• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصدقة في شهر رمضان.. أجر عظيم وفضل كبير

عمار كاظم

الصدقة في شهر رمضان.. أجر عظيم وفضل كبير

الله سبحانه وتعالى يعتق الناس في رمضان ويجود عليهم ويرحمهم، والله يرحم من عباده الرُّحماء، فمن رحم الناس وجاد عليهم فالله يجود عليه ويرحمه. إنّ الجمع بين الصدقة والصيام من أسباب دخول أعلى الجنّة، كما قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ في الجنّة غرفاً يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها»، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن طيَّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلّى بالليل والناس نيام»، فلعلّ هذه الخصال تجتمع كلّها في رمضان. إذا أطعم الصائم الطعام في رمضان فهو له صدقة، وهو أيضاً شُكر لنِعمة الله - تبارك وتعالى - وهو إيثار بما لديه من مال وتذكر للفقراء والمساكين، فتكون هذه الصدقة محقّقة لفوائد كثيرة من فوائد الصيام وحكمه. الجمع بين الصيام والصدقة من الدلائل الواضحة على الإيمان، فالمرء قد يصوم لكنّه لا يتصدّق، إذ المرء مفطور على الشح والاستئثار بما يملك، فلو أخرج وأنفق كان ذلك دليلاً على إرادته للتقرّب من الله عزّوجلّ وعلى تخلصه من الشح الملازم لأكثر الناس. والتعوّد على الصدقة في رمضان سبيل لاعتيادها بعد ذلك في أشهر العام كلّها، فيصبح المتصدِّق وقد أصبحت الصدقة سجية له وطبعاً، وهذا من أعظم أهداف الإسلام ومقاصده.

إنّ استقراء النصوص القرآنية والنبويّة الكريمة واستجلاء مفاهيمها، يوصلنا إلى أنّ الصدقة في مفهومها القرآني الذي أوضحه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّها تعني الدعوة إلى الجهد الطوعي لبناء المجتمع، وإنّها تعني نشر القيم الإنسانية والأخلاقية التي تسمو بالإنسان إلى مستوى التعامل البنّاء مع النفس والمجتمع، وتربية النفس الإنسانية على الاهتمام بالآخر، وليست الصدقة كما يفهمها معظم الناس إنّها عطاء مادّي استعلائي يتفضل به الأغنياء على الفقراء، وكثيراً ما يكون لدى المعطي نظرة استعلائية يتعامل بها مع المُتصدِّق عليه، وربّما صاحب هذا العطاء المنّ على مُستقبِل الصدقة، أو أذى اللسان، لذا حذّر القرآن من هذا الفهم والشعور والتعامل مع الصدقة، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى) (البقرة/ 264) و(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة/ 263).

وبالعودة إلى القرآن نجده يتحدّث عن الصدقة في عنوانين واسعين تحتهما تفصيلات كثيرة.. يتحدّث عن الصدقة المادّية، وعن الصدقة المعنوية.. صدقة الإحسان والمعروف بجوانبه الإنسانية، كما في قصّة النبيّ يوسف (عليه السلام) وفي آية الإعفاء من الدية، وعند الانتقال من الكتاب إلى السنّة المطهرة نجد الرسول الكريم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) يفيض في اتّساع مفاهيم الصدقة في جوانب المعروف والإحسان الإنساني غير المادّي، كما أفاض في بيان أهميّة الصدقة المادّية وأثرها التعبدي والاجتماعي. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أبرم إبراماً، ولا يذهب بالأدواء إلّا الدُّعاء والصدقة». وعندما نقرأ قول رسول الله أنّها تدفع القضاء ندرك أهميّة الصدقة وأولويّتها وحاكميّتها على كثير من الأُمور. وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «الصدقة تمنع ميتة السوء». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «تصدّقوا وداووا مرضاكم بالصدقة، فإنّ الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم».

والتصدّق سرّاً له جانب يتعلّق بالمتصدّق وهو أن لا يتسرّب الرياء إلى نيّته، وله جانب يتعلّق بالمتصدّق عليه وهو حفظ ماء وجهه من الناس. قال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة/ 271). وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تتصدّق على أعيُن الناس ليزكّوك، فإنّك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإنّ الذي تتصدّق له سرّاً يجزيك علانية».

ارسال التعليق

Top