• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إحموا أطفالكم من «الإدمان الرقمي»

إحموا أطفالكم من «الإدمان الرقمي»

سبق لدراسات أمريكية جادّة أن حذّرت من "الإدمان الرّقمي"، بعد أن ثبت أنّ المراهقين باتوا يُخصّصون من 5 إلى 7 ساعات يومياً للعبَث بالأجهزة الإلكترونية، وينامون أقل من 7 ساعات.

إنّ توقيت الساعة الداخلية لطفلك إذا كان ينام أقل من 7 ساعات يومياً، يعني ضعف التركيز، وانخفاض المستوى الدراسي، وانتشار البدانة بين الأطفال والمراهقين، وبقيّة أمراض الكمبيوتر التي تمتد إلى العين والظهر، والصداع الإلكتروني وغيرها. المثير للقلق هنا، هو أن مُعدّل ساعات الدراسة الأسبوعية في الولايات المتحدة مثلاً، لا يزيد على 4 ساعات يومياً، وهذا يعني، أنّ الطفل يتلقّى الدروس من الأجهزة والإنترنت وألعاب الكمبيوتر، أكثر ممّا يتلقاه من دروس مَنْهجيّة، وأكثر مما يتلقّاه من توجيهات والديه.

وهذا ينطبق بشكل أقلّ على مجتمعاتنا العربية. لكن الخطر يُداهم بيتك، فإن كان طفلك يملك هاتفاً ذكياً، "آي باد" حاسوباً، "بلاي ستيشن"، فاعلمي أنّه في خطر، ولابدّ من الانتباه إلى هذه الظاهرة، التي انتشرت بين أطفالنا. احمي طفلك مما بين يديه من أجهزة، لينعم بطفولة جيدة بعيدة عن البلادة، والتدنّي الدراسي، والتوحُّد والعلاقات الاجتماعية المفكّكة.. إلخ.

أمّا الطفل الرضيع المعروف بفضوله، حين يراك أنتِ أو والده تضغطان على أزرار الكمبيوتر والهاتف الذكي وغيرهما من الأجهزة، سرعان ما يدفعه الفضول إلى العبَث بالأزرار، ويتعلم الكبس على أزرار مُعيّنة، يعرف أنّها ستُطلق صوتاً معيّناً، أو تظهر صورة ما، أو تصدر اهتزازاً. وهكذا امتدت ظاهرة (الطفولة الرَّقْمية) إلى الأطفال الرضّع، لأنّ دراسة جديدة تقول، إنّ الرضيع في عمر الـ6 أشهر، يستخدم الأجهزة الإلكترونية نصف ساعة كمعدّل يومي. ومن هنا، فإنّه يفقد حياة الطفولة الزاخرة باللعب والمعرفة، والتعرف إلى الأصدقاء. وتؤكد الدراسات، أنّه من سن 6 أشهر يتعلم الكبس على أزرار الأجهزة الإلكترونية بشكل محدود، قبل أن يتعلم الحبو ونطق كلمته الأولى. أما الرضّع من عمر السنتين فيستخدمون الأجهزة المعلوماتية بشكل أكثر واعياً.

وتقول الدراسة الأميركية التي أعدّتها هيلدا كابالي وزملاؤها من "مركز آينشتاين" في فيلادلفيا، إنّ 52 في المئة من الأطفال الرضع، الذين تقل أعمارهم عن سنة واحدة، يتابعون برنامجاً تلفزيونياً معيّناً واحداً على الأقل بشكل منتظم، وتشير الدراسة إلى أنّ الأجهزة الإلكترونية، التي تسللت إلى غُرف أطفال المدارس، صارت تتسلل إلى مِهُود الأطفال الرضع كذلك.

وتُحذّر الدراسة قبل كلّ شيء من فقدان الحياة الطفولية في سن مبكرة، والاعتماد على الأجهزة في التعلُّم، بدلاً من التطوُّر الطبيعي نحو المدرسة. وتخشى الدراسة أن تنتقل أمراض الكمبيوتر و"الإدمان الرّقمي" إلى مرحلة الطفولة، قبل أن ينجح المجتمع في معالجتها في مرحلة المدرسة. فإذا كان إدمان الأجهزة والشبكة العنكبوتية يسلب الشباب النوم، فإنّه يسلب الرضّع النوم العميق الذي يحتاجون إليه، لينعَموا بصحّة وذاكرة وعلاقات اجتماعية جيدة.

ونبّهت دراسة ألمانية، أجراها مركز حماية الشباب الألماني، من تأثير برنامج "توب موديل"، الذي يُقدّم الأطفال كعارضي أزياء مثلاً، أو اختيارهم كـ"موديل" لبعض الشركات التجارية، حيث يصبحون المثَل الأعلى لبقيّة أقرانهم فيبدأون في تقليدهم. إنّ مثل هذا البرنامج، يصيب الكثير من البنات الصغيرات بمرض القهر العصبي، الذي يعني تجويع النفس، وصولاً إلى رشاقة عارضات الأزياء أو إلى الموت أحياناً. وهذا في حد ذاته كارثة كبيرة تُلْحِق بطفلك أو طفلتك الأذى، بل تُلحق الأذى بالأُسرة كلّها.

 

نتائج صادمة:

شملت دراسة أمريكية أُمّهات وآباء 900 طفل، تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و4 سنوات، وتم عرضها في "مؤتمر أكاديمية طب الأطفال"، في الولايات المتحدة. وجرى الاستفسار من هؤلاء الأهالي عن عدد الأجهزة الإلكترونية المعلوماتية في المنزل، وأيّة أجهزة يستخدمها الأطفال، عند بداية اهتمامهم بالأجهزة، ولأيّ غرض يستخدم الأطفال هذه الأجهزة؟.. إلخ.

وكانت النتائج صادمة للباحثين، لأنّ الأهالي أقرّوا بأنّ أطفالهم تعلموا العمل على الأجهزة المعلوماتية، قبل أن ينطقوا أو يتعلموا الحبو.

كما وخلُصت الدراسة، إلى أنّ 36 في المئة من منهم تحت عمر سنة واحدة، يعرف العمل على شاشة اللّمْس، ويستخدم 15 في المئة منهم مختلف التطبيقات الإلكترونية، مع نسبة 12 في المئة يلعبون ألعاب الفيديو المختلفة على هذه الأجهزة.

 

الهاتف الذكي جليس أطفال:

قال مركز البحوث الأمريكي للأطفال (لم نتوقع أن يبدأ الأطفال بسنّ 6 أشهر، العمل على هذه الأجهزة، وأنّ بعضهم يستخدم هذه الأجهزة طوال 30 دقيقة في اليوم. وأنّ طفلاً واحداً من كلّ 7 شملتهم الدراسة، يستخدم الأجهزة المعلوماتية لمدة ساعة في اليوم).

يعرف الأطفال تحت سن سنة واحدة كيفية تدوير قرص الماوس وتَصفُّح الأجهزة، بل وتَحوّل الهاتف الذكي عند بعض العوائل الأمريكية إلى (جليسة أطفال)، حيث إنّه يُخبر الأبوين الغائبين خارج المنزل، عن حالة الرضيع أثناء نومه، وصار يعبَث بالجهاز أثناء استيقاظه، بدلاً من البكاء أو العودة إلى النوم.

وكما هي الحال مع التلفزيون أصبح الهاتف الذكي ولوح المعلومات، جهاز تسلية يُهدّئ الطفل، بينما تؤدي الأُم عملها المنزلي أو تتفرغ لتقليب صفحات الإنترنت (65 في المئة من الأهالي) واعترفت نسبة 75 في المئة من أهالي الأطفال، بأنّهم يتركون الهاتف الذكي للطفل، كي يلهو به، و33 في المئة يستخدمون الجهاز لتنويم الطفل.

 

الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية ونوم طفلك:

تَبيّن أنّه من أصل ألفي تلميذ في المرحلة التكميلية شملتهم الدراسة، ينام الأطفال الذين يملكون أجهزة لوحية وهواتف في غرفهم ليلاً، مُقارنةً بزملائهم الذين لا تتوافر هذه الأجهزة في غرفهم بأقل من 21 دقيقة.

أما الأطفال الذين لديهم جهاز تلفزيون في غرفهم، فيتراجع نومهم 18 دقيقة مُقارنةً بالذين لا يتوافر تلفزيون في غرفهم.

وقال المشرفون على الدراسة في "جامعة كاليفورنيا"، إنّ هذه النتيجة، يجب أن تشكل تحذيراً للأهالي الذين يوفّرن الشاشات بطريقة غير محدودة في غرف نوم الأطفال.

وتعترف الدراسة بأنّ عواقب (الطفولة الرقمية) لا تزال موضع خلاف. لكنّ، هناك شكوكاً كبيرة حول تأثيرها في نوم الطفل ونمو دماغه. قد لا تختلف هذه التأثيرات عن نتائج الدراسات التي أجريت على الأطفال ومشاهدة التلفزيون، ومتابعة مسلسلات الإثارة والرعب، واللعب على الألعاب الإلكترونية التي تُروّج للعنف والأسلحة، كما أنّ مُشاهدة التلفزيون تعزل طفلك عن واقع الحياة وعن تأثير تربيتك المباشر له.

 

أبعدي طفلك عن هذه الألعاب الإلكترونية:

هَدّد مُديرو مدارس ألمانية برفع شكاوى على الأهالي الذين يسمحون لأطفالهم ممارسة لعبتي (Grand Theft Auto) و(Call of Duty) المخصَّصتَيْن لمن هم فوق الـ18 عاماً. حيث أرسلت مجموعة مدارس رسالة أعربت فيها عن مخاوفها من نسبة العنف والمضمون الجنسي الذي يتعرض له الأطفال أثناء انخراطهم في اللعبتين. وحذرت الأهالي بأنّ الأساتذة سيتصلون بالشرطة وبالخدمات الاجتماعية على الفور، حال تبيّن أنّ أحد التلامذة يمارس اللعبة، الأمر الذي أثار جدلاً حول حدود تدخل الجهاز التعليمي في واجبات الوالدين تجاه أطفالهما. واعتبرت الرسالة، أنّ سماح الأهالي لأطفالهم بلعب هاتين اللعبتين نوع من الإهمال، واصفةً أحداث اللعبة بغسيل الدماغ، نتيجة المحتوى الجنسي والعنف الدموي. ووصفت ألعاب (Call of Duty)، (Grand Theft Auto)، (Dogs of War)، بأنّها غير لائقة، كما نصحت الهيئة بعدم تسهيل دخول الأطفال على مواقع مثل الـ"Facebook" أو تطبيقات المراسلة مثل الـ"واتس آب"، مُعتبرةً أنّها غير مخصّصة لهم.

لا ندعو هنا إلى قطع الطفل عن عالم يفرض نفسه بقوّة في اتّجاه المستقبل. لكن، ندعو إلى تقليل ساعات اللعب بالألعاب الرقمية. وأنّ كلّ يوم لا يلعب فيه الطفل على ألعاب الكمبيوتر، هو يوم وظائفي مكتسب للدماغ، وتمرين لخلايا طفلك الدماغية ونموه الطبيعي، ليخرج سوياً ويتطور نشاطه وذاكرته وجهاز الحركي، وفي النهاية سيسعد بنفسه ويخدم مجتمعه ويكون قدوة لغيره.

ارسال التعليق

Top