• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

رائحة الغبار تعبق في كل مكان

دانة الخياط

رائحة الغبار تعبق في كل مكان
ومضة: ·       عندما يكدك الألم، وتشعر بالعذاب والحرمان، وعندما تتعب من يأسك وآلامك وآمالك. وعندما يملؤك الشعور بالوحدة، على الرغم من التصاق الكثيرين بك. وعندما ينكشف لك الصديق عن منافق، ويرحل الأحباب. وعند كل ظلم وجور، وعندما تغلبك نفسك والشيطان، فتجد نفسك أسير الخطأ والآثام.. تذكر الله فتنسى كل أحزانك، وتسلو كل همومك، يمنحك أملاً يحيل ليل يأسك فجراً، ويضيء درب عمرك من جديد. استيقظت كعادتها في الصباح الباكر، شعرت باختناق شديد، فرائحة الغبار تعبق في كل مكان. أعدت قهوتها، لعل رائحة القهوة تخفف من عبق رائحة الغبار، خرجت إلى الحديقة، نظرت إلى البيوت المجاورة، الكل نائمون، والسكون يعم المكان، ورائحة الغبار تعبق في كل مكان.. القهوة ليس لها طعم، وأغاني فيروز التي تحبها ليس لها معنى، وهي تشعر بالغثيان والاختناق، ورائحة الغبار تعبق في كل مكان. بدأت بالأعمال المنزلية لعل رائحة مواد التنظيف تطغى على رائحة الغبار، لكن.. لا فائدة. خرجت من المنزل لشراء الاحتياجات، ولا تزال رائحة الغبار تعبق في كل مكان. شعرت بالغثيان.. تأففت وهي ترى الناس يتسوقون بكل هدوء لا تزعجهم رائحة الغبار التي تعبق في كل مكان. ألا يشعرون بالغثيان، الضيق، الاختناق كما تشعر هي؟ عادت إلى المنزل، حاولت اصطناع جو من المرح، دعت الجارات والصديقات، دقت الأغاني، ورنت الضحكات، لكنها لا تزال تستشعر رائحة الغبار العبقة. ذهب الجميع، وبقيت معها رائحة الغبار، تزعجها بقوتها. أوت إلى حجرتها، حالت النوم ولم تستطع. شعرت برغبة في الصراخ والبكاء، صرخت وبكت كثيراً. سكتت.. سمعت صوتاً رقيقاً آتٍ من بعيد: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد/ 16)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186). هدأت نفسها قليلاً، رفعت كفيها إلى السماء، ودعت.. يا رب ساعدني لا أستطيع السير في الحياة وأنا أملك عقلاً نيراً، وروحاً صافية، ونفساً مطمئنة، وقلباً مخلصاً. يا رب ساعدني على السير في طريقي بثبات واتزان وتصميم. يا رب ساعدني لأغضب وأرضى لك وحدك، أحب وأكره لك وحدك. يا رب خذ بيدي كي لا أسقط في متاهات الحياة التي لا تنفك تصعب وتشتد وتغري. يا رب اجبر كسرنا وارحمنا برحمتك وثبت قلوبنا على الإيمان. يا رب إني أعوذ بك من عين لا تدمع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع. جلست مع نفسها جلسة صدق، لكم تشعر بالفشل والإحباط، لكم تشعر بالتوهان والضياع، تشعر بأن عمرها يتسرب بسرعة وهي تقف مكانك سر ليس لها هدف في هذه الحياة. قررت في ذلك اليوم الذي تعبق فيه رائحة الغبار أن تبدأ صفحة جديدة من حياتها، صفحة واضحة الأهداف والمعالم، محددة الطرق. في ذلك اليوم قررت أن تجدد حياتها، أن تعيد تنظيم نفسها، وتحكم الرقابة عليها. فالنفس البشرية تحتاج إلى نظام يربطها وينسق شؤونها وإلا انفرطت وتبعثرت. بدأت ترتب أولوياتها: أوّلاً: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، ثانياً: برّ الوالدين وصلة الرحم، ثالثا: الاجتهاد في العمل الذي بين يدي، رائعاً.. خامساً.. سادساً. لا تزال رائحة الغبار تعبق في كل مكان. ولكن.. لا يهم.

ارسال التعليق

Top