ثمّة أسباب كثيرة يمكن أن تقود المرء إلى عيش حياته في حالة من الخوف، وأحياناً يكون السبب لا لبس فيه، واضحاً وضوح الشمس، كما في حالة الأطفال الذين يعانون صدمات كبيرة أو عنف أو إهمال أو هجر. وفي مناسبات أخرى، يظهر الخوف سالكاً طريقاً مختلفاً قد يكون مرضاً نفسياً أو بدنياً أو مصاعب مالية كبيرة لدى الأهل أو فقدان شخص عزيز أو طلاق، كما أنّ الطباع الموروثة قد تزيد من حدة الظروف المحيطة بالحدث. وحتى نتمكن من تغيير نمط حياة يسيطر عليه الخوف، يجب أن نفهم الطريقة والسبب الذين أديا إلى تجذر هذا الشعور فينا.
من بين العوامل العديدة التي يمكن أن تسهم في نشوء نمط حياة يسيطر عليه الخوف، تجد أنّ الأكثر تأثيراً هي الأحداث الصادمة والمأساوية التي نعيشها. فالصدمة البدنية أو الإنفعالية قد تضر إلى حد كبير بقدرة الشخص على الإحساس بالأمان في العالم المحيط به. وتكون إحدى النتائج المترتبة على هذا النوع من الأحداث هي إحساس دائم الخشية من أن تتكرر الخسارة. قد تكون من النوع الذي يرد تلقائياً أو يتجشم أي مخاطرة حتى لا يغري القدر. هذه البراءة المفقودة قد تحمل معها ارتدادات خطيرة جدّاً حين تحصل الصدمة في وقت مبكر من الحياة.
وليس من الضروري أن تتكرر الصدمات، فواحدة تكفي لإحداث نتائج مدمرة.
وقد تختلف خطورة معينة بين شخص وآخر. فبعض الأحداث تحمل أثراً مدمراً على أحد أفراد الأسرة في حين أنّها لا تؤثر سوى تأثير ضئيل على فرد آخر. كما أحداثاً يعتبرها الكبار قليلة الأهمية قد تؤدي إلى فقدان توازن كبير لدى الطفل، وأيضاً منها بعض الأحداث العالمية الضخمة التي قد يشعر بأنّها لحظة حاسمة فتزرع عنده حالة من القلق الدائم.
وإذا كنت قد عشت عدداً من الصدمات في حياتك، فهذا لا يعني أن نمط حياتك سيكون تحت سيطرة الخوف، فبعض الأشخاص الذين عانوا من صدمات متعددة ينجحون في تخطيها ويظلون منفتحين أمام الحياة وتحدياتها ومغامراتها، على الرغم من المآسي التي مروا بها.
وقد يترسخ الخوف عند أشخاص آخرين نتيجة صدمة سرية، حدثت من دون ضجيج، وقد لا يخبر الطفل بها أحد. هي صدمة تتركه وحيداً في محاولة للتعامل مع الوضع الذي يعيشه. إنّ أكثر الأوضاع التي تتسبب في الخوف عند الأطفال هي الأوضاع التي لا يستطيعون فيها أن يفهموا ما يحصل معهم ولا يكون لديهم أي شخص يلجؤون بشكل طبيعي إلى دعم الآخرين لمساعدتهم على فهم تجاربهم. ولكن قد يحصلون أحياناً على معلومات مغلوطة أو مخادعة أو متهربة تعطي النتيجة العكسية المرجوة منها.
وبشكل عام، لا يعرف الأطفال كيف يصفون الأشياء التي لا تجري على ما يرام من حولهم، وكثيراً ما يشعرون، وهم على حق في هذا، أنّهم تحت رحمة الأشخاص المحيطين بهم والذين يمسكون بزمام السلطة. وسيفعلون بالتالي كل ما بوسعهم حتى يتمكنوا من الإستمرار في كنف أسرهم الأصلية، إما بأن يسيطر عليهم الصمت أو الحزن وإما بأن يصبحوا عدوانيين أو أيضاً أشخاصاً سريعي الوجل. وحين يصبحون كباراً، سيظلون يعيشون حياتهم كما عاشوها صغاراً، حتى لو أنّ الظروف التي عرفوها قد تغيرت. فأسلوب الحياة الذي اتبعوه والذي يسيطر عليه الخوف قد أصبح أسلوبهم المعهود وهو يسيطر على ما عداه حتى لو أنّه صار غير ضروري لتأمين إستمرارهم كما في السابق.
ثمّة عامل آخر يمكن أن يسهم في إحلال نمط حياة يسيطر عليه الخوف وهو شخصية المرء في حد ذاته وموروثه، فالشخصية تشكل واحداً من العوامل الحاسمة الأقوى، وحتى المواليد الجدد ليسوا "صفحات بيضاء" كما يُظَن. فبعضهم هادئون وبعضهم الآخر عصبيون وبعضهم الأخير شديدوا الوعي، ولم تسمح أي دراسة حتى الآن بالجزم بأفضلية طريقة تربوية على أخرى. في المقابل، يعتبر أن كل أنواع التطرف، سواء أكان في الأسلوب أو إستراتيجيات التربية المعتمدة، مسبباً أكيداً للمصاعب في الحياة. فبعض الأهل يتصرفون على نحو حمائي شديد فيمنعون أطفالهم من العيش. وبعضهم الآخر يضع مسافة كبيرة بينه وبين الطفل إلى درجة أنّه لا يهتم بسلامته البدنية والنفسية وقد يعرضها للخطر. إن نوعي التربية المذكورين قد يؤديان إلى العواقب ذاتها.
الحماية الزائدة:
يعرف الأطفال بالسليقة أنّهم لن يحصلوا على ما يريدون من الحياة من دون تكبد بعض المخاطر. والحقيقة أنّ المكسب قد يكون كبيراً أحياناً. وقد تبدو الجهود التي يبذلها الأهل في محاولتهم خلق بيئة بعيدة عن أي خطر بالنسبة إلى صغارهم جهوداً حميدة، ولكنهم في النهاية يلحقون الضرر بهم.
حين يفرط الأهل من حين إلى آخر في حماية أطفالهم، لن يتسببوا في خلق نمط حياة يسيطر عليه الخوف. ولكن، إذا ما تكررت هذه التجارب، فإنّها قد تؤدي أحياناً إلى نقل رسالة مفادها أن غالبية الأوضاع تمثل خطراً على الطفل وهو لا يمتلك ما يكفي للمواجهة بوسائله الخاصة وعليه أن يستعين بتدخل أهله وحمايتهم ليشعر بأنّه في أمان في هذا العالم. وهكذا، تؤدي الحماية الزائدة إلى عدد من النتائج السلبية إليكم أهمها:
· إحساس زائف بالأمان: يعتقد الأطفال المحميون بشكل مفرط أن أهلهم سيظلون معهم، ويكونون فكرة مبالغاً بها عن قدرات أهلهم. لذا، يشعر الطفل بالصدمة والضياع حين يواجه وضعاً صعباً وحده، وهذا أمر لابد أن يحدث معه.
· حرمان من تجارب يجب أن يعيشها الطفل حتى يتعلم كيف يستفيد من أخطائه ومن قلة إدراكه. إنّ الأهل الذين يتدخلون لحماية الطفل من كل المصاعب والأخطاء في الحياة يحولون دون تعلمه كيف يتحمل مسؤولية أعماله. وسيعتبر الطفل أن والديه سيكونون معه مهما فعل.
· حرمان الطفل من إمكانية تقويم المخاطر ومواجهة التحديات وتعلم التعامل مع وضعيات مختلفة من شأنها أن تنمي ثقته بنفسه.
- الإهمال. إنّ عكس الحماية المفرطة هو الإهمال وهو وسط لا يحظى فيه الطفل بحماية البتة وهذا ما قد يسبب له الخوف أيضاً. إليكم بعض نتائج الإهمال:
· ظهور إحساس معمم بالحذر إزاء العالم، لأنّ الطفل المهمل نادراً ما يشعر بالأمان في بيئته.
· نشوء وضعيات خطيرة لأنّ الأطفال لا يعرفون كيف يتعاملون مع كل المشكلات التي يتعرضون لها وكل المخاطر التي تواجههم.
· قلق الطفل من أنّه لا يقوم بما يجب أن يقوم به، ما يتسبب في نشوء ما يسمى بـ"متلازمة الدجال" أي إنّ الطفل، حتى لو أنّه يتدبر أمره بشكل جيِّد، يشعر بأن شخصاً سيكتشف كم هو غير ناجح أو كم هو جاهل.
· إنعدام النموذج المناسب الذي يجب أن يحتذيه الطفل، فهو لا يكون فقط محط توقعات حين يطلب منه أن يقوم بأعمال لا تناسب سنه، ولكنه يترك من دون أي شخص يرشده في ممارسة مسؤولياته وحل مشكلاته.
إنّ السلوك الأفضل هو الذي ينتهج الطريق الوسط بين الحماية المفرطة والإهمال. وأفضل مثال على هذا حينما يقع الطفل على الأرض، فتصرخ الأُم المفرطة الحماية زارعة الرعب في قلب الطفل في حين لا تلتفت الأُم المهملة إليه مولدة إحساساً بالوحدة والخوف عنده، أمّا الحل الوسط فهو التالي: تكون الأُم هادئة ولكنها مهتمة بمعرفة ما حصل. تقرب من طفلها، تتأكد من أنّه لم يصب بجرح أو بكسر، تقبل مكان الصدمة أو الألم وتؤكد له أن كل شيء على ما يرام. وهكذا، يهدأ روع الطفل ويواصل إستكشاف العالم من حوله. حين تتصرف الأُم بهذه الطريقة الهادئة، تخلق في الأسرة مكاناً يشعر فيه الطفل بمن يشجعه على النمو والتقدم للتعرف على ما هو جديد، وبالأخص للتعرف على ما إذا كان خوفه مبرراً أم لا. وهكذا فإنّ أفضل أسلوب في التربية هو الذي يقضي بتحفيز نمو الثقة بالنفس لدى الطفل واحترام مشاعره مع إرشاده إلى الطريقة التي ينبغي التصرف فيها خلال الأوضاع الخطيرة في الحياة.
الكاتبة: ليندا سابادين
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق