إنّ مفهوم الوحدة الوطنية يعني تحقيق التفاعل والتلاحم والتعاضد بين جميع إفراد الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم. يعني تحقيق الحرّية والعدالة والمساواة لجميع فئات الشعب أمام القانون ويعد ضرورة أساسية ومطلباً مهماً يُقاس على ضوئه مدى انسجام المجتمع وتقدّمه وقدرته على تحقيق حالة الوفاق بين فئاته وقطاعاته المختلفة. وإنّ الوحدة الوطنية كمفهوم وممارسة لا تعني إلغاء التعدّد، وإنّما تعني إنجاز الوحدة من خلال التنوّع، وتحقيق التعددية ضمن إطار الوحدة، وهذا ما نراه في كثير من الدول التي تجعل من التعدّد والتنوّع عامل إيجابي وعنصرمحفز في تعزيز التوافق والتعايش الداخلي. فالوحدة الحقيقية والصلبة، لا يمكن أن تعيش إلّا في ظل الاختلاف المشروع؛ لأنّه يغني مفهوم الوحدة ويمدّه بأسباب الحيوية والفعالية، ويؤسّس لوقائع وحقائق جديدة تحول دون تقهقر المفهوم الوحدوي على مستوى الواقع. وليس المقصود بالاختلاف الذي يؤدِّي إلى الخلاف والقطيعة والخروج عن كل مقتضيات الأخوة الدينية والوطنية. يقول تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران/ 103)، وأيضاً قوله عزّوجلّ: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46). الوحدة الوطنية الصلبة، هي التي تبدأ من الاعتراف بالآخر وجوداً وفكراً، لذلك فإنّ الإنسان الذي يعيش الوحدة هو الذي يحترم خصوصية صاحبه كما يريد من صاحبه أن يحترم خصوصيته. عندما تكون وحدوياً، فإنّ عليك أن تفتح المجال لتحمي حرّية صاحبك بأن يقول ما يشاء، تحميه من كلّ عواطفك وانفعالاتك، تحميه من كلّ ذلك وتقاتل في سبيل حرّيته. وهنا تبرز أهميّة تأسيس نمط العلاقات بين مكونات الشعب المختلفة على قاعدة التعايش والتسامح والتعدّدية وصيانة حقوق الإنسان والشراكة الوطنية القائمة على قاعدة الوفاق والتفاهم والثقة والمسؤولية المتبادلة، فحقائق الوحدة الوطنية وتجلياتها لن تبرز إلّا برسوخ تلك القيم وتجذرها اجتماعياً باعتبارها بوابة توفير الظروف الذاتية والموضوعية لإيجاد مناخ ثقافي ونفسي وبيئة اجتماعية ووطنية. يقول الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
أيضاً لا مجال لتجاوز الحوار كمقوم أساسي من مقومات الوحدة، فالحوار مع شخص يعني الاعتراف به وبوجوده، والرغبة في التواصل معه، والحوار كمبدأ وأسلوب ووسيلة لا غنى عنه حاضراً أو مستقبلاً في معالجة المشكلات وتفعيل الحراك الاجتماعي، فضلاً على أنّ الحوار أسلوب مهم للتعرّف على القواسم المشتركة وقيم التعايش الأساسية وبالتالي تحديد المساحات المشتركة التي يجب تنميتها وحمايتها على الدوام، علاوة على أنّه آلية هامّة في حفظ المجتمع من العنف والصراع، فالعنف يبدأ عندما ينعدم الحوار أو تتعطل إيجابياته.
إنّ تمتين الوحدة الوطنية، تحتاج إلى جهود وطاقات كلّ مواطن من موقعه الوظيفي أو العملي أو الاجتماعي في تعزيز أواصر الوحدة الوطنية. إنّ أرقى علاقة تربط مواطن بوطنه هي علاقة الإضافة إلى مكاسب ومنجزات الوطن مكاسب ومنجزاتٍ جديدة. لذلك فإنّ التشبث بمفهوم الوحدة الوطنية يتجلّى في ضرورة إسهام كلّ مواطن في مضمار البناء والتقديم، وذلك من أجل تمتين الوحدة الوطنية بالمزيد من المكاسب والمنجزات على مختلف مستويات الحياة. فلتتحوّل كلّ الجهود والطاقات والكفاءات صوب فريضة الوحدة الوطنية، وذلك من أجل حمياتها وتطويرها.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق