من الصعب أن تكتب عن شخصية كانت في حركة دائمة في سبيل الله طوال ما يقارب نصف قرن أوأكثر في سطور معدودة، خصوصاً اذا كانت هذه الحركة في عدة اتجاهات منها الخيرية ومنها الاجتماعية ومنها الوطنية وغيرها من الاتجاهات، والأصعب عندما لا تقف هذه الحركة عند حدود بل هي عابرة للقارات، وكذلك عندما تكون ذات علاقات واسعة ومتنوعة نال فيها ثقة العديد من المراجع وأفاضل العلماء فكان لهم السند والناصح الأمين، ووظف علاقاته الطيبة مع المحسنين في تأسيس المؤسسات والهيئات الدينية وفِي قضاء حوائج الناس.
نعم هذا هو العم العزيز الحاج كاظم عبدالحسين رحمه الله رحمة واسعة وحشره مع محمد وآل محمد، ومن يتابع ردود الأفعال على نبأ وفاته يعلم أني لم ابالغ فيما تقدم ذكره، بل هو قليل من كثير، فقد كان المرحوم بالنسبة لنا نحن العاملين معه المربي الفاضل والأستاذ المعلم والنموذج القدوة، وقد اخترت محطة والتي اعتقد انها مهمة من محطات حياته لأكتب عنها بإيجاز ظنا مني بان سوف لن يكتب عنها الكثير وذلك من خلال متابعتي لمن كتب عنه من الذين احبهم فأحبوه.
في العديد من الآيات الكريمة يحث الباري عزوجل على ان لا نستعجل في ردة فعلنا اذا حلت بِنَا مصيبة أو مكروه فنصاب بالكدر وينعكس هذا على حيوتنا ونشاطنا، بل علينا ان نجابه المصيبة أو المكروه بروح إيجابية وحيوية لأن الخير سيكون فيما هو قادم فهذا وعد الهي "فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا "
لم يعمل المرحوم بوظيفة بل كان رجلاً عصامياً في أعماله التجارية أي انه بدأ من الصفر، وتدريجياً وبتوفيق من الله وبالعمل الجاد نمت تجارته فأصبح من رجال الأعمال، ولكنه بين ليلة وضحاها و بخطأ ليس منه خسر كلّ ما يملك حتى كاد أن يفقد منزله الخاص في المشكلة الإقتصادية في الكويت التي سُميت بازمة المناخ في أوائل الثمانينات من القرن الماضي.
كنت في تلك الفترة من المرافقين للمرحوم في زيارة الدواوين في الكويت وهي من الأمور الكثيرة التي تعلمتها منه في التواصل الاجتماعي، حدثني في احدى الليالي فقال " انه اصابني الكدر لمدة يومين لما حل بي من هذه الأزمة فانتبهت لنفسي وحدثتها قائلاً اليست هذه الدنيا التي حثنا الله جل جلاله ورسوله وأهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين على الزهد بها وعدم التعلق بها، فقمت من فوري واغتسلت غسل التوبة من الغفلة التي عشتها لمدة يومين وصليت ركعتين لله سبحانه"٠
ومنذ تلك اللحظة انطلق المرحوم بكل حيوية وتفاني في الأعمال الخيرية، ولهذا قلت في المقدمة انها محطة مهمة من محطات حياته، فوقت المرحوم قبل هذه الأزمة كان مقسم بين أعماله التجارية وبين الأعمال الخيرية، وفي هذه الأزمة كأن الله سبحانه اختار له أن يتفرغ تفرغاً تاماً وكلياً للأعمال الخيرية لأنّ الخير له فيها وليس في الأعمال التجارية، ويمكن القول بأن أكثر الأعمال الخيرية التي أنجزها ان لم يكن أغلبها هي في هذه الفترة والتي أعقبت أزمة مناخ.
كانت الأعمال الخيرية التي اشترك بتأسيسها مع أخيه ورفيق دربه سماحة أية الله العظمى سيد محمد حسين فضل الله رضوان الله عليه في لبنان قد بدأت بالانطلاق ولكن زادت من سرعتها بعد تفرغ العم الحاج كاظم رحمه الله، وكان قد بدأ بتأسيس بعض المشاريع في ايران وفِي غيرها من الدول التي يتواجد فيها من يعرفهم ويثق بهم لإدارة المؤسسات الخيرية ويستأمنهم على أموال المحسنين.
ولكنه لم يكن يعلم بعد الكثير عن الدول الافريقية وقد نما الى علمه انه توجد فيها مواطن العمل الخيري، فقرر ان يذهب اليها بنفسه ليطلع على مواطن الخير فيها، وهذا ما كان فقام بأول رحلة له لها مع اخونا عبدالوهاب الوزان لاستكشاف مواطن الخير والحاجة فيها، وقد أصيب عبدالوهاب الوزان بمرض الملاريا بعد هذه الرحلة مباشرة، كما أصيب المرحوم أيضاً بمرض الملاريا بعد عده رحلات لأفريقيا لتفقد المشاريع الخيرية في عدة دول افريقية التي تم تأسيسها هناك بناء على اول رحلة، ولكن الملاريا لم تمنعه عن مواصلة التردد على هذه الدول لمتابعة المشاريع، واعتقد في اخر رحلة وقد كانت بعد عام ٢٠٠٠ م له تعرض لعملية سطو كادت تودي بحياته وهو برفقة اخونا عبدالرضا غضنفر ولكن الله سلم٠
لا زلت اتذكر وقد كان هذا في فترة الثمانينات بعد من الله عليه بالشفاء من الملاريا وغادر المستشفى وقد كان في فترة النقاهة اصر على مشاركتنا في إعداد المخيم التربوي مخيم الهدى، وكان هذا الإصرار منه لرفع معنوياتنا كما هي عادته وحثنا على العمل، وكنت أراه وهو يعمل في التمديدات الكهربائية رغم البرد القارس وصحته المنهكة، وكان يرفض بإصرار عندما نطلب منه أن يستريح ونكمل نحن العمل ، نعم هذا هو العم الحاج كاظم رحمه الله في كل أعماله معنا في حملة الحج وفِي المخيم وفِي غيرها من الأعمال الشاقة كان يرفض أن يستريح ويرى ابناءه يعملون، انه النموذج القدوة في القيادة.
رحمك الله يا عّم لا زلت اتذكر قيامك في نصف الليل في مخيم الهدى في الشتاء القارس لتصلي صلاة الليل ونحن نائمون من حولك، وإذا حان موعد اذان الفجر ترفع صوتك بالأذان لنقوم نصلي الفجر جماعة.
رحمك الله يا عّم لا زلت اتذكر عندما قمنا بزيارتك في لندن أنا وسماحة الشيخ علي حسن بعد ان أفقت من غيبوبة دامت ما يقارب الثلاث أشهر في مرضك الأخير اول ما رأيتنا ندخل عليك دمعت عيناك وبكيت متحسرا على انك لم تعد تقوى على اداء الصلوات الواجبة كما كنت في عافيتك فضلا عن صلاة الليل التي كنت تحرص عليها كالصلاة الواجبة٠
كما قلت في المقدمة يصعب الكتابة عن مثل هذه الشخصيات في سطور قليلة ولكن هذا غيض من فيض من سيرة العم الحاج كاظم عبدالحسين محمد رحمه الله وحشره مع أولياءه الطيبين الطاهرين مع محمد وآل محمد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق