• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«الدعاء» مدرسة إيمانية

«الدعاء» مدرسة إيمانية
◄قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان/ 77). هكذا يقول القرآن الحكيم وهو الحق، فإنّ الدعاء بالإضافة إلى أنّه يمد النفس بطاقة هائلة من النشاط والحيوية والجرأة في ميادين العمل والإقدام، إذ أنّ الشخص بالدعاء يرى نفسه متصلة بقوة خارقة بيده كل شيء وهو على كل أمر قدير. فتخف وطئة الألم وما إليه في ذاته، وهذا كاف في إمداده بقوة نفسية مثابرة، فيقدم نحو الأعمال بجرأة فائقة.. ويتجرع الغصص وهو واثق من أنها ستزول لأنّه إستمد من خالق الكون وهو قادر على إعانته لدفعها.  -        أسباب عدم إستجابة الدعاء؟ في الحديث القدسي أن بني إسرائيل أصابهم قحط سبع سنين فخرج موسى (ع) يستسقي لهم في سبعين ألفاً، فأوحى الله تعالى إليه "كيف أستجيب لهم، وقد أظلت عليهم ذنوبهم، وسرائرهم خبيثة، يدعونني على غيرر يقين، ويأمنون مكري". إرجع إلى عبدٍ من عبادي يقال له "بَرخ" يخرجُ "استجب له". فالإنسان لابدّ وأن يصفي نفسه من الشوائب والذنوب والمعاصي حتى يضمن طريق الله في إستجابة الدعاء لأنّ الدعاء مخ العبادة، كما جاء في الحديث فإذا أُستجيب الدعاء قُبلت العبادة وكذلك إذا رُدّ الدعاء رُدّت العبادة. فهذا الحديث يعطينا ضوء أخضر لثلاثة نقاط هي التي تحجب الدعاء من الإستجابة. ·       كثرة الذنوب والمعاصي "وقد أظلت عليهم ذنوبهم" ما لا شك فيه بأن كثرة الذنوب والمعاصي التي يقوم بها الإنسان تحجب الدعاء من الإستجابة، وقد يطول ذلك مع إستمرار المحرمات. وأعظم شيء مصيبة تحل بالإنسان هو سلب إستجابة الدعاء "ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى رؤوف رحيم على عباده فالإنسان هو الذي يطغى ويتبختر ويتكبر ويرتكب الذنوب والمعاصي بحق الله وبحق عباده ومع ذلك يفتح لهم باب التوبة. فيقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، ويقول في حديث قدسي: "لا تملّ من الدعاء، فإني لا أمل من الإجابة" وأعظم من ذلك هو أنّ الله تعالى يُنّزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة من أول الليل فيأمره فينادي. هل من سائل فاعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، ويا طالب الشر أقصر فلا يزال ينادي لذلك، حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء. ·       عدم اليقين "يدعونني على غير يقين". في الحديث فيما أوصى الله إلى عيسى (ع): "لا تدعُني إلا متضرِّعاً إليَّ، وهمك همٌّ واحدٌ، فإنك متى تدعُني كذلك أجبك". فاليقين مرتبة عالية ليست بعدها مرتبة وليس من اليسير أن يصل إليه الإنسان، الا بعد أن يخلص لله سبحانه وتعالى في أفعاله وأقواله ويصغي قلبه ويطهر نيته من الشوائب حين ذلك يكون كما قال الله تعالى: "عبدي أطعني تكن مثلي"، تقوله لشيء كن فيكون كما أقول لشيء كن فيكون" لأنّ العلاقة بين الإنسان وبين الله تعالى علاقة المربوب بالرب، علاقة المخلوق بالخالق، وعلاقة الفقير الفاني بالحي القيوم، فلذلك باستطاعة الإنسان أن يصل إلى هذا المستوى من الإيمان. والدعاء مدرسة إيمانية لمن يريد أن يكون طالباً فيها "فلا يبرم الدعاء إلا القضاء"، (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60). ·       خبث النفس "سرائرهم خبيثة". من أحد عدم إستجابة الدعاء هو خبث النفس وما تحمل من مكائد شريرة حيث تصل بالإنسان إلى درجة الإنحطاط فيطبع الله تعالى على قلبه فلا يرى إلا بمنظار نفسه فالحق معه حيثما كان إتخذ من البطال حقاً والحق باطلاً حيث يكن الويلات على بني جنسه. وهذا كُله من عمل الشيطان قد إتخذه صديقاً، "إنّ الشيطان ينزع بينهم إنّ الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً". ومن وصايا النبي (ص) لإبن مسعود، يا إبن مسعود إتخذ الشيطان عدواً، فإن الله تعالى يقول: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) (فاطر/ 6). وكما جاء في الحديث: "احذروا عدواً نفذ في الصدور خفياً، ونفث في الأذان نجياً". إذن باستطاعة الإنسان المؤمن أن يتغلب على مكائد وخبائث الشيطان حين يتخذه عدواً مبيناً. لأن إبليس قد نصب حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها الا أوليائنا" كما جاء في الحديث. ومن هنا لابد وأن نعرف بأن هذه النقاط الثلاث حين يتجاوزهم الإنسان ويسير في السمو الإيماني الرباني حين ذلك يصل إلى ما يبتغيه من مطالب إسلامية وإستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين". ربنا آمنا بما أنزلت وإتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. سبحانه ربنا ان كان وعد ربنا مفعولاً. إنك أرحم الراحمين.►

ارسال التعليق

Top