- أهمية المنهج التربوي:
يحتل المنهج التربوي موقعاً استراتيجياً حساساً في العملية التعليمية عندما ينظر إلى التخطيط التربوي من منظور الجودة والنوعية، لأنّه الترجمة العملية لأهداف التربية وخططها واتجاهاتها في كل مجتمع، فأفضل مدخل وخير وسيلة لإصلاح التعليم وتجديده هو تحسين المناهج وتجديدها وتطويرها بمفهومها الشامل. ومن هنا أصبحت دراسة المناهج وتخطيطها وتطويرها عملية جوهرية تتم في ضوء قيم فلسفية واجتماعية وسياسية وحضارية مستمدة من المجتمع الذي تخدمه المؤسسة المدرسية، ومن تطلعات وحاجات البيئة ومتطلبات تنميتها، ومن علاقة المجتمع بالمجتمعات الأخرى والعالم الذي أصبح قرية صغيرة. لذلك فقد أولت دول العالم المتقدمة والنامية منها المناهج عناية فائقة وخاصة، وتعاملت أغلبها مع المنهج على أنّه منظومة جزئية من النظام الأكبر، وهو النظام التربوي الذي يتكون من مكونات رئيسة متفاعلة تفاعلاً تبادلياً (الأهداف التربوية، المحتوى، استراتيجيات التعليم والتعلم، والنشاط المدرسي، وعملية التقويم والتغذية الإسترجاعية)، وأنّ هذه المنظومة (المنهج) لها مدخلات وعمليات تحويل ومخرجات، وتتأثر تأثراً عضوياً ومباشراً بمناخ وثقافة المؤسسة المدرسية (القيم، الاتجاهات، المعنويات، والأولويات، العلاقات الإنسانية وأنماط السلوك، درجة المرونة، درجة المركزية، التواصل، العمليات الإدارية،...)، كما تتأثر بالبيئة المحيطة التي تتضمن كافة العوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتشريعية والقانونية والتكنولوجية، وما يحدث فيها من تغيرات، وما يستجد فيها من متغيرات، فيشمل المنهج مجمل خبرات المتعلم التربوية التي يمارسها داخل المدرسة وخارجها.
فالمنهج التربوي يتأثر بعوامل كثيرة يعتريها التغير كلّ يوم في عالمنا المعاصر، فتعريف المنهج التربوي من وجهة نظرنا المتواضعة مرن قابل للتعديل والتطوير بناء على نتائج الدراسات والبحوث والتطورات العلمية والتكنولوجية السريعة، وخصوصاً في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، وفي شبكات المعلومات الدولية كالإنترنت وغيرها التي أثّرت وسوف تؤثر مستقبلاً بشكل أوسع وفعال في التربية، وبشكل خاص على المنهج التربوي كمنظومة، إضافة إلى العولمة وما يرتبط بها من آثار متنوعة على الجوانب المختلفة في المجتمع.
- العوامل المؤثرة في مفهوم المنهج التربوي:
إنّ الإحاطة الكاملة بالعوامل المؤثرة في مفهوم المنهج التربوي ليست بالأمر الميسور، وذلك لتعدد تلك العوامل وتشعبها، ولكونها أيضاً عوامل متحركة ومتطورة. إلا أنّنا نستطيع أن نحدد بشكل عام ثلاثة عوامل رئيسية تؤثر في مفهوم المنهج التربوي في عصرنا هذا، هي على النحو التالي:
- الثورة في عالم العلم والمعرفة:
كما نعرف أن الثورة في عالم العلم والمعرفة والتكنولوجيا والمعلوماتية تؤثر على التربية والمناهج بشكل خاص، كما أنّ تحديات المستقبل تنبئ بأنّ المستقبل يحمل بين طياته أنماطاً متغيرة من المعرفة ذات الأثر العميق في حياة البشر، إضافة إلى تعقد المشكلات التي سيواجهها الإنسان مستقبلاً، وتطور مفهوم المهارة التي لم تعد تعني أداء العمل بسرعة، بل اتسع مفهومها ليشمل الفهم والدقة والإتقان والمبادأة والتنبؤ والاستشراف والإبداع والابتكار. ويتطلب كل ذلك أن تسعى تربية عصر المعلومات إلى إجراء إصلاحات جذرية في نظمها بمقوماتها المختلفة وتجديد رؤيتها الفلسفية لجميع عناصرها لمواجهة هذه المتغيرات، وفي مقدمتها المناهج التربوية من حيث مفهومها وعناصرها، وأساليب تخطيطها وتنفيذها وتقويمها، لإعداد متعلمين بمواصفات مغايرة عن تلك التي أفرزتها تربية عصر الصناعة، ليتمكنوا من العيش مع تعقيدات الحياة المستقبلية والتكيف مع العصور المتلاحقة.
- الدراسات والبحوث في العلوم الإنسانية:
إنّ تطور المفاهيم الفلسفية، وتطور مضامين الثقافة والأخذ بالاتجاه الذي يؤكد على الثقافة المتطورة المتجددة، ومواكبة الحركة الثقافية في العالم، ونتائج الدراسات والبحوث التي تمت في علم التربية، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والتعلم، وعلم النفس الفارقي، عن طبيعة المتعلم واحتياجاته، وطبيعة عملية التعلم وعلاقة الفرد بالمجتمع، وعلاقة المؤسسة المدرسية بالمجتمع، أدى كل ذلك إلى إعادة النظر في مجمل عناصر العملية التعليمية التعليمة وفي أبعادها، وغيَّر الكثير مما كان سائداً في التربية، وأحدث تطورات حديثة في جميع مكونات منظومة المنهج التربوي، كما أدّى إلى تغيير دور التربية وأهدافها ووظيفة المؤسسة المدرسية، فانصب الاهتمام على المتعلم وتنمية سلوكه وتعديله وبناء شخصيته، وتغير دوره في عملية التعلم والتعليم، وخصوصاً بعد توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العملية التعليمية التعلمية، فأكدت الدراسات على أن كل فرد سليم في جسمه وإدراكه قادر على التعلم وبلوغ المستويات التعليمية والمنشودة والتفوق والتميز، إذا أكسبناه الدافعية الكافية، كما أن قدرات المتعلمين هي أفق مفتوح، وقابليتهم للتعلم غير متناهية، ويمكن تعلمهم معظم أنواع المعرفة، وأنّ المستوى المعرفي لديهم بلا حدود ثابتة، كما أكدت هذه الدراسات إمكانية رفع التوقعات حول أداء المتعلمين بشكل مستمر والعمل للوصول إليها لبلوغ أقصى مستويات الاتقان والتميز.
- النظام العالمي الجديد ومتطلبات الحياة:
النظام العالمي الجديد وسيادة الاقتصاد الحر وحرية التجارة العالمية، وإلغاء القيود والضوابط التي تعيق حركة النشاطات الاقتصادية، والمتغيرات المتلاحقة، والتأثير والتأثّر على مستوى العالم، وتداخل المصالح، وامتزاج الثقافات، وزيادة النفوذ الدولي على القرار الوطني، والمحافظة على أمن المستقبل، والتحديات المحلية والعالمية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعلمية والتكنولوجيا، وشيوع التفكير العلمي في جميع مجالات الحياة ومتطلبات الحياة، والمنافسة الحادة بين دول العالم للوصول إلى إنتاج راقي النوعية وتأكيد الكفاءة الإنتاجية والجودة العالية والمستوى العالمي، والإسهام الفعال في توجيه التغير الاجتماعي والمحافظة على التوازن بين القيم الروحية والقيم المادية، وغرس القيم الفاضلة والأخلاق في المجتمع، قيم الإسلام والمجتمع الديمقراطي السليم، وتعزيز الالتزام بقيم حقوق الإنسان وثقافة التسامح وتعزيز مبادئ الديمقراطية ونبذ العنف والتعصب على مستوى الدين والمعتقد، ومحاربة التمييز العنصري بجميع أشكاله وأنواعه وتعزيز المواطنة الكونية.. كل ذلك يتطلب إعداد متعلمين لممارسة الحياة العملية في عالم متغير، متعلمين سريعي الفهم يتحلون بروح المبادرة ويتمتعون بخيال واسع، ويمتلكون القدرة على حل المشكلات والإبداع بتفكير علمي منظم، قادرين على التعامل مع الحضارات الأخرى، مساهمين في رقي المجتمع العالمي ومتمكنين من تحسين قدرتهم على التعلم المستمر الدائم وترقيتها إلى مستويات أعلى فأعلى بشكل متواصل، ويكون أمامهم مجالات فسيحة لمزيد من الإتقان والنمو المستمر المتكامل.
- مفهوم المنهج التربوي:
نستخلص مما سبق ضرورة النظر إلى المنهج التربوي على أنّه يتكون من سلسلة متصلة من المكونات التربوية لا ينفصل بعضها عن بعض، وهي تعمل بشكل متكامل. لذلك، يمكن أن نتبنى مفهوماً للمنهج التربوي ينسجم مع قناعتنا التربوية وسياستنا التعليمية ونظرتنا إلى المعرفة وعمليات التعلم والتعليم ودور المؤسسة التعليمية في عملية التطور النوعية والتغيير والتجديد التربوي. وعليه يمكن تحديد مفهوم جديد للمنهج التربوي وفق الواقع الحالي على النحو التالي:
-المفهوم الجديد للمنهج:
المنهج التربوي هو كل ما يحدث في المؤسسة التعليمية، وما يخطط له وينفذ، أو يمارس من قبل المتعلم خارج المؤسسة التعليمية من عمليات تعلم وتعليم، بهدف تمكين المتعلم من مواجهة المواقف الجديدة ومتغيرات الحياة وتوليد الأفكار، وإنتاج المعرفة وتكوينها من المصادر والمعلومات المتناثرة، وغربلتها وإعادة تركيبها بشكل منظم، ومساعدته على النمو الشامل المتكامل بكل طاقاته وإمكاناته الجسمية والنفسية والعاطفية، والفكرية، والارتقاء لبناء كيانه الشخصي الاجتماعي بكل مسؤولية، وتلبية احتياجاته المتغيرة للوصول إلى أفضل ما تستطيع قدراته، إلى أعلى مستوى ممكن، لتحسين الأداء الفردي والمؤسسي وجودة التعليم.
وإنّنا ندرك – كما أوضحنا سابقاً – أنّ هذا المفهوم قد لا يصلح أن يكون مفهوماً للمنهج المستقبلي، فالمتوقع أن يشمل التربوي خبرات المتعلمين خارج نظام التعليم، وقد يشمل تصوراتهم وتنبؤاتهم للمستقبل، وقد يشمل قضايا أخرى نجهلها حالياً وخصوصاً تلك القضايا المتعلقة بالتغير السريع في بنى المجتمع الفكرية ومتطلباته الثقافية، وباستغلال الفضاء من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تتطور بشكل مستمر وسريع.
نستخلص مما ذكر أنّ المنهج التربوي لم يعد مجموعة المواد الدراسية، وليس هو مجموع المعلومات والحقائق والمفاهيم والأفكار التي يدرسها المتعلم في صورة مواد دراسية موزعة على فصول أو سنوات الدراسة ومراحلها وتتوافر في كتب مدرسية محدودة ومعروفة، ولم يعد المنهج التربوي الخبرات والممارسات الصفية التي يمر بها المتعلم في مدرسته فقط، وليس هو النشاطات والممارسات التي تنظم بتخطيط من قبل وزارة التربية في الدولة ويتم تنفيذها في محيط المؤسسة المدرسية. لقد ولى زمن أن تكون المدرسة هي مستودع للمعلومات، ولم تعد المادة التعليمية واختيارها من التراث المتراكم هي الحدود التي نقف عندها، أو أنّ المنهج التربوي يهتم فقط بالمادة العلمية، بل يهتم بالمتعلم أوّلاً والعلم ثانياً. كما أنّ المادة الدراسية لم تعد هي الغاية والوسيلة في آن واحد، ولم تعد الخبرة قاصرة على ما يحدث داخل حجرة الدراسة، وعلى الجانب المعرفي منها فقط دون غيره من جوانب الخبرة، كذلك، فإن توزيع المناهج الدراسية إلى فصول وسنوات ومراحل وأزمنة ثابتة للجميع لم يعد يفترض أن ينهي جميع المتعلمين تعلمها في مدة زمنية محددة، ولن يكون هناك منهج واحد وتقويم مشترك نهائي واحد للجميع، وكأننا نتعامل مع بنى مادية وليس مع بنى بشرية لكل متعلم قدراته وإمكانياته وميوله ورغباته وظروفه.. ولم يعد ينظر المنهج بهذا المفهوم إلى قدرات جميع المتعلمين من فئة عمرية واحدة على أنها قدرات متساوية، ولا يحدد هذا المفهوم مسبقاً وبشكل قطعي قدرات جميع المتعلمين وآليات تعلمهم في سن معيّن، بحيث لا يمكن تعديها. ولم يكن هناك حاجة لوضع ضوابط وحدود لما يسمح للمتعلم معرفته، وإنّ المنهج بهذا المفهوم يؤكد على قابلية جميع المتعلمين على التعلم في أي سن من عمرهم، وعلى مواصلة التعلم ذاتياً والتعلم المستمر الدائم المتجدد مدى الحياة، ولم نعد بحسب هذا المفهوم نحرم أطفالنا وشبابنا الصغار في مرحلة التعليم الأساسي من القدرة على التفكير النقدي، أو حل المشكلات والإبداع والابتكار.. ولم يعد حفظ محتوى المواد الدراسية معيار النجاح والفشل.
- أهم القضايا التي يؤكد عليها المفهوم الجديد للمنهج:
يمكننا تحليل المفهوم الذي تبنيناه للمنهج التربوي، والذي أكدنا أنّه مفهوم غير ثابت يتطور نتيجة للتغيرات التي تحدث في هذا العصر، إلا أننا نستطيع أن نستخلص بعض القضايا التي لها انعكاسات مباشرة على العملية التعليمية التعلمية، ويؤكد عليها هذا المفهوم من خلال تحليلنا... وعلى النحو التالي:
- التفكير الناقد المقَوم المبدع:
يؤكد مفهوم المنهج على إعطاء اهتمام خاص للتعليم، الذي يعتمد على البحث والتخطيط والتحليل والتركيب والتصميم والتقويم والمبادأة وحل المشكلات وغيرها من الوسائل الخلاقة في أساليبه، ويحرص على الارتقاء بمستوى تفكير المتعلمين، وتعويد الأطفال منذ نعومة أظافرهم على التفكير الناقد المقَوم المبدع، وتنمية قدراتهم العقلية وتعميقها واستخدامهم لقواهم التخيلية وممارسة عمليات التقصي والاكتشاف بأنفسهم، وإعادة التركيب والإبداع والابتكار بدلاً من الاستقبال السلبي للمعلومات التي يحملها إليهم الآخرون، والارتقاء بالمتعلمين إلى المواطنين القادرين على بناء كيانهم الشخصي والاجتماعي بكل مسؤولية، بحيث يصبح بحسب هذا المفهوم طلب العلم وتقصي المعرفة والعمل المتقن والخلق والابتكار أسلوب حياة في مواجهة المشكلات والمواقف الجديدة ومتغيرات الحياة.
- تفجير الطاقات الذاتية والتميز للجميع:
ينطلق مفهوم المنهج من أنّ المتعلم هو محور العملية التعليمية، وأن كل متعلم سليم في جسمه وإدراكه قادر على تعلم معظم أنواع المعرفة، وعلى العطاء وتحسين قدرته على التعلم وترقيتها لمزيد من الارتقاء والنمو المستمر المتكامل. ونستخلص أنّه يؤكد مبدأ التعلم من أجل التعلّم ومواصلة التعلم ذاتياً، ويهتم بحاجات المتعلم وميوله وتنمية شخصيته بجوانبها المختلفة العقلية والانفعالية والمهارية وتفجير طاقاته الذاتية وإطلاق العنان لها وتفريد عملية التعليم تبعاً لقابليات واهتمامات كل متعلم، مع تأكيد المفهوم بأن هناك دائماً مجالاً لمزيد من الإتقان والنمو، والاهتمام بالتعديل المستمر والمتواصل للسلوك، والتجديد الدائم للخبرة والمعرفة ومستوى الكفاية التعليمية، إضافة إلى التربية المستمرة المتجددة. وعليه فإن مفهومنا هذا يحرص على مبدأ تعميم النجاح والاتقان والتميز للجميع، وتكافؤ الفرص في مخرجات التعليم.
- المرونة والتعليم المستمر الدائم:
يؤكد مفهومنا للمنهج أننا أمام احتياجات متغيرة للمتعلمين وبشكل دائم مستمر، وأمام معارف متغيرة أيضاً، مما يتطلب الحرص على تطبيق مبدأ المرونة والتكامل في شكل تنظيم المعرفة، والاهتمام بالمفاهيم الكبرى الرئيسة في العلم، وبأساسيات المعرفة وأدواتها، إلى جانب العناية بالمواقف والاتجاهات، وكل ما من شأنه أن يجعل المتعلم قابلاً لأن يتعلم بشكل متواصل، والحصول على المزيد من المعرفة طوال حياته، كما أنّ هذا المفهوم يعزز الربط والتكامل بين التعليم النظامي والتعليم غير النظامي وفق فلسفة ومنهجية متكاملة تستجيب لمتغيرات القرن الحادي والعشرين، وبالتالي تكوين المجتمع المتعلم من خلال التأكيد على مبدأ التعليم والتعلم للجميع كأساس لتحقيق المجتمع القائم على المعرفة، والذي يستطيع مواجهة التغييرات الحضارية المتوالية باستمرار واستثمار المعرفة في الارتقاء بنوعية الحياة.
- تطوير بيئة التعليم والتنوع في جوانب العمل التربوي:
يتجاوز مفهوم المنهج التربوي الذي تبنيناه المفهوم المدرسي الضيق للصف، حيث يعتمد هذا المفهوم على أنّ العالم بأسره فصل كبير والفصل عالم صغير، ويؤكد على ضرور تحويل البيئة التعليمية الحالية المغلقة إلى بيئة تعليمية مفتوحة تعتمد على التواصل الفعال مع مصادر التعلم المختلفة والمتنوعة المحلية منها والعالمية، إضافة إلى التواصل مع القطاعات المختلفة في المجتمع. كما يشير هذا المفهوم إلى أهمية التحسين والتطوير المستمر لجميع عناصر المؤسسة التعليمية، بحيث تكون بيئة المؤسسة التعليمية بيئة تعليمية منضبطة وجاذبة ومحفزة على التعليم والتعلم. ويؤكد مفهومنا هذا على التنوع في كل جوانب العمل التربوي، لجهة تنوع أشكال التعليم وأماكن التعلم غير المؤسسات التعليمية، وتنوع أدوات التحليل والتصميم والإبداع والحوار وتنوع المواد التعليمية والبرامج الوسائط وأساليب وأدوات التقويم، إضافة إلى التنوع في أدوار أولياء الأمور والتواصل على جميع المستويات. وعليه، فسوف يسهم هذا المفهوم في تغيير دور المعلم من حامل للمعلومات يزود بها المتعلمين إلى خبير بشؤون البحث والقيادة وطالب معرفة يولد مع المتعلمين المعرفة الجديدة، ويتعاون معهم لوضعها في قالب جديد، وسيؤدي هذا المفهوم إلى الحرص المتواصل من قبل أعضاء المجتمع المدرسي بوضع توقعات عالية الأداء للمتعلمين بصورة مستمرة يشعون للوصول إليها، وسيكونون شركاء فعّالين في تخطيط المناهج وتعديلها وتطويرها، وسيكون الدور الأساسي لمدير المؤسسة التعليمية بحسب مفهومنا هذا القيادة بمفهومها الشامل وتحسين ثقافة ومناخ المؤسسة المدرسية، والتحفيز المستمر وتطوير معايير الأداء والارتقاء بمتطلباته، ومراقبة تقويم جودة التدريس ومستويات التعلم، وتحسين الأداء على المستوى الفردي والمؤسسي.
- توفير العناية المستمرة لكل متعلم:
يؤكد المفهوم الجديد للمنهج التربوي في كتابنا على مبدأ هام في التعليم وهو إكساب المتعلمين الدافعية الكافية ومراقبة أدائهم، وتوفير العناية التربوية المتواصلة لكل متعلم قبل التعليم وأثناءه، بحيث يتم التواصل في هذا الجانب إلى ما بعد اكتساب الكفايات التعليمية والسلوك المرغوب حتى يبلغ المتعلم المستويات التعليمية المنشودة، أو يتعداها لتحسين جودة التعليم ورفع الكفاءة الإنتاجية للمؤسسات التعليمية بشكل مستمر ودائم.
- تكوين الاتجاهات والمواقف:
يؤكد المفهوم الجديد للمنهج على تكوين الاتجاهات والمواقف، وخصوصاً المتعلق منها بتحمل المسؤولية، والمبادرة، والعمل التشاركي المتقن، والحوار الهادف، والتشاور والتفاوض واحترام آراء الآخرين، والقدرة على العطاء الذاتي، والخلق والإبداع، والعمل ضمن فريق سواء كان هذا الفريق مائلاً من حول المتعلم أو مشاركته في الحوار ومناقشة الأفكار من بعد. كما يستجيب مفهومنا الجديد لظاهرة العولمة والتحولات المصاحبة لها، ليتمكن المتعلم من التكيف مع متطلباتها بكل شفافية ومسؤولية، وتكوين الاتجاهات والمواقف والقيم الملائمة تجاه تدفق المعلومات الحر والثقافة التي تفرضها وسائل الإعلام والاتصال.
ويتوافق هذا المفهوم مع مقومات الحقوق الإنسانية كحقوق الطفل وحقوق النسان وتقدير كرامته واحترامها، وحماية المتعلمين من جميع النواحي، وتعزيز تكافؤ الفرص التعليمية، كما يتوافق مع القضايا المتعلقة بعدم التمييز العنصري والتسامح بمفهومه الشامل، وعدم التزمت والتعصب والانغلاق.
وكل الاتجاهات والقيم السابقة مرغوبة، وتعتبر من المتطلبات الأساسية للتكيف والعيش بأمان في القربة الكونية في القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه الآن.
- التقويم التكويني الأدائي الحقيقي (التقويم المنير):
يؤكد مفهوم المنهج أن يكون التقويم تقويماً ارتقائياً إنمائياً تكوينياً حقيقياً، شاملاً لجميع جوانب شخصية المتعلم، وميسراً لإظهار القدرات والمهارات والمواقف، ومعززاً للثقة بالنفس، وأن تكون عملية التقويم عملية إنتاجية أدائية يتعرف من خلالها على قدرات المتعلم في التحليل والبحث عن المعرفة والملكات النقدية والفكر المستقل، ويؤكد على بناء المعرفة وإعادة بنائها، وأن تكون عملية التقويم شاملة في أساليبها وأدواتها مستمرة باستمرار عملية التعلم، تؤكد على إتقان الكفايات المؤتلفة المتكاملة من قبل الجميع وعلى حل المشكلات بأسلوب علمي، وعلى التعبير الشامل المتكامل، وتحرص على حدوث التعلم المتكامل للجميع، وسيؤدي ذلك إلى تطوير عملية التعليم والتعلم للوصول إلى التميز والإبداع.
- تعزيز التكامل بين المنهج الخفي والمنهج الرسمي:
وفق هذا المفهوم سيكون المنهج عبارة عن ورقة خضراء قابلة للتعديل والتطوير بشكل دائم، أو مشروع خريطة هندسية يحتاج دوماً إلى تنقيح وتعديل، حتى بعد أن يبدأ بتنفيذ التصميم، وسيكون المعلمون شركاء فعالين في تخطيط المناهج وتعديلها وتطويرها، وستؤثر الدراسات والبحوث التربوية والنفسية والتطورات السريعة في تقنية المعلومات والاتصالات والمتطلبات الثقافية المتغيرة للمجتمع على الأسس التي يعتمد عليها في بنائه، فتكون أسس بناء المناهج متحولة غير ثابتة مما سيؤدي إلى أن يكون المفهوم نفسه مرناً يقبل بالاتساع وإعادة البناء، وسيترتب على ذلك تقليل الفجوة بين المنهج الخفي والمهج النظامي الرسمي الظاهر، ويعزز التكامل والتنسيق بينهما.
- مراقبة الأداء المدرسي ومعايير ضبط الجودة:
يؤكد مفهوم المنهج الجديد على مجموعة من القضايا التربوية والفنية والإدارية الهامة، كالمعيارية (Standardization)، وضبط الجودة الشاملة، ومراقبة الأداء المدرسي، للارتقاء بالعملية التربوية وتحقيق تعلم متميز، وتطوير حقيقي في النظام التعليمي. فالمعيارية تؤكد على وضع المؤشرات والمحكات والمستويات والضوابط والأسس والشروط لكل عنصر من عناصر منظومة المنهج، كالمعايير التي توضع لمكونات المنهج (الأهداف التربوية، المحتوى، استراتيجيات التعليم والتعلم، تقنيات التقويم التربوي)، والمعاير التي توضع لاختياره قادة المؤسسات المدرسية حيث يجب أن يتم اختيارهم وفق معايير جودة وكفاءة تربوية وإدارية معيّنة، والمعيارية التي توضع لاختيار معلم عصر المعلومات والتكنولوجيا والاتصالات، ذلك المعلم القائد، المبادر، المبدع، المحفز، الخبير بطرائق البحث، الفعال الملهم، وكذلك الأسس والضوابط والشروط والمواصفات التي توضع للمواد التعليمية بأنواعها المقروءة، والمسموعة، والمكتوبة، تمثل المعيارية لهذه المواد، أضف إلى ذلك معايير الأداء على مستوى الفرد والمؤسسة المدرسية وغيرها من عناصر.
أما ضبط الجودة في منظومة المنهج التي يؤكد عليها مفهومنا هذا فتعني ضبط الجودة في جميع عناصر مدخلات العملية التعليمية، وكذلك في العمليات المختلفة (العمليات الإدارية وعمليات التعليم والتعلم وعمليات التواصل وغيرها) التي تتم داخل المؤسسة المدرسية أو خارجها، من أجل ضبط جودة مخرجات التعليم وفق المعايير والمحكات التي وضعت أو تتخطاها، وتحقيق التميز والفاعلية، وبالتالي رفع الكفاءة الإنتاجية وتحقيق الجودة الشاملة.
إنّ مراقبة الأداء المدرسي عملية تساعد على الكشف عن جوانب القوة والضعف والقصور في مستوى إتقان الكفايات التعليمية عد المتعلمين، وتحديد جوانب الخلل والمعوقات والمشكلات في منظومة المنهج التربوي.
المصدر: كتاب (الإصلاحات التربوية لمواجهة متطلبات العصر وتحديات المستقبل)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
nahed
أشكركم شكرًا جزيلاً، وجزاكم الله كل خير.
إبراهيم الحكمي
يعطيك العافية دكتور إبراهيم
محمود الريفي من شمالي المغرب
لعمري انه مقال مهم و شامل، وجدت فيه أجوبة عن أسئلة كثيرة راودتني منذ مدة... كل التقدير على مجهودكم الرائع... تقبلوا مروري المتواضع...