بعض الأفراد يعانون من ضعف الشهية لتناول الطعام، والبعض الآخر يعانون من كثرة تناول الطعام، وتقع كلتا المشكلتين، كما يقول الأطباء، تحت مسمى "إضطرابات الطعام" حيث يحتاج المرء في الحالتين إلى المساعدة، فقلة الطعام تعني نقصاً ربّما يكون حاداً في عناصر غذائية ضرورية للجسم، بينما يترتب على كثرة الطعام مخاطر صحية كبيرة، وتبعات سلبية لا تحمد عقباها. تؤثر مشكلة إضطرابات الطعام على الذكور والإناث في كلّ مراحل حياتهم، لكنّها أكثر شيوعاً بين الفتيات، خاصة في مرحلة المراهقة، ومع أنّ هذه المشكلة تخلق لصاحبها مشكلات جسدية، إلّا أنّ أسبابها عادة ما تكون نفسية.
- صفات وخصائص المشكلة:
لعل أكثر ما يميز مشكلة إضطراب الطعام، كما يقول الأطباء، هو الإفراط في عدم الرضا عن حجم وشكل الجسم حيث يهيمن هذا الهاجس المزعج على أدمغة المرضى بشكل كبير، فقد يرى البعض أنّ لديهم زيادة في الوزن، بينما تكون أوزانهم في واقع الأمر أقل ربّما من الحد الطبيعي، وهذا الأمر قد يؤدي إلى معاناة هؤلاء من إضطرابات عاطفية نظراً لعدم رضاهم عن أشكالهم، كما قد يقوم هؤلاء الأفراد بتصرفات غير صحية كإرغام أنفسهم على التقيؤ، أو إستخدام ملينات الأمعاء بصورة سيِّئة، أو الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية، وهنا يحذر الأطباء من إهمال معالجة مشكلة إضطرابات الطعام، لما لها من تأثيرات خطيرة على الناحيتين الجسدية والنفسية حيث تتدخل في حياة الفرد اليومية بكل ما فيها من مسؤوليات وواجبات، كما تؤثر بصورة سيِّئة على إحساس الشخص بأي شيء ممتع في حياته.
من جانب آخر، فإن مشكلة إضطرابات الطعام تكون مصحوبة أيضاً بصفتين بارزتين وهما: الخجل والسرية، وهكذا قد تبقى هذه المشكلة كامنة لسنوات قبل أن يتم إكتشافها، ولذلك فإنّه من الضروري أن يتم التعرف مبكراً على هذه الحالة لتبدأ عندئذٍ مرحلة المعالجة التي غالباً ما تكون طويلة الأمد.
- أنواع إضطرابات الطعام:
يقول الإختصاصيون إنّ هناك ثلاثة أنواع رئيسية لإضطرابات الطعام وهي: قلة الشهية للطعام، والشره المرضي، والأكل التوتري.
* قلة الشهية للطعام: إنّ الشخص المصاب بهذه المشكلة ينظر إلى الطعام وكأنّه عدو له، ويتميّز هذا الإضطراب برفض المحافظة على الحد الطبيعي الأدنى للوزن حيث يعاني الفرد حقيقة من الخوف من إكتساب أي وزن إضافي، وعدم الرضا الدائم عن وزن وشكل الجسد، وغياب الدورة الشهرية لدى النساء لثلاثة أشهر أو أكثر أحياناً.
* الشره المرضي "البوليميا": وهي مشكلة تتميّز بفترات متكررة من التناول المفرط للطعام يرافقها إحساس بفقدان السيطرة على كميات الطعام المتناولة، وعدم القدرة على التوقف عن الأكل.
* الأكل التوتري: تتميّز هذه المشكلة بالتناول المفرط "الإجباري" للطعام، وغالباً ما يتناول الشخص الذي يعاني من هذه المشكلة طعامه سراً، ولا يلجأ عادة إلى إجراءات "لتسهيل بطنه"، أو إلى الصيام، الممارسة المفرطة للتمرينات الرياضية، والحقيقة أنّ هناك نسبة كبيرة من الأفراد يعانون من البدانة بسبب إضطراب ما يسمى "الأكل التوتري".
بما أنّ معظم الأفراد ينكرون إصابتهم بإضطرابات الطعام، فإنّه يكون من الصعب جدّاً تحديد نسبة الذين يعانون من هذه المشكلة، كما يقول الأطباء، لكن عموماً إضطراب قلة الشهية للطعام هو الأكثر إنتشاراً في المجتمعات المتطورة حيث غالباً ما يرتبط المظهر "الجذاب" هناك بالنحافة، وهذه المشكلة تبدأ عموماً في مرحلة المراهقة "13-18 سنة"، ومعظم الذين يعانون منها من الإناث، وفي حالات نادرة قد يبدأ هذا الإضطراب بعد سن الأربعين، وغالباً ما يحفزه في حالات عديدة أمّا حالات الوفاة القليلة التي قد تنجم عن إضطراب قلة الشهية للطعام فتحدث عادة بسبب "الجوع" المفرط، أو عدم توازن ما يسمى بالـ"إليكتروليت" في الجسم. على أي حال، بالنسبة للعوامل النفسية التي قد تعرض الشخص للمعاناة من أحد إضطرابات الطعام هناك: ضعف الثقة في النفس، وضعف القدرة على التكيف مع متغيرات الحياة، والتطلع إلى الكمال "القيام بأي شيء على نحو كامل أو تام"، كما تلعب الوراثة دوراً في الإصابة بإضطرابات الطعام.
- التعقيدات الصحية:
تسبب مشكلة إضطرابات الطعام العديد من المشكلات الطبية التي تتراوح من الإحساس بالتعب إلى المرض، ونادراً إلى الموت. يقول الأطباء إنّ التعقيدات الصحية المتوسطة تشمل حدوث نقص في مستويات الطاقة، والإصابات المتكررة بالرشح، وعدم إنتظام دورات الطمث، والإمساك، والإسهال، وصعوبة التركيز، أمّا التعقيدات الجدية فتشمل: عدم إستقرار مستويات "الإلكتروليت" في الجسم، وعدم إنتظام دقات القلب، أو حتى الموت، فسوء التغذية يؤثر على القلب، والغدة الدرقية، وجهاز الهضم، كما يؤدي إلى تناقص كثافة العظام، ومن الناحية النفسية فإنّ التبعات السيِّئة لإضطرابات الطعام تشمل: الإكتئاب في معظم الأوقات، وضعف أو إنعدام العلاقات الإجتماعية، والأرق، والحساسية المفرطة تجاه أي موقف من المواقف.
- العلاج:
إنّ العامل الأهم المتعلق بمعالجة الأفراد الذين يعانون من إضطرابات الطعام هو التعرف أوّلاً إلى نوع الإضطراب.
لا يتم عادة تشخيص مشكلة إضطراب الطعام من قبل المرء نفسه، فالأفراد الذين يعانون من هذه الحالة ينكرون عادة إصابتهم بها، لكن الذين يعانون مثلاً من قلة الشهية للطعام قد لا يدركون أصلاً أن لديهم هذه المشكلة، بينما يدرك الذين لديهم شره مرضي أو لديهم هذه المشكلة إلا أنهم يحاولون دائماً إخفاء سلوكهم في تناول الطعام بإفراط. عموماً يتعرف أفراد العائلة، أو الأصدقاء، أو طبيب العائلة على وجود مشكلة تتعلق بالطعام لدى شخص ما، أمّا الفريق المعالج فيتألف عادة من طبيب عام، وإختصاصي تغذية، وطبيب نفسي. من الناحية الطبية، قد تكون هناك حاجة لإستخدام مضادات الإكتئاب، وقد تستدعي بعض التعقيدات الصحية العلاج في المستشفى إذا كانت حالة المريض مزمنة، وبالنسبة للتغذية يتم تدريب المصابين بأحد إضطرابات الطعام على تناول الطعام بطريقة صحية. ومن الناحية النفسية يتم التركيز على تعزيز آليات التكيف مع متغيرات الحياة لدى الأفراد، وهو ما يساعد هؤلاء عادة على التخلص من مشكلة الأكل بإفراط، والذي ينجم في كثير من الحالات عن التوتر والضغودات النفسية الكبيرة.
بشكل عام، وحين يتعلق الأمر بالعلاج، تستغرق معظم حالات إضطراب الطعام فترات طويلة تستدعي خلالها ضرورة التعاون بين الشخص المصاب بالمشكلة، وأسرته، والفريق المعالج.
* سهاد منصور
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق