النبيّ الأعظم محمّد (ص) يدعو للتماسك الاجتماعي في صفوف المسلمين ويبدأ من الدوائر الطبيعية في الحياة (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ) (الشعراء/ 214)، وذلك لعدم وجود الحواجز النفسية بين أبناء الرحم فيسمع الواحد الآخر فيحصل التأثر والتأثير بشكل طبيعي هذا من جهة ومن جهة أخرى لوجود بعض الشحنات والصدمات التي تحصل بين الأقارب نتيجة للتداخلات المعيشية والنفسية فلو لم يعالجها الإسلام بإعادة اللحمة إلى حالتها الطبيعية من الصعوبة أن يعوضها بلحمة أخرى فلذلك تدفع الشريعة لصلة الرحم وتثيب عليها وتبيّن أثرها التكويني أيضاً في إطالة العمر وذلك تعاقب قاطع الرحم وتبّين أثر القطع التكويني على الإنسان ففي هذه الشهر المبارك لابدّ من صلة الأرحام وإعادة حالة التماسك القلبي بعيداً عن القيل والقال وتراكم السلبيات المترسبة في النفوس وهنا يقول الرسول الأعظم (ص): "خافوا من الله وصلوا الرحم فإنّهما في الدنيا بركة وفي العقبى مغفرة وفي صلة الرحم عشر خصال: رضا الرب وفرح القلوب وفرح الملائكة وثناء الناس وترغيم الشيطان وزيادة العمر وزيادة الرزق وفرح الأموات وزيادة المروة وزيادة الثواب". وقال أيضاً (ص): "إذا ظهر العلم واحترز العمل وائتلفت الألسن واختلفت القلوب وتقاطعت الأرحام هنالك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم". فإذن سيحصل الإنسان على الآثار التكوينية في صلة الرحم أو عدم الصلة والنبيّ (ص) يشجع الصلة في أجواء هذه الأيّام الكريمة بالذات حيث خلو النفس من الاهتمامات الدنيوية فالزيارات المتبادلة بين ذوي الأرحام تترك آثارها الإيجابية والصلة هذه تتحقق بالزيارات والولائم والمساعدات وتبادل الحنان والمحبة وهكذا ثمّ يستمر النبيّ الأعظم (ص) في توضيح المنهاج التربوي في خطبته الكريمة ويوضح تقاطع أسس التربية الاجتماعية بأسس التربية الفردية لتصب الواحدة بالأخرى بالمنافع والمردودات الإيجابية فبعد أن وضح (ص) أُسس التربية الاجتماعية في المنهاج التربوي بيّن أُسس التربية الفردية أي على الإنسان المؤمن وعلى المجتمع الصائم أن يهذّب نوافذه المطلة على العالم الخارجي هي النوافذ الطبيعية نحو المؤثرات الخارجية أخذاً وعطاءً فهي تعتبر الجسر الرابط بينَ قلب الإنسان وما يحيط به لذا يقول (ص): "واحفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم". فاللسان والعين والأذن هي الجوارح الرئيسية الرابطة بين الإنسان والبيئة وهي النوافذ المؤثرة على فطرة الإنسان وعلى عقيدته وطموحاته فيأمرنا الرسول (ص) بحفظ ألسنتنا خاصة في هذا الشهر من الكلام البذيء ومن الغيبة ومن الثرثرة والكلام غير المسؤول – فلسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك – وشهر رمضان أفضل موسم ملائم للسيطرة على اللسان حيث الصيام والجوع فيهتم الصائم بأمور يفرضها الصوم بدلاً من الاسترسال وراء تتبع عورات الناس أو إثارة الفتن والغيبة فإذن الصيام يوفر مناخ التقوى والصلاح وتهذيب الحواس الرابطة بالخارج فقد جاء في الأثر: "مَن صام صامت جوارحه". وعن رسول الله (ص) في مضمون حديث: أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى... ثمّ يقال للذي يأكل لحمه ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى فيقول إنّ الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة ويمشي بالنميمة. والغيبة من الكبائر وإنّها أشد من الزنا ومن أُغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله وأعانه في الدنيا والآخرة ومَن أُعتب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره (ولم يعنه) ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه حقره الله في الدنيا والآخرة. والنظر إلى المحرمات أو النظرة السيئة نحو الناس ومراقبة أعمالهم أيضاً من المنكرات فقد قال الله سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور/ 30). وقال أيضاً: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/ 19). فالنظرة إلى الدنيا وزخرفها وأموال الناس بنوع من الخيانة لغرض الحسد والسرقة إنّها نظرة محرمة يمقتها الإسلام وكذلك النظر إلى النساء بنحو من الشهوة والإثارة فهو مدخل شيطاني خطير، سهام إبليس مسمومة، فلابدّ إذن من تهذيب النظرة والسيطرة عليها لكي لا تفتح مجالاً للشياطين ليخترقوا تقوى القلب ويفسدوه في النهاية. وكذلك السمع لابدّ من تهذيبه أيضاً في هذا الشهر الكريم لكي يحصل الإنسان الصائم على مناعة من الانحراف لتحصنه على مرّ الأيام. فقد قال سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون/ 1-3). واستماع الغيبة والنطق بها كذلك مما يفسد السريرة.. ثمّ ينتقل النبيّ (ص) في خطبته إلى طبقة ضعيفة أخرى في المجتمع بحاجة ماسة إلى المساعدة والحنان وعدم الاستغلال ألا وهي طبقة الأيتام بقوله: "وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم" والحنان الذي يفتقده اليتيم بفقدان أبيه أو أبويه أو أُمّه لابدّ أن يعوّضه المجتمع ذلك لتنمو نفسيته نمواً طبيعياً بعيدة عن العقد والتشاؤم، فقد قال سبحانه: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (الضحى/ 9-10)، هذا النهي يحفظ عواطف اليتيم من الشعور السلبي فيأمر الإسلام بالتكافل الاجتماعي واحترام اليتيم وعدم الاقتراب نحو حقوقه وأمواله باستغلال ضعفه فقد قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) (النساء/ 10)، ولابدّ من احتضان اليتيم بالرعاية النفسية والمادية فورد عن عليّ (ع): "ما من مؤمن ولامؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحماً له إلّا كتب الله له بكلّ شعرةٍ مرت يده عليها حسنة". وقال رسول الله (ص): "إنّ اليتيم إذا بكى اهتز له العرش فيقول الربّ تبارك وتعالى مَن هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره فوعزتي وجلالي لا يسكته أحد إلّا أوجبت له الجنة". وهكذا يوصي النبيّ (ص) بمدارات الضعاف من المجتمع واليتامى ويؤكد على رعايتهم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق