• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تزكية النفس ومحاسبتها

عمار كاظم

تزكية النفس ومحاسبتها
إنّ طبيعة النفس الإنسانية كانت مفطورة على الفجور كما انّها مفطورة على التقوى والهداية، وانّ تغليب حالة الهداية في النفس أو الفجور انما يعتمد بشكل أساسي على الإنسان ذاته فهو الذي يزكي نفسه فيفلح بهدايتها وتقواها وهو الذي يدس نفسه فيخيب بفجورها وضلالها، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10).  وتزكية النفس، عمل من أشق الأعمال وأصعبها على النفس، والقيام بهذا العمل يحتاج فيما يحتاج إليه إلى أن يتوفر لدى الإنسان دليل واضح ومخطط مفصل لذلك. إنّ تنفيذ هذا البرنامج الذي يستهدف إصلاح النفس وتهذيبها يحتاج إلى أن يقارب الإنسان نفسه ويتابع تطبيق هذا البرنامج وخطوات تنفيذه. ومن المهم أن يتوفر للإنسان وهو في بداية هذا الطريق الإدراك الكامل لطبيعة رقابة الله له في حركاته وسكناته وفي أفكاره وأفعاله قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1). (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق/ 14). وانّ وعي الإنسان لطبيعة هذه الرقابة الربانية وحقيقتها يمكنه من أن يكون على رقابة دائمة لنفسه ولأفعاله بعد أن يتوفر عنده الشعور باطلاع الله تعالى على كلّ شيء يفعله أو يقوله أو يهم فيه، حيث يروى عن نبيّ الله يوسف (ع) انّه لما راودته زليخا قامت فغطت وجه صنمها، فقال يوسف (ع): "مالك أتستحين من مراقبة جماد ولا استحي من مراقبة الملك الجبّار؟". انّ تعميق الشعور برقابة الله تعالى للإنسان يجعل الإنسان من ناحية أخرى دائم المراقبة لنفسه، منتبه لما تقوله أو تفعله أو تهم به. ثمّ تأتي بعد مراقبة الإنسان لنفسه في همه وقوله وفعله، محاسبة النفس ومراجعتها وتقييم مسيرتها، لأنّ المراقبة وحدها لا تكفي فقد يقترف الإنسان ذنباً أو يصدر منه خطأ أو يهفو هفوة معينة، فيحتاج بعد ذلك أن يراجع نفسه ويتعرف على خطئه ويحمل نفسه على تجنبه فيما يأتي من حياته، لأنّ صدور الخطأ أو الذنب.. حالة طبيعية بالنسبة للإنسان، باعتبار حالة النقص الطبيعي الموجودة في الإنسان ومحدوديته أو تحمله لأكثر مما يطيق أحياناً أو جهله بالحكم أو الموضوع أحياناً أخرى أو غلبة الهوى أو الشيطان.. ولكن تكرار صدور المعصية من الإنسان أو الخطأ هو وضع غير طبيعي. وتجنب تكرار ذلك يحتاج إلى المحاسبة كما انّ منع صدور الذنوب والأخطاء يحتاج إلى المتابعة والمراقبة للنفس. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) (الحشر/ 18). (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف/ 201). عن الحسن بن عليّ (ع) قال: "لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أتم من محاسبة شريكه والشريكان انما يتحاسبان بعد العمل". وفي هذا الحديث عن الإمام الحسن (ع) إشارة واضحة إلى أنّ المحاسبة التي يجب أن يحاسب بها الإنسان نفسه إنّما تأتي بعد العمل، فيجب أن تكون للإنسان محطات ووقفات في طريق سيره إلى الله تعالى، وفي هذه الوقفات يلتفت إلى الوراء وينظر ماذا فعل في يومه هذا، وما الذي أعده لغده، هل عمل خيراً، هل عمر معروفاً وحسنات؟ إن كان عمل ذلك فليضاعفه في غده. أم انّه عمل منكراً وسيئات؟ فيجب أن يتوب منها ويرجع إلى رشده ويستقيم كما كان أوّل أمره. انّه من دون أن يحاسب الإنسان نفسه ويراجع خطواته لا يمكن أن يتكامل في طريق سيره نحو الله تعالى، لأنّ المحاسبة هي عملية تقويم مستمرة للإنسان. قال الإمام الكاظم (ع): "ليس منّا مَن لم يحاسب نفسه في كلّ يوم فإن عمل حسناً استزاد الله تعالى وإن عمل سيئاً استغفر الله وتاب إليه". إنّ الإمام عليّ (ع) يعتبر عملية محاسبة المؤمن لنفسه مظهر من المظاهر الأساسية في شخصيته، كما انّ الأدعية هي برامج لتربية النفس وتزكيتها، وتقويم سلوكها في الحياة.

ارسال التعليق

Top