• ٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السعي لبناء مجتمع خير وصلاح

عمار كاظم

السعي لبناء مجتمع خير وصلاح

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات/ 10(. إنّ العمل على تحقيق الأخوّة والتواصل والاجتماع وإصلاح ذات البين من أوجب الواجبات الإلهيّة ضرورة أنّه لا يمكن بناء مجتمع متماسك يسير في خدمة الأهداف العُليا للإسلام ما لم يكن هذا التكليف قائماً ومعمولاً به لدى المسلمين حيث في المقابل يكون التشتت والتفرّق وتحكم روح العداوة عاملاً هدّاماً لا تستقيم معه مسيرة أهل الإيمان، وهو سبب في فشل وسقوط كثير من القضايا الهامّة على مرّ العصور ولا يزال، فالمطلوب أن تسود روح الجماعة والوفاق في إعزاز المصالح العامّة، لا روح الفرد والشقاق في خدمة المصالح الخاصّة بما تحكمها من أهواء ورغبات يقول عزّ مَن قائل: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ (آل عمران/ 104)، وفي بيان قرآني آخر تأكيد على أنّ هذا الواجب هو غاية الإرادة في قوله تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود/ 88). وفيما جاء عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «يا بن بكير! إنّي لأقول لك قولاً، قد كانت آبائي (عليهم السلام) - تقوله: إنّ للحق أهلاً، وللباطل أهلاً، فأهل الحقّ يجأرون في إصلاح الأُمّة بنا، وأن يبعثنا الله رحمة للضعفاء والعامّة».

وقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة/ 2)، إنّ إعانة الآخرين ومؤازرتهم في مواطن الشدائد ونزول المصائب أمر أولاه الإسلام اهتماماً كبيراً وهو من أعظم شيم وشمائل أهل الولاية سواء في الترابط والتزاور أو في تقديم المساعدات المالية أو البدنية أو المعنوية أو سائر أشكال التعاضد والتكافل سيّما الفقراء والأيتام والمساكين. ويعتبر السعي في قضاء حوائج الناس من أعظم القُربات الإلهيّة التي أعدّ عليها الثواب الجزيل فوق ما يتصوّره الإنسان ويتوقعه حيث جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَن مشى في حاجة أخيه المسلم أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك ولم يرفع قدماً إلّا وكتب الله بها حسنة، وحط عنه بها سيِّئة ورفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله له عزّوجلّ بها أجر حاج ومعتمر». وفي الحديث أيضاً: «إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة».

ومن العوامل الأساسية لبناء المجتمع هو التواضع والذي يعتبر مصدر قوّة للإنسان وليس ضعفاً ووهناً وبه الأمر في الكتاب الكريم: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء/ 215)، وقد أشاد أهل البيت (عليهم السلام) بشرف هذا الخلق واعتبروه من خصال المؤمن وسبباً في رفعته كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ في السماء مَلكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومَن تكبّر وضعاه»، والذي يرتبط بمقامنا هو دور التواضع في عملية الإصلاح والعلاقة مع الآخرين فإنّه ليس هناك شكّ في أنّ بعض الناس يقومون بخدمة الآخرين أو إجابتهم لكنّ مع روح مستعلية وتكبّر زائف من خلال ثقافة الطبقات والميّزات العرفية أو العائلية أو غيرها ممّا لا يقيم له الإسلام وزناً في واجب احترام الآخر وإنّما المدار على التقوى في الأفضلية، فمن هنا لابدّ من إيضاح هذا الجانب من خلال الآثار التي يتركها في نجاح العلاقات الإنسانية أو فشلها والواقع أنّه لا يمكن التصديق أنّ التواصل والارتباط الوثيق بين أفراد أو مجتمعات هو قابل للاستمرار والديمومة طالما أنّ أحد الطرفين في إصرار وتصميم على استحقار الآخر والاستعلاء والتكبّر عليه، فكيف يكتب ذلك في سجل محاولات الإصلاح مع كونه دعوة عملية لسيادة منهج الاستكبار الذي يبغضه الله عزّوجلّ كلّ البغض حيث يقول سبحانه: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ (الزّمر/ 60).

وهناك جوانب أساسية في معاشرة الناس أكّد عليها القرآن الكريم وما هي إلّا مصاديق ومفردات للتواضع الذي هو ركيزة النجاح في المعاملة معهم أو إصلاح أُمورهم أو مدّ يد العون لهم كما في سورة لقمان: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (لقمان/ 18)، ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان/ 19).

ارسال التعليق

Top