لم تتضمن رحلة المرشح أحمد شفيق لخلافة حسني مبارك كرئيس لمصر وقفة في محطة ميدان التحرير.
وفي الميدان -مهد الانتفاضة المصرية التي اطاحت بمبارك بعد 30 عاما من الحكم والذي أصبح اليوم نقطة تجمع لثورة لم تكتمل- تضطرم مشاعر العداء تجاه رجل يعتبره كثيرون من بقايا رجال مبارك يمكن أن يؤدي صعوده إلى انتكاس مسيرة الديمقراطية.
ويقول منتقدو شفيق ان نفوذ المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يهيمن على السلطة منذ الاطاحة بمبارك هو الذي ضمن لشفيق حتى الان الوصول إلى جولة الاعادة ضد مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي.
وتعززت الشكوك بأن قوى نافذة تقف وراء القائد الاسبق للقوات الجوية عندما قضت المحكمة الدستورية العليا -اعلى هيئة قضائية في مصر- يوم الخميس بالغاء قانون كان من شأن تطبيقه فرض العزل السياسي على الرجل الذي كان آخر رئيس وزراء في عهد مبارك كما ابطلت انتخابات مجلس الشعب الذي فاز الاسلاميون بأغلب مقاعده.
لكن شعارات الامن وفرض النظام والقانون التي يرفعها تحظى بقبول حقيقي لدى ملايين المصريين الذين سئموا حالة الاضطراب السياسي والاجتماعي منذ انهيار اجهزة مبارك القمعية خلال انتفاضة العام الماضي.
فضلا عن ذلك ثمة مخاوف لدى كثير من المصريين -وخاصة الاقلية المسيحية التي تمثل نحو عشرة بالمئة من السكان- من صعود الاسلاميين الى السلطة وهو ما وصفه شفيق نفسه بأنه تهديد خطير.
وفي خطابه الاخير يوم الخميس قبل بدء الصمت الانتخابي ظهر يوم الجمعة تعهد شفيق "بالتصدي للفوضى واعادة الاستقرار" لكن في الوقت نفسه ارتدى عباءة الثورة قائلا ان مكاسبها ستوزع على كل المصريين.
ومع ذلك يبقى شفيق (70 عاما) شخصية مثيرة للانقسام تثير تصريحاته المتكررة عن تأييده للثورة تهكم كثير من الشبان الذين قادوها.
ولا ينسى الشبان ما عرضه عندما كان رئيسا للوزراء ابان الانتفاضة من تقديم (البونبون) والشوكولاته للمحتجين في التحرير على سبيل السخرية بينما كان هؤلاء المحتجين يبكون رفاقهم الذين قتلتهم الشرطة.
وبعد الجولة الاولى للانتخابات الرئاسية الشهر الماضي حاول شفيق التواصل مع اشد منتقديه من الشبان قائلا "سأستعيد إليكم ثورتكم التي سرقت ونهبت منكم."
وقالت اللجنة العليا للانتخابات ان شفيق حل ثانيا في الجولة الاولى للانتخابات التي كانت اولانتخابات رئاسية حرة في تاريخ البلاد. وكانت نسبة الاقبال على التصويت 46 بالمئة.
واعلنت اللجنة حصول مرسي على 24.3 في المئة من الاصوات بما يضعه في المركز الاول ويطيح بعدد من المرشحين الاكثر اعتدالا من السباق.
ولا تتركز شعبية شفيق في العاصمة وانما في المحافظات حيث يزداد ميل الناخب للأمن والنظام.
وادت الهجمات المتكررة على مقار حملته الانتخابية إلى انتهاج شفيق لروح التحدي التي دعمت صورته كرجل جاد.
وقال شفيق للصحفيين هذا الشهر قبل ان يشن حملة تخويف من الاخوان ان من يظنون ان حرق مقرات شفيق يعني حرق شفيق نفسه واهمون.
وقال "الاخوان يمثلون الدولة الطائفية الاخوانية ... انا امثل التقدم للامام وهم الرجوع للخلف. انا امثل الشفافية وهم يمثلون الظلام انا امثل المصلحة الوطنية وهم يمثلون الانتقام."
وفي تجمع أقيم يوم الأربعاء الماضي وقف شفيق إلى جوار زوجة الرئيس الراحل انور السادات وابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في اشارة رمزية إلى استمرار سلطة .. لو فاز مرسي لقطع مسيرتها.
وتعهد شفيق بالحفاظ على معاهدة السلام التي وقعها السادات مع اسرائيل عام 1979 قائلا انه يعترض على تصرفات اسرائيل الحالية لكنه رجل يحترم المعاهدات السابقة.
ويقول شفيق ان لديه خلفية عسكرية وسياسية تسمح له بقيادة مصر إلى عصر ديمقراطي لكن علاقته بالنظام السابق أحدثت استقطابا بين الناخبين. فهو يرى نفسه امتدادا لتقليد استمر ستين عاما يتمثل في اختيار الرئيس من بين العسكريين.
وقال شفيق لرويترز في وقت سابق من العام الحالي انه لا يمكن أن تأتي بشخص مدني لا علاقة له ولا معرفة بالحياة العسكرية وتجعله الرئيس والقائد الاعلى للقوات المسلحة مشيرا الى انه قادر على ضمان انتقال سلس في مصر.
ووعد المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد مبارك بتسليم السلطة للرئيس الجديد في يوليو تموز لكن من المتوقع ان يحتفظ الجيش لنفسه بنفوذ سياسي لسنوات قادمة.
وقال شفيق ان المدنيين ربما يكونوا متعجلين ويعتقدون انه بمجرد انتخاب الرئيس القادم سيستطيع العمل بحرية بعيدا عن الجيش وهذا غير صحيح.
لكن فكرة فوز شفيق تثير غضب كثير من المصريين الذين يرونه أداة في يد الجيش والحرس القديم من عهد مبارك مما يهدد المكاسب الديمقراطية الهشة التي حققتها انتفاضة العام الماضي.
ورشق محتجون شفيق بالحجارة والاحذية عندما ذهب للادلاء بصوته في أحد المراكز الانتخابية بالقاهرة الشهر الماضي وهم يهتفون "الجبان أهوه .. المجرم أهوه (هذا هو)" كما رددوا هتاف "يسقط يسقط حكم العسكر". ولم يصب شفيق بسوء.
ولا يخفي شفيق علاقته الطيبة بالمشير محمد حسين طنطاوي قائد المجلس الاعلى للقوات المسلحة ويقول انه استشاره في فكرة الترشح للرئاسة.
واعرب شفيق علنا عن تقديره لمبارك ولم يعتذر عن وصفه الرئيس السابق بأنه قدوته ومثله الاعلى بعد ابيه خلال مقابلة صحفية في عام 2010.
وعين مبارك شفيق رئيسا للوزراء في محاولة اخيرة لارضاء المحتجين. وبعد ايام قلائل تنحى مبارك. وصمد شفيق لثلاثة اسابيع اخرى ثم قدم استقالته.
وفي تاريخه العسكري الذي يمتد لأربعة عقود خاض شفيق حروبا امام اسرائيل كما يقال انه اسقط طائرة اسرائيلية في حرب 1973.
واثناء قيادته للقوات الجوية خلال التسعينات سعى شفيق إلى تطويرها وتجديد سلاحها. ويقول بعض المسؤولين المصريين ان واشنطن التي تمنح مصر 1.3 مليار دولار سنويا معونات عسكرية عارضت بعض خططه بسبب الاعتراضات الاسرائيلية.
وخلال توليه منصب وزير الطيران المدني من 2002 إلى 2011 قام شفيق بتطوير شركة مصر للطيران وهي شركة الطيران الرسمية فضلا عن تطوير المطارات المصرية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق