أحيا الإمام الحسين (عليه السلام) بثورته خط ونهج جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو معنى قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «حسين مني وأنا من حسين»، فهذا الاندماج بين الرسول وبين الحسين لم يكن اندماجاً نسبياً، بل كان اندماجاً رسالياً لأنّ الحسين (علیه السلام) قد تحوّل إلى تجسيد لرسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله هو التجسيد الحيّ للرسالة، لذلك فإنّ هناك رسالة اندمجت في رسالة، فالحسين منه باعتبار أنّ الحسين (عليه السلام) انطلق من رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وجوده الرسالي «وأنا من حسين» لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرسالة التي تجسّدت بالحسين في مرحلته، وهكذا يجب أن نفهم المسألة.
لقد نهض الإمام الحسين (عليه السلام) وضحى بدمه ودماء أهله الطيبين من ذريته وأصحابه، فكانت نهضته المباركة حياة للإسلام ليستلهم المسلمون من حركته التي بقيت حيّة نابضة في مختلف المجتمعات. إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم يعتمد في حركته على أحدٍ سوى الله تعالى، فقد أعلن عن توطين نفسه على لقاء الله تعالى، وعزمه على بذل مهجته في سبيل الله ونصرة الحقّ وإحياء الدين الإسلامي الذي كادت أن تُدرس معالمه ويُعفى أثره، ولم يعبأ بقلة الناصر، وتخاذل الأُمّة عن نصرته، لأنّه كان متوكلاً على الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق/ 3). فكفاه الله تعالى، ولم يزل على هذا الحال حتى اللحظات الأخيرة من عمره (عليه السلام): «صبراً على قضائِكَ يا ربِّ لا إله سواكَ، يا غياثَ المستغيثينَ، ما لي ربٌّ سِواكَ، ولا معبودٌ غيرُكَ...».
إنّ جهاد الحسين (عليه السلام) بكلّ أبعاده هو التاريخ الرائد لحتمية كلّ انتصار يستهدفه الأبطال المجاهدون في جهادهم ونضالهم، بل إنّ تخطيط هذا الجهاد بكلّ أبعاده هو الذي صاغ التاريخ البنّاء في حياة المسلمين، وهو الذي دفع بمسيرتهم إلى التفاعل مع الرسالة الإسلامية في مفهومها الواقف الأصيل. ونهضة الحسين (عليه السلام) هي أعظم ملحمة تاريخية تجسّدت فيها بطولات الإسلام وانتصاراته، وبفضل معالم تلك الثورة ومبادئها، وما تكتنفها من أهداف رسالية انتهت إلى الفوز بالشهادة والتضحية في سبيل الحقّ والعدل.
وما عاشوراء (ببطولاتها وأمجادها)، سوى نهضة تمثّل فيها ذلك الصمود الرائع الذي استوعب الأجيال كلّها، فظلت عاشوراء تعكس صور الفداء والعطاء، وصور العِبرة والعَبرة، وصور الأسوة والقدوة، وظلت واقعة تزيد من خلال هذه المواقف وتعمق عطاءها، كما تبيّن قيمتها ودورها في حياة الأُمّة. هذه النهضة التي كانت في واقعها حرباً ضد الانحرافات الفكرية، والتردّيات الأخلاقية والسلوكية، التي كانت كفيلة بمحق الدين الإسلامي إذا ما انتشرت وتوسّعت، ولم تُردع من قِبَل رجال الله العظماء. ولذا، فإنّ عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) إحدى أهمّ حلقات سلسلة الخير والإصلاح.
ليس عجباً، فالقضية التي استشهد من أجلها الحسين (علیه السلام) وأصحابه الثوار كانت خالصة مخلصة لله للإنسان المعذب من أجل الحقّ الضائع والحرّية المسلوبة والعدل المفقود، كانت من أجل خير البشرية جمعاء، حتى كانت كذلك لأنّها كانت نابعة من أصالة الفكر الرسالي، فالثورة التي تكون لله وللإنسان تبقى أبد الدهر، وتستمر وتمتد، وتبقى الكلمات الإيمانية التي خرجت من أفواه الشهداء لتصبح مشعلاً ودرباً لمن يريد مواصلة الطريق. حقّاً لقد كانت عاشوراء تمثل أصالة الأُمّة، الأُمّة التي قادها الرسول، الأُمّة التي كانت خير أُمّة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهو ما بيّنه الحسين (علیه السلام) كهدف لثورته الخالدة حينما قال: «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي رسول الله وأبي عليّ بن أبي طالب».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق