• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيفية التعامل مع الطفل الموهوب

د. محمد عباس

كيفية التعامل مع الطفل الموهوب
  الطفل الموهوب إستثناء ثمين، ينبغي أن يرصد له اهتمام استثنائي في الإكتشاف والرعاية. كثير ما يواجه المربون، آباءً ومعلمين.. بحالات لأطفال تبدو عليهم ملامح بعض المواهب التي تجعلهم متميزين عن غيرهم من الأطفال في نفس العمر، فكيف يمكن للمربين اكتشاف هذه الحالات، وكيف يتعاملون معها بشكل يساعد على نموها؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه.   - في المدرسة.. موقفان: انطلاقاً من أنّ المدرسة، من الناحية النظرية، وجدت لتكون مدرسة لجميع الأطفال، تعاملهم بنفس المعايير وتستخدم معهم نفس الأساليب (البرامج، الكتب، المعلمون..)، فإنّها لا تميل إلى التمييز في تعاملها بين الأطفال الموهوبين والأطفال العاديين. بل إن وجود تلاميذ متفوقين جدّاً في فصل دراسي واحد مع تلاميذ عاديين يربك عمل المعلم ويثير له متاعب من نوع خاص. وهذا ما جعل بعض المربين ينادون بفكرة عزل التلاميذ المتفوقين في فصول دراسية منفصلة عن الفصول الدراسية للتلاميذ المتوسطين.. إلا أنّ الجدل حول هذه الفكرة أدى إلى ظهور موقفين متعارضين. هناك موقف يعارض عزل التلاميذ المتفوقين عن رفاقهم من التلاميذ متوسطي الذكاء بحجة أن مثل هذا الموقف سيؤدي إلى تكوين "أرستقراطية معرفية" تقوم على التمييز بين فئتين من التلاميذ: المتفوقين وغير المتفوقين. ومثل هذا التمييز ليس في صالح الفئتين معاً. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى حقيقة أنّ التلميذ المتفوق غالباً ما لا يكون متفوقاً في جميع مواد الدراسة، فقد يكون متفوقا في الرياضيات والفيزياء إلا أنّه غير متفوق في الموسيقى أو الرسم أو التاريخ.. إلخ. بالإضافة إلى ذلك يرى المعارضون لموقف عزل التلاميذ المتفوقين أنّ العزل في حد ذاته أسلوب غير ديمقراطي قد يتسبب في توليد الكراهية بين التلاميذ وكذلك بين المعلمين، في حين أن نجاح العملية التعليمية يتطلب المزيد من التعاون والانسجام بين التلاميذ، وكذلك بين المعلمين أنفسهم. ويفترض مؤيدوا هذا الرأي أن وجود التلاميذ المتفوقين في نفس الفصول الدراسية مع التلاميذ متوسطي الذكاء من شأن أن يشكل حافزاً للتلاميذ المتوسطين لبذل مجهود أكبر. ويجمل عالم النفس "أجوريا غيرا" حجج المعارضين لفكرة تخصيص فصول دراسية للمتفوقين في خمس حجج هي: 1- نظام عزل المتفوقين في أقسام خاصة غير ديمقراطي لأنّه يميز بين الطفل المتفوق والطفل العادي. 2- يشعر المتفوقون أكثر بتفوقهم لو وجدوا في فصول واحدة مع الأطفال العاديين. 3- المنافسة الشديدة بين الأطفال المتفوقين، إذا ما عزلوا في فصل واحد، قد تؤدي بهم إلى الإرهاق. 4- المتفوقون يشكلون حافزاً بالنسبة للأطفال العاديين لو كانوا جميعاً في فصل واحد، على عكس ما هو الأمر لو عزل المتفوقون في فصل واحد. 5- لا يرغب المعلمون عادة في التدريس بفصول خاصة بالمتفوقين. أما الموقف الذي يؤيد فكرة عزل التلاميذ المتفوقين – وهو الموقف الغالب – فيرى أن فصل التلاميذ المتفوقين عن باقي التلاميذ يوفر لهم المناخ الملائم لتفتح قدراتهم ونموها بشكل طبيعي. ويؤكد مؤيدو هذا الرأي على أهمية إسناد مهمة تدريس التلاميذ المتفوقين إلى معلمين أعدوا خصيصاً للقيام بهذه العملية، على أن يتميز هؤلاء المعلمون بعدد من الصفات التي تؤهلهم لذلك. وفي طبيعة هذه الصفات أن يكون تفرغهم لتدريس التلاميذ المتفوقين على أساس رغبتهم الشخصية، وأن يتوفروا على ثقافة عامة واسعة، ومعرفة شاملة بالأساليب التربوية، بالإضافة إلى حبهم لتلاميذهم ورغبتهم في مساعدتهم. وأقدمية المعلم في مجال التدريس ليست كافية كمعيار لكي تسند إليه مهمة تدريس التلاميذ المتفوقين. ويتجه علماء التربية المعاصرون إلى الأخذ بفكرة تخصيص فصول خاصة بالمتفوقين، وأثبتت التجارب إيجابية هذه الفكرة، على اعتبار أن وضع التلميذ المتفوق مع التلميذ المتوسط في نفس الفصل الدراسي من شأنه انطفاء شعلة الذكاء لدى المتفوقين، الأمر الذي يشكل هدراً لإمكاناتهم وقدراتهم. ويمكن لهؤلاء التلاميذ المتفوقين، إذا ما أحسن توجيههم في وقت مبكر، أن يلعبوا دوراً مهماً في النهوض بالمجتمع وتقدمه. ويشير "أجوريا غيرا" إلى أنّ المؤيدين لفكرة إنشاء فصول خاصة بالمتفوقين يستندون إلى أربع حجج رئيسية هي: 1- يستطيع الطفل المتفوق أن يستغل إمكاناته العقلية بعيداً عن الكسل لكونه يوجد بين أطفال من نفس مستواه. 2- إمكان إدخال خبرات غير مدرسية إلى فصول المتفوقين. 3- تشكل فصول المتفوقين حافزاً للتلاميذ وتتيح لهم فرصة التنافس. 4- وجود الطفل مع أطفال من نفس مستواه يوفر له إمكان تكوين صورة حقيقية عن ذاته.   - بعض المتاعب: إنّ وجود طفل موهوب داخل الأسرة غالباً ما يثير صعوبات خاصة به شخصياً، وصعوبات خاصة بأسرته ذاتها وبالمدرسة التي يرتادها. 1- متاعب خاصة بالطفل الموهوب: إنّ الصعوبة الرئيسية التي يواجهها الطفل الموهوب داخل أسرته، هي أنّ الأسرة تربط بين النتائج المدرسية للطفل الموهوب وحبها له واهتمامها به. فالأسرة غالباً ما تحاول إبراز القدرات المتميزة لابنها وتفتخر بها، وتشجع الطفل نفسه على إظهارها. واعتزاز الوالدين بتفوق ابنهما قد يكون مبعثه أنّ الوالدين يشعران بأنهما يحققان – من خلال تفوق الابن – ما كانا يطمحان إلى تحقيقه أو ما فشلا في تحقيقه في الماضي. وحرص الوالدين الشديد على تفوق ابنهما يجعلهما يبديان قلقا شديداً إزاء أي تعثر قد ينتاب الابن في دراسته، الأمر الذي ينعكس على الابن ذاته فيعاني هو أيضاً قلقا أشد، خاصة عندما يشعر وكأن والديه لا يحبانه إلا لنجاحه. ويخشى الطفل في هذه الحالة أن يفقد حب وعطف والديه، وقد يكون هذا الخوف سبباً في تعثره رغم ما يتوافر عليه من قدرات عقلية متميزة، وفي تأخر نضجه العاطفي. وعلى الوالدين أن يدركا أنّ النضج العاطفي للطفل لا يقل في أهميته عن النضج العقلي له، وعليهما أن يوفرا له فرصة النضج العاطفي في نفس الوقت الذي يوفران له فرصة النضج العقلي، وإن كان النضج العقلي لديه يبدو متفوقا على النضج العاطفي. وبالنظر للتفوق العقلي للطفل الموهوب إلا أننا يجب أن نتوقع أن يكون نموه العاطفي متخلفاً عن نموه العقلي، لذا على الوالدين، في هذه الحالة، ألا يحثا الطفل على أن يكون نموه العاطفي ممثلا لنموه العقلي، لأن من شأن ذلك ألا يساعد على نموه العاطفي. ومن المشاكل التوافقية التي يواجهها الطفل الموهوب أنّه قد يرى في العمل المدرسي ما يثير اهتمامه وفضوله، خاصة أنّ المعلم يهتم بالفصل الدراسي ككل أي بغالبية التلاميذ ويحاول أن يساير المستوى العقلي لهذه الغالبية مما يجعل الطفل الموهوب يرى أنّ الدروس مملة ولا تستحق الاهتمام، بل تفعيل الأمر إلى درجة أنّ الطفل الموهوب يهمل دروسه ويفشل في الامتحانات المدرسية. وبينت اختبارات الذكاء أن بعض الأطفال الموهوبين لم يكونوا متفوقين في نتائجهم المدرسية مما جعل المتخصصين في هذا المجال يميزون بين نسبة الذكاء ونسبة التحصيل. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الطفل الموهوب قد يوضع في فصل دراسي أعلى بالنظر لتفوقه حيث يكون التلاميذ في الغالب أكبر منه سنا. وهذا الوضع يثير لدى الطفل مشكلة التكيف مع هؤلاء التلاميذ الأكبر منه سنا والذين قد لا يرتاحون إليه لأنّه يكشف تهاونهم وعدم جديتهم خاصة إذا كان المعلم يقارنهم بالطفل الموهوب الذي يعتبره نموذجاً لهم. وقد ينتاب الطفل الموهوب بعض الغرور والثقة الزائدة في النفس، الأمر الذي يخلق له عددا من المتاعب مع رفاقه في المدرسة، وحتى مع معلميه الذين قد يسخرون منه لكثرة أسئلته، واستفساراته، مما يشعره بالضيق والقلق. وقد يؤدي به ذلك أحياناً إلى الانحراف "سرقة، انزواء.."، وربما إلى الفشل في دراسته. 2- متاعب خاصة بالأسرة: عادة ما يكون الطفل الموهوب يتوافر على قدرات ومواهب لا يتوافر عليها على قدرات ومواهب لا يتوافر عليها إخوته مما يطرح على الأسرة بعض الإشكالات في تعاملها مع أطفالها. وما يجب أن يدركه الآباء بصفة عامة هو أن كل طفل بحاجة إلى مجال يعبر فيه عن ذاته بنجاح، وغالباً ما تكون هذه المجالات خارج المدرسة. هناك طفل يتفوق في إحدى الرياضات، وذاك يتفوق في الرسم، وآخر في الموسيقى أو التمثيل.. إلى غير ذلك من الهوايات التي يعبر الطفل من خلالها عن ذاته مما يعطيه شعورا بالقيمة وبالرضى عن النفس، وبالتالي بالتوازن النفسي والعاطفي. انطلاقاً من هذه المقولة لا داعي لأن يقارن الآباء بين أبنائهم خاصة إذا كان بين هؤلاء الأبناء ابن موهوب. والخطير في هذه المقارنة أنها قد تولد شعورا عدائياً بين الأبناء لاسيما إزاء الابن الموهوب الذي قد يتعرض لمواقف محرجة مع إخوته نتيجة مقارنتهم دائماً به.   - ذرائع الإهمال: وإذا كنا ننصح بألا يقارن الآباء ابنهم الموهوب بباقي إخوته، إلا أنّ هذا الموقف يجب ألا يجعل الآباء يتجاهلون موهبة ابنهم بحجة أنهم لا يريدون أن يشعر ابنهم بأنّه أفضل من إخوته ومن الآخرين وينتابه الغرور. وتحت تأثير هذا الاعتقاد قد يذهب بعض الآباء إلى درجة أنهم لا يهتمون كثيراً بما يحققه ابنهم من نجاح، بل على العكس من ذلك يبرزون المواقف التي يفشل بها. وهذا الوضع قد يؤدي به إلى الفشل الفعلي. وفي بعض الأحيان قد يكون سبب تجاهل الآباء لموهبة الابن هو أنّ هذه الموهبة تشعرهم بالقلق لكونهم يتساءلون عما إذا كانوا قادرين على مساعدة ابنهم في بلورة موهبته وتنميتها، بحيث ينتابهم شعور مسبق بالذنب لعدم توفرهم على الإمكانات الضرورة للسير بعيداً في إبراز موهبة الابن. وعلى العكس من الموقف السابق، فإن والدي الطفل الموهوب قد يعاملان ابنهما بكيفية متميزة عن معاملة إخوته، فيبالغان في العناية به والاستجابة لجميع طلباته، الشيء الذي قد لا يساعده على النمو السليم واكتساب خبرات جديدة تشعره بالاستقلال والثقة بالنفس.. بل قد يكون من شأن هذه المبالغة في العناية والاهتمام أن يعاني الطفل من "ضيق غامض"، على حد تعبير "أندريه برج" لإحباط رغبته في الاستقلال وتكوين خبرات جديدة يواجه بها الواقع. ويشير "برج" إلى أنّ الطفل في هذه الحالة لا يدرك بالتحديد مصدر الضيق الذي يعاني منه، فيزيد من مطالبه، وتقوم الأسرة بالاستجابة إلى هذه المطالب مما يعمق شعوره بالإحباط وعدم الارتياح. وقد ينتج عن ذلك رد فعل عدائي لا شعوري من جانب الطفل إزاء والديه الأمر الذي يشعره بالذنب واهتزاز صورته عن ذاته نتيجة موقفه المتناقض نحو والديه. إنّ هذا الموقف الذي قد يتخذه بعض الآباء من ابنهم الموهوب يؤكد أن سلوك العنف لدى الأطفال قد يظهر حتى في الأوساط الميسورة، ويكون موجها ضد الآباء، رغم أنهم يستجيبون لجميع مطالب أطفالهم، بل لكونهم يستجيبون لجميع هذه المطالب. ومظاهر العنف التي يبديها الطفل في مثل هذه الحالة تحدث ارتباكاً في سلوك والديه لعجزهما عن إدراك سبب ميل الطفل إلى العنف في الوقت الذي يستجيبان فيه لجميع مطالبه. وعلى عكس الحالات السابقة قد لا يكون الابن موهوباً فعلاً، إلا أن والديه وتحت تأثير رغبتهما في أن يكون الابن موهوباً وناجحاً – يعاملانه على أنّه ذكي جدّاً.. وبالنظر لكون الابن – في هذه الحالة – لا يحقق النجاح الذي ينتظر منه فإنّه يشعر بالضيق والاكتئاب والعزلة وعدم الرضى عن النفس. وقد يكون ذلك مؤشراً على بداية إصابته باضطراب نفسي. 3- متاعب خاصة بمدرسة الطفل الموهوب: تهتم المدرسة عادة بتوحيد برامجها وأساليبها التربوية باعتبارها مدرسة الجميع، لذا فإنّها لا تشكل مجالاً للاهتمام بالموهوبين من تلاميذها، وبالتالي قلما تعوض تقاعس الأسرة في هذا المجال. وفي بعض الأحيان يضيق المعلمون بالأسئلة الكثيرة التي غالباً ما يوجهها إليهم التلاميذ الموهوبون، مما يؤدي إلى شعور هؤلاء التلاميذ بالإحباط وعدم إشباع ميلهم إلى الاكتشاف وحب الاستطلاع، بل يصل الأمر أحياناً ببعض المعلمين إلى أن يواجهوا أسئلة التلاميذ الموهوبين بالسخرية والاستخفاف ووصفهم بصفات سلبية تجعل زملاءهم ينظرون إليهم بازدراء مما يشعرهم بالضيق والإحراج، وقد يدفعهم هذا الموقف إلى عدم الاهتمام بالدروس وأحياناً إلى العزلة واللجوء إلى تصرفات سلوكية منحرفة. لذا، يجب على المعلمين وكذلك على الآباء أن يعملوا على تنمية مواهب أطفالهم والإجابة عن الأسئلة التي يطرحونها في جو من الارتياح يشعر الطفل بأنّه محبوب ومقبول من طرفهم ومن طرف الآخرين بصفة عامة. وأحياناً يجد طفل الفئات المحرومة مادياً وثقافياً نفسه في وضعية جد حرجة، إذ يشعر أن أسرته، بالنظر لمستواها الثقافي المتدني، لا تتفهمه وتشبع حاجياته كما لا تتيح له حدا من التواصل يتيح له التعبير عن أفكاره ورغباته. وفي نفس الوقت قد يجد هذا الطفل – لا سيما في المدرسة – أشخاصاً غير والديه يعطفون عليه ويبدون له تفهما لميوله ورغباته مما يجعله يشعر بالحرج إذ عليه أن يختار بين التضامن مع أسرته وبالتالي التخلي عن تفوقه أو تنمية قدراته مواهبه، إلا أن هذا الوضع يولد لديه شعوراً بالذنب والإدانة لابتعاده عن والديه.   - عندما يكثر الموهوبون: إنّ انتشار الاعتراف بحقوق الإنسان على المستوى الدولي لاسيما حق الإنسان في التعليم حيث ذهبت بعض الدول إلى فرض إجبارية التعليم حتى سن معينة، بالإضافة إلى التحسن المتزايد في نوعية الحياة وارتفاع مستوى طموح الأفراد.. كل ذلك ضاعف من احتمالات ظهور الموهوبين في المجتمع. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ القدرات العقلية لأي جماعة بشرية تتوزع بكيفية متماثلة، بحيث نجد دائماً نسبة قليلة من الأغبياء ونسبة قليلة من الأذكاء جدّاً وغالبية متوسطة الذكاء، وإذا سلمنا بأن اكتشاف الموهوبين مرهون بظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية ملائمة، فلابدّ أن نتوقع ارتفاعاً متزايداً في أعداد الموهوبين والمتفوقين في مختلف المجتمعات، لا سيما تلك التي تحاول توفير حد أدنى من العدالة الاجتماعية لجميع أفرادها. إلا أنّ المأزق الذي توجد فيه كثير من المجتمعات المختلفة، وبالنظر للأزمة التي تعاني منها بسبب اختياراتها الاقتصادية والاجتماعية.. فإنّها تجد نفسها أمام صعوبة أشبه ما تكون بكرة الثلج التي يتزايد حجمها كلما تحركت. إذ في الوقت الذي تبذل فيه هذه المجتمعات جهوداً كبيرة في مجال التعليم فإنها عاجزة عن استثمار الكفاءات التي يفرزها هذا التعليم، الأمر الذي يشكل هدراً خطيراً لإمكاناتها المادية والبشرية. وعوض أن تساهم هذه الكفاءات في تقدم ونمو مجتمعاتها التي تحملت أعدادها وتكوينها، تجد نفسها عبئا على هذه المجتمعات وأحياناً وكأنّها غير مرغوب فيها. وأمام استحالة الحد من الإقبال المتزايد على التعليم باعتباره حقاً إنسانياً راسخاً، فلابدّ إذن من تبني استراتيجيات قادرة على استيعاب القدرات البشرية وتوظيفها بشكل يتيح لها المساهمة في تقدم المجتمع في مختلف القطاعات، وبذلك تكون فعلا استثماراً مربحاً على الصعيدين البشري والمادي. هذا على مستوى المجتمع ككل، أما على مستوى الأسرة فإن ظهور نبوغ أحد أبنائها يفرض عليها مسؤولية خاصة تضاف إلى مسؤوليتها المعروفة بشأن رعاية الأبناء وتوجيههم وإعدادهم للاندماج الطبيعي في المجتمع. وعلى الأسرة أن تعي جيِّداً حقيقة بسيطة وهي أن عليها أن تكون بالنسبة لابنها الموهوب، وغير الموهوب، التربة الصالحة بالنسبة للبذرة. فلكي تتحول البذرة إلى نبات مثمر يجب أن تغرص في بيئة صالحة وأن يكون هناك من يتعهدها بالرعاية والاهتمام. أما إذا لم تجد البذرة التربة الصالحة فإنها تنمو هزيلة أو تموت. هكذا الابن الموهوب، إنّه بحاجة إلى جو أسري يشعره بالدفء والأمن ويتيح له تكوين صورة إيجابية عن ذاته مما يدفعه إلى الإبداع والكشف عن كل ما لديه من إمكانات. وتتحمل الأسرة مسؤولية كبيرة في نمو موهبة ابنها، الأمر الذي قد يجعل من هذه الموهبة سبباً مباشراً لنجاح الابن في المستقبل. وعلى الأسرة ألا تحاول إصدار أحكام مسبقة على موهبة ابنها، تحت تأثير اعتبارات وآراء ومعتقدات قد تشكل عائقاً حقيقياً أم تفتح هذه الموهبة ونموها. وعلى مستوى المدرسة فإن على المعلمين إعطاء عناية متميزة للتلاميذ الموهوبين، خاصة عندما لا يتم تخصيص أقسام خاصة بالتلاميذ الموهوبين. فبإمكان المعلم، ودون أن يؤثر ذلك على سير عمله العادي داخل الفصل، أن يوجه التلاميذ الموهوبين نحو مطالعات حرة تتناسب مع مواهبهم، أو أن يكلفهم بعض العروض التي يرى أنها تنمي ميولهم، أو يشجعهم على المشاركة في الأنشطة الثقافية والفنية.. التي تنظمها المدرسة.. إلى غير ذلك من التدابير التي يمكن للمعلم أن يلجأ إليها قصد تنمية قدرات وميول التلاميذ الموهوبين.   المصدر: مجلة العربي/ العدد 488 * باحث مغربي

ارسال التعليق

Top