• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أبعاد ومعاني الصوم

أبعاد ومعاني الصوم

◄إنّ للصوم عدة عناوين، فهناك مثلاً الصوم المادي في دائرة الجسد (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة/ 187). هذا هو الصوم الجسدي أو قل هو جسد الصوم وذلك بأن تكفّ نفسك عن طعامك وشرابك ولذتك مما أراد الله أن تتركه. وهذا اللون من الصوم يصومه التقيّ ويصومه غير التقيّ ولكنّ النيّة هي التي تعطي صوم الجسد معنى روحياً وذلك بأن تترك طعامك وشرابك قربة إلى الله تعالى، وقد ترى بعض الناس يصومون عن الطعام والشراب احتجاجاً على موقف أو من أجل إيجاد حالة جسدية صحّية وما إلى ذلك، ولكنك عندما تقول: أصوم قربة إلى الله تعالى فإنّك تجعل الصوم يصعد إلى الله لتصعد معه ولتجعله قربة له من خلال نيّة القرب إلى الله عزّ وجل، ولذلك أعطى الله الإنسان معنى الصوم الذي يرتبط به في روحه لا في ذاتياته "الصوم لي وأنا أجزي به" لأنّ الصوم ليس حركة مادية، بل هو يختصر معنى الإخلاص لله سبحانه وتعالى في كلّ هذا الجوع والعطش والامتناع عن المفطرات مما أحلّه الله في غير أيام الصيام.

فالنيّة هي التي تمنح هذا الصوم المادي نبض الروح، وبدونها لا يكون في الصوم نبضة روح. أما الصوم الروحي، فهو أن تعيش في صومك حالة تطهير روحك من الأقذار التي تنفذ إليها فتبتعد بها عن الله، فأن تصوم روحياً يعني أن تخرج نفسك من الغفلة ومن نسيان الله (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر/ 19).

وأن تصوم روحيّاً يعني أن تذكر الله في قلبك.. وفي الدعاء "واشغل قلوبنا بذكرك عن كلّ ذكر". وأن تصوم روحيّاً يعني أن تعيش مع الله في السراء والضرّاء وفي كلّ خطوة تخطوها. إن فريضة الصيام تربّي النفس وتزكّيها من ادران المعصية وشوائب العصيان لما بين الصيام وترك الشهوات من صلة وثيقة. وفي ظلّ هذا العامل يكون المجتمع في أرقى درجة من التزكية والتربية فإذا كان الصيام جامحاً لشهوات الفرد فبالتالي هو كابح لشهوات المجتمع وتعدياته. وفي ظلال هذه الأجواء تخف وطأة الجرائم بسهولة.

ومن جانب آخر، إنّ الإنسان الشبعان لا يتحسس جوع الآخرين وفقرهم المدقع ولكنه إذا جاع سويعات فهو يلمس ألم الجوع والعطش من صميم الذات فيقوم بخدمة الجائعين الذي يقتاتون الجوع والعطش طيلة عمرهم.. فأي عمل أفضل من هذا العمل الذي يدفع الأغنياء والمتمكنين نحو التحنن للأيتام والمساكين ولأجل ذلك قال رسول الله (ص): "وتحننوا على أيتام الناس".

ومن جانب ثالث إنّ هذا العمل يدفع الإنسان إلى أن يتأمل اليوم الرهيب الذي تشخص فيه الأبصار ولا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. ► 

ارسال التعليق

Top