• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تأثير المشاكل في الأطفال الموهوبين

تأثير المشاكل في الأطفال الموهوبين

◄في الأغلب، تؤدي الخصائص، التي يمتاز بها الطفل الموهوب، إلى مشاكل اجتماعية وعاطفية، يمكن أن تؤثر في تطوره الاجتماعي والعاطفي.

الطفل الموهوب هو طفل قوي الملاحظة، فضولي جدّاً، يُبدي اهتماماً شديداً بكل شيء. يتمتع بذاكرة ممتازة. لا يَمَل من عمل أي شيء بل يُثابر عليه إلى أن ينجزه. يمتاز بمهارة عالية في الاستنتاج وتقديم الحجج والبراهين. يمتاز بتطور قواه العقلية ومداركه وقدرته على التأليف. يستطيع بسرعة وبسهولة فهم العلاقة بين الأفكار والأشياء أو الحقائق. يكتسب مهارة حل المشاكل بسرعة وبتدريب أقل ومن دون الحاجة إلى التكرار. خياله واسع. يحب الطفل الموهوب العلم، ويساعده حبّه للعلم، وذاكرته القوية، وقدرته على التعلم بسرعة وسهولة، على النجاح.

يتطور الطفل الموهوب بطريقة غير منتظمة، تُعرف بالتطور اللاتزامُني. تشعر الأُم بالإحباط وأحياناً بالارتباك في تعاملها مع طفلها الموهوب، لأنّه لا يتصرف وفقاً لسنّه. مثلاً، يمكن أن يستطيع طفل موهوب في عمر خمس سنوات، مناقشة مشكلة الجوع في العالم، ثمّ فجأة يعود طفلاً صغيراً، يثور غاضباً ويأخذ في البكاء والصراخ لأنّه يريد أن ينام. وبسبب خصائص الطفل الموهوب، يتوقع منه الأهل أن يتصرف برقي ويتوقع منه، في الأغلب، أن يتصرف كشخص بالغ. فإذا تصرف كما يتصرف أي طفل آخر في عمر خمس سنوات، يعتبر الأهل أن تصرّفه لا يدل على نضج.

إنّ الطفل الموهوب الذي يسبق أنداده بسنوات، من الناحية الفكرية، لا يسبقهم دائماً من الناحية العاطفية أو الاجتماعية. فالمقدرة الفكرية لا تُمكّن الطفل من التعامل مع العواطف بطريقة أفضل من تعامل أي طفل آخر معها. هناك مشاكل عديدة، يمكن أن يواجهها الطفل الموهوب على الصعيد الاجتماعي والعاطفي، منها:

    

- مشاكل التطور اللاتزامُني:

فكرياً، يستطيع الطفل الموهوب إدراك واستيعاب المفاهيم النظرية، ولكنه قد لا يكون قادراً على التعامل معها عاطفياً، وهذا يؤدي به إلى الشعور بقلق شديد حيال بعض القضايا مثل الموت، المستقبل، الجنس وأمور أخرى مشابهاً. قد يؤدي التطور الجسدي لطفل موهوب إلى عدم القدرة على تطبيق وإنجاز فكرة موجودة في رأسه، وذلك خوفاً من عدم تمكنه من إنجازها بالطريقة التي رسمها في ذهنه. يمكن أن يكون الطفل الموهوب قادراً على مشاركة البالغين في الحديث في موضوعات مثل المجاعة العالمية، أو أسباب ارتفاع حرارة الكون، لكنه فجأة يعود إلى طبيعته، يبكي وينقّ لأن طفلاً آخر خطف لعبته المفضلة من يده. ماذا تستطيع الأُم فعله بالنسبة إلى التطور اللاتزامني؟ مثلما أنّ الأُم لا تستطيع تغيير طريقة تطور الطفل العادي، لا يمكنها أيضاً لا تعديل ولا تبديل التطور اللاتزامني. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن تصبح الحياة مع طفل موهوب لديه مشكلة التطور اللاتزامني، أسهل للأُم إذا تفهّمت مشاكله. هنا بعض الأفكار التي يمكن أن تفيد بهذا المجال:

 - يجب ملاحظة أنّ التطور الاجتماعي والعاطفي لطفل موهوب لا يسيران دائماً جنباً إلى جنب مع تطوره الفكري. لذا، قبل أن تقوم الأُم بأي رد فعل نحو انفجار طفلها العاطفي (بكائه، غضبه، إلقائه الأشياء أرضاً.. إلخ) أو الاستنتاج بأنّه غير ناضج اجتماعياً أو عاطفياً، يجب ألا يغيب عن بالها، أنّ التطور الفكري لطفلها يسبق تطور الأطفال الذين هم في عمره، بسنوات.

- على الأُم أن تُدرك أنّ التطور اللاتزامني، يخلق احتياجات خاصة لدى الطفل الموهوب.

- يجب ملاحظة أنّ الطفل الموهوب يمكن ألا يحصل على احتياجاته العاطفية والاجتماعية والفكرية، بما يتلاءم مع ما يحصل عليه أنداده. وهذا يعني أنّه قد يكون قادراً على التكيّف، اجتماعياً، إلى حد ما مع أطفال من عمره، لكن قد يحتاج أيضاً إلى الفرص ليتفاعل مع أطفال آخرين، أو حتى بالغين، موهوبين مثله. على الأُم بذل أقصى ما يمكنها لتوفر له مثل هذه الفرص.

    

- مشاكل المقدرة الفكرية:

يمكن أن يكون الطفل الموهوب مُحبّاً للجدل أو للمناورة واستخدام يده في معالجة مشاكله. يجب ألا يغيب عن بال الأهل أنّه على الرغم من وجوب منح الطفل الثقة لأسباب لها علاقة بحججه المنطقية والمقنعة. لكن الطفل يبقى طفلاً، ويجب أن ينال القصاص المناسب عندما يُخطئ، مهما بدَا تصرفه بارعاً. وعلى الأُم أن تسمح له بالتلاعب بالآخرين. قد يحاول الطفل الموهوب أن يتفوق على أهله ذكاءً وحيلة. ويمكن أن تسبب قدرته على استخدام كلام منمّق وامتلاكه حس الدعابة، إلى إساءة الآخرين فهمه، فيشعر بأنّه شخص سيِّئ ومرفوض. لهذا، يُفضّل الطفل الموهوب البقاء في القرب من بالغين، وأطفال أكبر منه سنّاً.

    

- مشاكل الكمال والحساسية العاطفية:

إنّ الشعور بالكمال يمكن أن يقود إلى الخوف من الفشل، وهذا الخوف يؤدي إلى رفض الطفل الموهوب تجربة أي شيء جديد، خوفاً من الفشل، لأنّه يستطيع تحمّل نتائجه، لكنه يستطيع أن يتعلم كيف يستفيد منه، وهذا يساعده على التعامل مع مشاعره القوية. إنّ قوة الملاحظة والخيال، والقدرة على رؤية الأشياء بوضوح، يمكن أن تسبب ظهور الطفل بمظهر الخجول الذي يتراجع أمام الأوضاع الجديدة، حتى يفكر فيها ويدرسها من جميع جوانبها قبل الإقدام على أي خطوة. قد يحتاج الطفل الموهوب إلى الاطّلاع على كامل التفاصيل قبل الإجابة عن الأسئلة أو تقديم المساعدة، وهذا يجعله يبدو خجولاً من الناحية الاجتماعية. إنّ حساسية الطفل المفرطة، يُمكن أن تجعله يعتبر أنّه المعنى بأي نقد، أو أنّه هو شخصياً وراء غضب الآخرين.

    

- مشاكل الضغط الشديد:

من المحتمل أن يشعر الطفل الموهوب بالضغط أكثر من غيره. فالعديد من الموهوبين الصغار يعانون حساسية مفرطة نحو محيطهم، والأحداث، والآراء، والتوقعات. البعض منهم يعتبر أن توقّعه، هو أن يحقق نتائج جيِّدة يشكل ضغطاً عليه يُعيقه عن التفوق. وإنّ كفاحه الدائم ليحقق توقعاته، أو توقعات الآخرين، ليكون الأوّل أو الأفضل، أو كليهما، يمكن أن يشكل ضغطاً شديداً عليه. وكلما انتقل الطفل إلى فصل جديد أو مدرسة جديدة، يتخوف من تحصيله وأدائه. لأن كل وضع جديد يحمل معه الخوف من ألا يكون الأوّل أو الأفضل. وكلما زادت توقعات الأهل غير الواقعية ولا الواضحة، يزداد الضغط على الطفل. إنّ ضغط الأهل على الطفل الموهوب ليحقق نتائج باهرة، والمقرون أحياناً مع أمور أخرى تُقلق الطفل، مثل شعوره بأنّه مختلف، وشكّه بقدراته الذاتية، وحاجته إلى أن يثبت موهبته، يمكن أن يستنزف طاقة الطفل الموهوب، وينتج عن ذلك ضغط إضافي عليه. يمكن أن يؤثر الضغط أيضاً في غرور الطفل واحترامه ذاته. في سنوات الدراسة الأولى، ينجح الطفل من دون أن يبذل جهداً كبيراً، فيعتقد أنّه متفوّق. ولكن عند انتقاله إلى صفوف أعلى، تصبح الدراسة أصعب. ويكتشف الطفل أن عليه بذل جهد أكبر لكي يحصل على علامات عالية ويتفوق. فيشك عندها في موهبته وتفوقه، ويؤثر هذا في احترامه نفسه.

    

- تخفيف معاناة الطفل من الضغط:

على الأُم أن تساعد طفلها الموهوب على فهم احتياجاته الفكرية والاجتماعية والعاطفية، وكيفية التعامل معه في كل مرحلة من مراحل تطوره. وإذا كان لابدّ أن يتطور الطفل الصغير الموهوب ويصبح شاباً ناضجاً وكاملاً، يجب أخذ احتياجاته التالية بعين الاعتبار:

1- الحاجة إلى فهم النواحي التي يختلف فيها الطفل الموهوب عن الآخرين، وتلك التي يتشابه فيها معهم.

2- الحاجة إلى تقبّل قُدراته، ومواهبه، وعجزه.

3- الحاجة إلى الشعور بأنّ الآخرين يتقبّلونه ويفهمونه.

4- الحاجة إلى تطوير مفهوم الفرق بين "مواصلة التفوق" و"مواصلة الكمال".

    

- مشكلة المحاججة:

يحب الطفل الموهوب المحاججة كثيراً. وغالباً ما يحاول إيجاد ثغرة في القانون ليحاول النفاذ منها. مثلاً، إذا لفتت الأُم نظره إلى أن وقت النوم حان، ثمّ ذهبت لتتفقّده فوجدته يلعب في فراشه، فإنّه يُحاججها بأنّها قالت له حان وقت النوم، لكنها لم تقل له لا تلعب. إنّ الطفل في حاجة إلى أن يعرف مسبقاً، معنى القوانين وأهمية تطبيقها عن طريق:

1- توضيح عواقب خرق القانون: قد يُدرك الطفل الموهوب أنّه خرق القانون، لكنه لا يستطيع إلا أن يناقشه ويناقش نتائج خرقه، لأنّه يعتبر أنه لا القانون ولا العقاب عادلان. وليس من السهل مناقشة طفل موهوب حول قضايا العدالة. لأنّه يمتلك حساً عالياً جدّاً نحو القضايا التي تتعلق بالعدالة. فإذا كانت نتائج خرق القانون واضحة منذ البداية للطفل، لا تعود العدالة مشكلة في نظره.

2- تجنب مناقشة العقوبات مع الطفل بعد خرقه القانون: يستطيع بعض الأطفال الموهوبين أن يناقشوا في قرار جيِّداً، إلى حد يجبر الأهل على التراجع عنه واعتماد عقوبات جديدة. إنّ المناقشة بعد خرق القانون، يُعتبر عملاً سيئاً تماماً، كما إلغاء النتيجة برمّتها. قد تتقبّل الأُم وجهة نظر طفلها، بعد مناقشة القوانين معه، ولكن عليها أن تناقشها قبل أن يخرقها الطفل وليس بعد.

3- عدم الرد على المناقشة بمناقشة: وهذا أمر من الصعب على الأُم تطبيقه، لأنّه من السهل على الطفل جَرّ الأُم إلى النقاش والمحاججة. إذ لا تستطيع أم الطفل الموهوب، إلا أن تتأثر بقدرة طفلها الصغير على إقناعها بوجهة نظره، عن طريق تقديم الحجج المنطقية. وقد ترغب هذه الأُم أيضاً في الرد على كل أسئلة طفلها.

4- زيادة العقاب في حال استمر الطفل في النقاش: على الأُم أن تمنح طفلها فرصة ليتوقف عن المناقشة والجدل بتحذيره مسبقاً. مثلاً، يجب أن تقول له: "إذا عدت إلى الجدال مرة أخرى، لن أسمح لك بمشاهدة برنامجك المفضل مدة يومين". فإذا استمر الطفل في المجادلة على الرغم من تحذيره، عليها أن تحرمه فعلاً من مشاهدة برنامجه مدة يومين. وعليها أن تُبيّن له إذا لم يتوقف عن مجادلتها، فإن مدة العقاب تصبح ثلاثة أيام.

مهما كانت درجة ذكاء الطفل، فإنّه يبقى طفلاً في حاجة إلى توجيه، فهو في حاجة إلى القوانين، وفي حاجة أيضاً إلى عقاب في حال خرقها.►

ارسال التعليق

Top