• ١٨ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١١ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هل أدركت السعودية أهميّة العراق؟

علي مراد العبادي

هل أدركت السعودية أهميّة العراق؟

في ظل تراكم الأزمات التي شهدها العراق طوال الحقب الماضية ولا سيّما ما بعد الإطاحة بالنظام الملكي وإعلان الجمهورية والتي على أثرها استمرت الاضطرابات الداخلية إذ عملت الجهات السياسية المختلفة على تصفية خصومها من أجل الحصول على مكاسب تعزّز سلطتها ونفوذها، هذا إلى جانب إدراك الدولة لأهميّة أحكام قبضتها على مناطق العراق كافة، فكان من نتائج ذلك الحرب مع الكرد في السبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي وانتفاضة الشيعة 1991 وقمعها.

 أمّا على المستوى الخارجي فحرب الثماني سنوات مع إيران وحرب اجتياح الكويت مطلع التسعينيات فضلاً عن التوتر السياسي مع تركيا وسوريا باستثناء الأردن الذي احتفظ بعلاقة طيِّبة مع النظام العراقي آنذاك.

من جهة أُخرى، فإنّ قراءة تاريخ علاقة العراق مع السعودية يُشير إلى عدم استقرارها باستثناء مدّة الحرب مع إيران والتي انتهت بانتهائها ثمّ تصاعدت العلاقة مرّة أُخرى وأصابها التوتر مع أزمة اجتياح الكويت، ليستمر هذا التوتر بعد انهيار النظام العراقي 2003 ورفض المملكة الاعتراف بالعملية السياسية العراقية.

إذ أعلنت في بداية العملية السياسية الجديدة إنّ العراق أصبح تحت الهيمنة الإيرانية، وأدارت وجهها للعراق كما حثّت العديد من الدول العربية والخليجية أن تحذو حذوها. ولعلّ هذا التوجه السياسي من قبل المملكة تجاه العراق لم يكن توجهاً سياسياً سليماً وقد أدركت المملكة مؤخراً ذلك بوصفها سمحت لإيران أن تملأ الفراغ الناجم عن ذلك الانسحاب.

وعندما أرادت السعودية منافسة إيران في العراق شرعت بتمويل بعض الجماعات الإرهابية أو أنّها غضت النظر عنها بداعي محاربة الأمريكان كما قامت بتمويل بعض الجماعات السنية لإيجاد نوع من التوازن مع دعم إيران لجماعات شيعية، لكنّها فقدت السيطرة على هذه الجماعات الأمر الذي أدَّى إلى تحوّلهم في ما بعد إلى جماعات تتبنّى الفكر التكفيري الذي ساهمت بعض الأطراف السعودية باستفحاله وتلقّى دعماً من بعض الجهات المتشدّدة في السعودية هذا إلى جانب الدعم الإعلامي من بعض المتعصبين السعوديين.

السعودية أدركت أهميّة العراق

بعد أن لمع نجم محمّد بن سلمان وتسلمه لولاية العهد هناك ابتدأت المملكة بإعادة النظر في مجمل سياساتها ولا سيّما مع العراق، ولعلّ هذا الأمر يعود إلى عوامل عدّة في مقدّمتها أنّ المملكة ترى أنّ العراق يمثّل الممر الرئيس لها نحو ممارسة دورها الشرق أوسطي المرتقب وبدون العراق تبقى حبيسة عدم القدرة على التصرّف.

من جهة أُخرى، فإنّ المملكة أدركت أنّ الوسائل الصلبة لا تجدي نفعاً مع العراق ولا بأس بالتضحية ببعض الحلفاء السنة من الذين خذلوها أو تحوم حولهم الشبهات والتحوّل باتجاه كسب أصدقاء شيعة ممّن لا يظهرون الولاء لطهران وأطراف سنية يغلب عليهم الاعتدال والقبول المحلي، وهذا ما حصل من خلال تقرّبهم من التيار الصدري والحكمة والوفاق الوطني فضلاً عن بعض قادة العرب السنة، ويبدو أنّ هذه السياسة الجديدة للمملكة هي محاولة لمزاحمة النفوذ الإيراني وإدراك الخطأ الذي اقترفه قادة السعودية مسبقاً والذي نجم عن ضعف التمثيل السياسي والدبلوماسي والحضور الاقتصادي والخطاب الإعلامي من دون تحقيق غاية تلك القطيعة.

خطوة الـMBC عراق القوّة الناعمة هي الحل!

تعدّ مجموعة الـ mbc السعودية والتي تضمّ مجموعة كبيرة من الفضائيات وهي ذات حضور مؤثّر وتحظى بنسب مشاهدة كبيرة على المستوى العربي على وفق طبيعة البرامج التي تعمل عليها، إذ إنّ غالبيتها ذات طابع ترفيهي فضلاً عن طابعها الربحي.

 وبعد نجاح تجربتها في مصر عام 2012 وبروز نجمها في أعقاب الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين هناك ووصول العسكر للسلطة، اتجهت المجموعة نحو الإعلان عن mbc العراق في محاولة لإعادة الحضور السعودي على خُطى الطريقة المصرية ومحاولة لمصالحة الجمهور العراقي، وقد ظهر ذلك واضحاً عبر حجم الحملة الدعائية التي سبقت الافتتاح على الرغم من أنّ الهدف المُعلن هو إيصال الفن للعراق وللدول العربية وإعادة أواصر الترابط العربي، وأيّاً كانت أهدافها فإنّها تظلّ جزءاً من القوّة الناعمة التي اتّبعتها السعودية مؤخراً تجاه العراق.

استنتاج

اقتنعت السعودية أنّ العراق القوي بإمكانه صدّ النفوذ الإيراني وإيقافه من التمدّد إلى بقية المناطق العربية، لذلك هي تعمل على إعادة إحياء العلاقات مع العراق وعقد صلح مجتمعي مع الشعب العراقي لإزالة الصورة السوداوية الناجمة عن المواقف التراكمية السابقة في أذهان المجتمع العراقي، كما إنّ العراق يعدّ المنفذ الجغرافي والمجتمعي الأكبر لإيران ناهيك عن ما تمثّله أهميّة العراق السياسية والإستراتيجية لمحيطه العربي، ويظهر أنّ أزمة السعودية مع قطر وموقف العراق المحايد منها عزّز من الصورة الإيجابية للعراق ولا سيّما خلال مدّة تولي العبادي رئاسة الحكومة، إذ انتهج سياسة الانفتاح على دول الجوار فضلاً عن موقفه المعتدل على مستوى السياسة الخارجية وإعادة إحياء أواصر العلاقة مع المملكة السعودية، وأخيراً يحتاج صانع القرار العراقي لممارسة دور ريادي معتدل يخدم مصالح البلد أوّلاً بعيداً عن سياسة المحاور والمحافظة على توازن القوى من دون الإضرار بحليف على حساب آخر ولا بأس بتقبّل الانفتاح السعودي الأخير على أن تكون مصالح العراق في مقدّمة ذلك التقارب.

ارسال التعليق

Top