ينص التعريف الطبي لإنزلاق الـ"ديسك" على أنّه حالة خروج "ديسك" (أو قرص، أو غضروف فقري) عن موضعه بين فقرتين من العمود الفقري. فالعمود الفقري، أو "القناة الشوكية"، يضم 24 فقرة، تتنضد الواحدة فوق الأخرى وفق منحنى بالغ الدقة، مقعر في بعض المواضع ومحدب في أخرى، بالقياس إلى خط التماس العمودي. فكيف يجري عزل كل فقرة عن الأخرى، لتأمين مرونة عامة لمجمل العمود؟ هناك قرص صغير، يدعى "ديسك" (أو غضروف)، هو الذي يضطلع بتلك الوظيفة، أي عزل كل فقرتين متماستين الواحدة عن الآخرى، والحيلولة دون احتكاكهما، ما يولد آلاماً شديدة. لكن، جراء الجلوس المتواصل وأسباب أخرى، يحصل أحياناً أن تنزلق نواة القرص، فيبتعد مركزها عن المحور الأصلي، في إتجاه هذا الطرف أو ذاك، آنذاك، تتلامس الفقرتان، ويولد تلامسهما آلاماً شديدة.
- أسباب الانزلاق:وتلك هي بالأحرى آلة فتق، بالمعنى الطبي البحت. فالـ"فتق"، من المنظور العلمي، يشير إلى زوغ عضو ما، أي إنزلاقه، وخروجه جزئياً عن موضعه الطبيعي، فلا يعود يحتل تماماً التجويف المخصص له في الجسم، إنما يتجاوزه جزئياً. ويعدّ البطن ومنطقة العانة أكثر الأعضاء إصابة بأنواع كثيرة من الفتق، يعكس بعضها تشوهات موجودة منذ الولادة. ومن أشهرها، الفتق العاني (وهي حالة شائعة عند البنات الصغيرات)، وفق الحجاب الحاجز (لدى الجنسين). هكذا، ينطبق التعريف على إنزلاق الـ"ديسك"، بما أنّه يعكس حالة انزلاق نواة القرص، بمعنى حَيدها عن موضعها الأصلي. فلماذا يحصل ذلك الانزلاق؟ يحصر الأطباء بضعة عوامل، تسبب الفتق الغضروفي، منها:
1- تعريض الظهر لحركة معيّنة متكررة: مثلاً لأسباب مهنية أو رياضية. فذلك يؤدي إلى الضغط على المكان نفسه من السلسلة الفقرية، ما يفضي إلى انزلاق نواة الغضروف المضغوط عليه.
2- وجود ضغط عالٍ على الغضروف: مثلاً لسبب مهني متأتٍ على الأغلب من الجلوس لساعات طويلة متتالية. ويشكل هذا العامل أهم أسباب انزلاق الـ"ديسك".
3- تأدية أي حركة بصورة مفاجئة.4- رفع حمل ثقيل في وضع انحناء: وعليه، ينصح بثني الركبتين، بوضعية تشبه الجلوس، ورفع الحمل بالضغط على الرجلين، لا على الظهر.
5- زيادة الوزن: فبروز البطن إلى الأمام يؤدي إلى الضغط على الفقرات، عبر جذب العمود الفقري باستمرار. ذلك الجذب المتواصل يرفع احتمال انزلاق نواة أحد الغضاريف.
6- فترة الحمل: والأسباب "ميكانيكية" أيضاً، مشابهة لآلية الوزن الزائد، المشروحة أعلاه. لذا، من المجدي للحامل ممارسة رياضة خفيفة، كالسباحة الهادئة أو المشي غير السريع، إلخ.
7- العامل الوراثي: ثبت بشكل قاطع أن ثمّة أسراً تعاني إنزلاق الـ"ديسك" أكثر من غيرها، وتنتاب الحالة بعض أفرادها في سن مبكرة، ربما حتى أثناء المراهقة، ويعزي الأخصائيون تلك الصفة الوراثية إلى وجود عوامل جينية تجعل تركيبة الظهر أكثر هشاشة، فترفع إحتمالات تعرض أقراص الفقرات إلى الإنزلاق.
8- التقدم في السن: صحيح أنّ الرجال بين سني الـ35 والـ55 هم الأكثر تعرضاً، مثلما تثبته الإحصاءات، لكن ذلك لا يعني أن تجاوز سن الـ55 يبعد احتمال إنزلاق الـ"ديسك". فمع السن، تتردى حالة العمود الفقري عموماً، ويتقلص إرتفاعه. الفارق هو أنّ المسنين، لكونهم متقاعدين على الأغلب، لا يجلسون لفترات طويلة، ولا يرغمهم وضع مهني ما على أداء حركات متكررة، من شأنها الإضرار بأحد الغضاريف. كما لا يمارسون رياضة عنيفة، تستدعي الضغط على قرص معين. لذلك، تشير الإحصاءات إلى وجود نسبة من المسنين مصابين بانزلاق الـ"ديسك"، لكنها أقل نسبة المصابين بين فئة 35 و55 عاماً.
- تساؤلات شائعة عن إنزلاق الـ"ديسك":
· أي فقرات هي الأكثر عرضة؟ إنزلاق الـ"ديسك"، نظرياً، قد يطال أي جزء من السلسلة الفقرية. لكن، على صعيد الواقع، 95 في المئة من الإصابات تشمل الفقرات السفلى، أي القطنية، ما يسبب آلاماً قطنية مزعجة. وما يفاقم الحال، إحتمال أن تبلغ الإصابة أحد جذور العصب الوركي، المعروف أكثر بتسمية "عرق النسا". فإن حصل ذلك، تنجم عنه أوجاع تشمل الرجل المعنية بأكملها، بما فيها الفخذ والساق والردف.
· لماذا يصيب إنزلاق الـ"ديسك" الرجال أكثر من النساء؟ يكمن السبب في طبيعة أنشطة الرجال، المختلفة عن فعاليات النساء. فهم يعرضون أجسامهم لضغوط مختلفة أكثر منهنّ، لأسباب مهنية أو رياضية. هكذا، تؤكد الإحصاءات أن 2 في المئة من الرجال، كمعدل عالمي عام، يصابون بإنزلاق الـ"ديسك"، على الأقل مرة في مرحلة ما من العمر.
· كيف يحصل الإنزلاق؟تعين النقاط الآتية على توضيح آلية الإنزلاق، ومراحل تطوره:
1- يتكون العمود الفقري من 24 فقرة، ثمة غضروف يفصل بين كل إثنتين منها. ويعمل الغضروف (المسمى "ديسك" لكونه يشبه القرص، مثلما أسلفنا) عمل مخفف صدمات. إذ يضم في وسطه نواة هلامية (جيلاتينية)، محاطة بجسم ليفي صلد، يحيط بها على شكل حلقة.
2- تضطلع تلك الحلقة الليفية الصلدة بدور تثبيت النواة الهلامية المرنة في مكانها، أي في وسط الـ"ديسك" (الغضروف). فالنواة يجب أن تبقى في الوسط لكي تكون فاعلة كعازل بين الفقرتين المعنيتين. لكن، أحياناً، تتردى حالة الحلقة الليفية، فتصبح هشة، فتجف، وتتشقق. في تلك الحال، لا يعود هناك ما يمنع النواة الهلامية من الإنزلاق، فتحيد هذه عن مكانها الطبيعي الوسطي، وتنزلق نحو أحد الأطراف.
3- قد تطأ النواة المنزلقة أحد الأعصاب. حينذاك، يحس المصاب بأوجاع في مستوى العصب الملامس للنواة المنزلقة. وهذا ما يفسر وجود حالات انزلاق "ديسك" كثيرة لا يشعر بها المصابون إطلاقاً، لسبب بسيط: هو أنّ النواة المنزلقة لا تلامس أي عصب. فالوجع لا يحصل إلا إذا لامست النواة الزائغة عصباً ما.
4- ثمة حالات نادرة تلامس فيها النواة المنزلقة النخاع الشوكي نفسه. وهذا هو السيناريو الأخطر، لكنه أيضاً الأندر.
- أعراض إنزلاق الـ"ديسك":تختلف أعراض إنزلاق الـ"ديسك" من شخص إلى آخر. فثمة من لا ينتبهون أصلاً إلى وجوده. والسبب، مثلما مشروح آنفاً (أنظر الفقرة 3 أعلاه)، هو أنّ النواة المنزلقة لا تلامس أي عصب. على العكس، يحس آخرون بآلام شديدة، على الرغم من أن إصابتهم مشابهة لسابقيهم من حيث الشدة. لكن، ثمة قواسم مشتركة لأعراض الانزلاق، بحسب موضع الإصابة:
· عند إصابة الفقرات القطنية، أو أسفل الظهر عموماً، تعد أوجاع الفقرات السفلى إشارة إلى وجود انزلاق "ديسك"، خصوصاً إذا كانت مصحوبة بآلام في الفخذ والساق، نتيجة لملامسة أحد جذور عرق النسا.
· عند إصابة فقرات الرقبة،تحل الأوجاع في أعلى العمود الفقري والرقبة، وقد تمتد إلى الكتفين، وربما الذراعين. كما قد يحس المصاب أيضاً بشعور بالخدر، و"تنميل" الذراعين أو إحداهما.
في الحالتين كلتيهما، تزداد حدة الألم حين يتخذ المصاب وضعيات معينة، مثلاً الانحناء إلى أمام، والجلوس لفترة طويلة، أو الوقوف لمدة طويلة، وربما حين يعطس أو يكح. لكن، على العموم، يزول إنزلاق الـ"ديسك" خلال 6 أسابيع، شرط أن يعالج علاجاً جيِّداً، وأن تتخذ الاحتياطات اللازمة لكي لا يتطور. مع ذلك، لا يستبعد تطور الإصابة إلى وضع نحول عام، ونوع من الشلل الجزئي، إضافة إلى تعقيدات في المسالك البولية والجهاز الهضمي، تتسبب في سلس بولي وربما، في بعض الحالات، تغوط لا إرادي. في تلك الأحوال، قد يقرر الطبيب إجراء عملية جراحية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق