما يقوم به في البدء، لكن العملية تغدو تلقائية في أثناء الممارسة".
المرحلة الأولى: استلقِ على ظهرك في غرفة مظلمة وأغمض عينيك طارحاً ذراعيك إلى جانبيك. لتكن ساقاك في وضع مستقيم. ضع الوسائد تحت العنق والركبتين والقدمين إذا كان ذلك يبعث فيك الراحة. أرخِ أو اخلع الملابس المقيّدة كالأحذية والأحزمة والياقات الضاغطة. ثمّ ابدأ بعملية متناوبة يتتابع عبرها تقلّص أجزاء جسمك وارتخاؤها بحيث يتمّ التركيز على جزء معيّن كلّ مرّة. خلال عملية تقليص العضلات، حاول أن تتركها مشدودة قدر الإمكان مبقياً على هذا الوضع لفترة تقارب نصف دقيقة. بعدئذٍ ابسط عضلاتك ببطء شديد، متحسّساً الارتخاء النامي.
وفي ما يأتي السياق المقترح لحركات التقلّص والاسترخاء:
1- أطبق قبضتي يديك بإحكام.
2- اثنِ الذراعين وكلا المرفقين وشدّ قوياً العضلات ذات الرأسين في أعلى الذراع.
3- جعّد جبينك حتى تشعر بالتوتّر تحت جلدة رأسك.
4- اعبس بشدّة حتى تتقلّص كلّ عضلة في وجهك.
5- اغلق جفنيك باحكام.
6- صرّ على أسنانك وتحسّس التوتر يدبّ في فكّيك وخدّيك وعنقك.
7- اضغط لسانك على سقف فمك.
8- ادفع ذقنك نحو صدرك واحن رأسك إلى الأمام.
9- ارفع كتفيك حتى تلامسا أذنيك.
توقّف قليلاً عند هذا الحدّ، وتحسّس دبيب الاسترخاء من أخمص قدميك حتى رأسك، إلى العنق والكتفين.
10- وجّه اهتمامك الآن إلى الأجزاء الوسطى. خذ نفساً عميقاً، واحتفظ به قبل أن تزفره ببطء. كرّر هذه العملية.
11- قلّص عضلات بطنك قدر المستطاع، من دون ابتلاعها إلى الداخل.
12- اجذب معدتك إلى الداخل وأبق عليها كذلك.
13- قلّص ظهرك وأبقه كذلك أطول مدّة ممكنة.
توقّف ثانية عند هذا الحدّ، وعاود التفكير في الاسترخاء الزاحف من رأسك، مروراً بكتفيك فالذراعين. تخيّل مشاعر الاسترخاء هذه تتغلغل في الصدر والظهر والبطن.
14- ركّز ساقيك وقدميك واضغط كلا الكعبين بقوّة على الأرض.
15- وجّه قدميك وأصابعهما في اتّجاه معاكس للرأس ما أمكنك ذلك.
توقّف هنا وتأمّل هذا الشعور بالاسترخاء المنطلق من أصابع قدميك ليتسلّق جسدك. تخيّل التوتّر الذي كنت تشعر به لو كانت ساقاك مرفوعتين بالفعل. ويمكنك الاسترسال في حالة الاسترخاء طوال الفترة التي ترغب. وإذا ما عاودك الإحساس بالتوتر ثانية، فحاول استعادة شعور "الاسترخاء" الذي خبرت.
المرحلة الثانية: استلقِ بوضع مريح في غرفة مظلمة وتنفّس بعمق مرّات عدّة. خلال عملية الزفير البطيئة تأمّل الإحساس الدافئ والعميق والمهدّئ الذي ينتشر عبر جسدك. فكّر في تلك الموجة من الدفء تغمرك في تعاقب بطيء، منتظم.
ومع كلّ عملية زفير، اقض بعض الوقت متأمّلاً في كلمة "استرخاء". ولتكن هذه منطلقاً لكمات أخرى مثل: هادئ، ساكن، صاف، دافئ، مستريح، مستكين، ... توقّف بعد كلّ عملية محاولاً ربطها بالشعور بالاسترخاء. اختر كلمتين يبدو مفعولهما أكثر تأثيراً عليك وردّدهما ببطء قرابة عشرين مرّة حتى تعمّق استرخاءك.
"إنّ مجرّد التلفّظ بتلك الكلمات مع نفسك يوقظ فيك مشاعر الاسترخاء وإن كنت في وضع متوتر. ولكن لابدّ لك من الممارسة لكي تصل إلى ذلك".
انصرف، بضع دقائق، إلى تخيّل هذا الاسترخاء منتشراً ببطء عبر جسدك، حيث يبدأ عند الجبهة وينتهي بأصابع القدمين. وفكّر في ما ينطوي عليه من أحاسيس إذ يتسلّل من عضلة إلى أخرى أو من منطقة إلى أخرى.
تخيّل لوحة كتابة فارغة، ثمّ ابدأ بوضع أرقام متسلسلة من واحد إلى عشرة. ومع ظهور كلّ رقم عمّق استرخاءك عبر استرجاع الأحاسيس التي أوحت لك بها كلّ كلمة حافزة (دافئ، هادئ، ساكن). فما أن تصل إلى العدد عشرة حتى تكون غمرتك حالة استرخاء تام.
المرحلة الثالثة: ابدأ جلستك اليومية بالاستلقاء في وضع مريح على الظهر. وتنفّس بعمق مرّات عدّة، متأملاً دبيب الاسترخاء في أنحاء جسدك. استخدم ما اخترت من كلمات حافزة في محاولة للتوصّل إلى الهدوء حتى يأخذ شعور التوتّر بالانحسار. وعند ذاك يمكنك الانتقال إلى الخطوات الآتية:
1- تخيّل منظراً مريحاً لأعصابك، كأن يكون ساحلاً مشمساً أو كوخاً وسط غابة أو أمسية يتساقط فيها الثلج أو بحيرة على سفح جبل أو جلسة جنب موقد. واصرف بضع دقائق متأمّلاً المنظر فسترى أنّه تكوّنت لديك "صورة شخصية للاسترخاء" يمكنك اللجوء إليها إلى جانب الكلمات الحافزة الرئيسية، للتخلّص من حالات التوتّر، وذلك حين تغدو خبيراً في الاستجابة لها.
2- اجلس على كرسي في وضع مريح، واغمض عينيك ملقياً ذراعيك إلى الجانبين. ارفع كلّ ذراع على حدة ثمّ ارفع الاثنين معاً استشعر التوتر الناجم عن رفعهما عالياً، ثمّ دعهما يسقطان جانباً. عليك بتكرار العملية. على أن يصاحب رفع الذراعين تنفّس عميق، في مقابل زفير يصاحب سقوطهما. وانتبه إلى ضرورة بقاء جسدك مسترخياً في أثناء رفع الذراعين.
3- انتصب وحاول استعادة الشعور بالاسترخاء، وبخاصة عند الكتفين والبطن والذراعين. سِرْ مسافة قصيرة مجيئاً وذهاباً مع ابقاء عينك مغلقتين، مؤرجحاً ذراعيك بلطف. وهنا حاول اخماد أي توتّر يدبُّ بالتصاعد.
تنفّس ببطء وانتظام في أثناء وقوفك ساكناً، ولاحظ انتشار الاسترخاء بطيئاً عبر جسدك. استعن بما انتقيت من كلمات حافزة لتعيق هذا الشعور.
4- استلق واختبر كم يلزمك من الوقت كي تستعيد الشعور بالهدوء. استحضر في ذهنك "صورة الاسترخاء الشخصية"، صارفاً قرابة دقيقة في تأّملها.
لعلّك ستكتشف أنّ هذه المرحلة تتفاوت في مدى فائدتها لك. فذلك ما يجده سائر الطلّاب أيضاً. عند ذاك عليك اتباع المرحلة التي تعطيك نفعاً أكبر، كما تنصح السيدة ووكر. لكنك لن تتعرّف إلى الجزء ذي المزايا الأكبر في تحسين أوضاعك أو في جعلك تستجيب للضغوط بهدوء أكبر، إلّا بالممارسة اليومية. ولابدّ من مضي فترة قبل أن ينبئك إيقاع جسمك نفسه بحاجتك إلى هذه الأساليب.
المصدر: كتاب فن الترويح عن النفس للكاتب محمد هادي
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق