◄الارتباط بين وسائل الاتصال والثقافة ارتباط تاريخياً فإنّ كلَّ اكتشاف في الاتصالات يحدث هزة ثقافية خاصة، فاكتشاف الكتابة أوجد لغة الرموز واكتشاف الطباعة نقل الثقافة من الحالة الشفوية إلى المكتوب واكتشاف الإذاعة والتليفزيون أدخل الثقافة السمعية والبصرية وأخيراً أدى اكتشاف الحاسب والشبكات المعلوماتية كالإنترنت إلى بروز الثقافة التفاعلية.
فوسائل الإعلام اكتسبت أهمية بالغة في الوقت الحالي حيث تقوم بتزويد الإنسان بالمعلومات والأفكار في شتى الميادين وتؤثر في مواقفه وسلوكه وقيمه ومعتقداته، مما جعل مارشال ماكلوهان أن يشبه العالم اليوم بقرية صغيرة، بفضل انتشار وسائل الاتصال وتطورها، حيث هيأت للجماهير شتى أنواع المعرفة والمعلومات لمختلف المستويات الثقافية.
وتتداخل العلاقة بين الاتصال والثقافة وتتشابك إلى الحد الذي جعل المؤلفين ينظروا إلى الاتصال والثقافة باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، فقد أوضح إدوارد هول في كتابه عن اللغة الصامتة أنّ الثقافة اتصال على اعتبار أنّ العادات والتقاليد والتراث والخبرات والقيم والمعارف المختلفة كلّها تنتقل بين الأشخاص والجماعات والأجيال وهذه الانتقال والتوصيل هو ما يعطيها صفة الاستمرارية والبقاء في الوجود.
كذلك تعتبر طرق الاتصال ذاتها جزء من الثقافة السائدة فاللغة والحركات والإشارات والإيماءات... إلخ هي عناصر ثقافية، وأدوات في الوقت ذاته لنقل الثقافة وتوصيلها وقد أوضح ماكلوهان صاحب العبارة الشهيرة الوسيلة هي الرسالة فأدوات الاتصال جميعاً تعتبر امتداد لحواس الإنسان لها دورها في تغيير الإنسان والتأثير على أسلوب حياته أي ثقافته.
فالثقافة جزء من حياتنا اليومية بل في الواقع هي التي تعطي معنى لها ويرسخ هذا المبدأ وسائل الاتصال.
وأكّدت معظم الدراسات على أنّ هناك علاقة بين وسائل الاتصال والثقافة وهذه العلاقة علاقة تكاملية لا يمكن فصلها.
فالإعلام يمثل رافداً هاماً لإمداد الثقافة بالأخبار والمعلومات وفي الوقت ذاته لا غنى للإعلام عن الثقافة فالإعلام يستمد من الثقافة حاجته من المعلومات والحقائق والموضوعات ليقوم بتشكيلها وصياغتها ونشرها على نطاق واسع عبر أجهزته المتعددة، فالإعلام مرآة للثقافة كما أنّه رافداً من روافدها ويعتمد عليها في الوقت نفسه فكلاهما يعتمد على الآخر ويستفيد وعلى هذا فإنّ وظائف أجهزة الثقافة تتكامل مع وظائف أجهزة الإعلام.
فإذا كانت الثقافة هي تعبير عن النشاط الإنساني فإنّ الإعلام هو الصوت المعبر عن هذا النشاط والأداة المفسرة والداعمة والمطورة له فهو تجسيد لها ويساهم في تعميقها.
إذ لا يمكن تصور الثقافة بدون تعبير أو إبلاغ كما أنّه لا سبيل أمام أجهزة الإعلام النجاح بدون زاد ثقافي بشد اهتمام الجمهور إليها ويسمح لها بإبلاغ رسالتها في مختلف المجالات.
حيث تمثل الثقافة الأثر المباشر لتقدم الإنسان ورقيه وتمدنه وهي بهذا المفهوم تمثل الوجه الآخر للإعلام وكذلك تلتقي الثقافة مع الإعلام على القاعدة العريضة لفنون الاتصال وفي هذا التلاقي يلاحظ أنّه لا ثقافة بغير اتصال ولا اتصال بغير ثقافة فكلّ العمليات الثقافية لا تخلو من تفاعلات إعلامية وكلّ العمليات الإعلامية لا تخلو من تفاعلات ثقافية غير أنّ هذه العلاقة علاقة الترابط والتبادل والانتفاع والمشاركة قد تصبح عاجزة أو غير ذات فاعلية ما لم تكن مرتبطة ومتصلة في ذاتية المجتمع وهذا ينطبق بالنسبة للثقافة وبالنسبة لوسائل الاتصال.
وحينما نقوم بدراسة علاقة الثقافة بالاتصال في مجتمع فعلينا أن ننظر إلى النظام السياسي المطبق في هذا المجتمع بكلِّ ما ينطبق عليه ذلك من تحليل طبقي للبناء الاجتماعي ومن دراسة تحليلية للأيديولوجية المسيطرة وصراعها على باقي الأيديولوجيات في المجتمع.
فالقيم الثقافية لأيِّ مجتمع لها جذورها التي تمتد متفقة مع التقاليد الدينية فالعقائد الدينية هي الأساس الذي تصدر عن طريقة الأحكام العاجلة في غياب الحقائق أو عند الافتقار إلى التفكير المنطقي.
وأدى التطور الحديث والسريع في وسائل الاتصال الجماهيرية إلى مضاعفة تأثير وسائل الإعلام في صياغة ثقافة أيّ شعب من الشعوب بصفة عامة.
بل أنّ هذا التطور التكنولوجي الهائل يجعل التغلغل الثقافي والتغيير الاجتماعي سريعاً جدّاً الأمر الذي يجعل الفرد مهيئاً أكثر للتغيير السريع.
فإنّ وسائل الإعلام من خلال الخطاب الإعلامي الذي نرسله تركز على وسائل الاتصال فهي الناقل الأساسي للثقافة وهي أدوات ثقافية تساعد على دعم المواقف والتأثير فيها وعلى تعزيز ونشر الأنماط السلوكية وتحقيق التكامل الاجتماعي وتلعب دوراً أساسياً في تطبيق السياسات الثقافية فهي الوسيلة الأساسية بالنسبة لملايين البشر في الحصول على الثقافة بجميع أشكال التعبير وتستطيع أن تقدم لهم روائع الإبداع من الماضي والحاضر.
فالاتصال والثقافة في حالة تفاعل متبادل وهما نتاج لواقع موضوعي وإفراز لأوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية سائدة في المجتمع.
والمسؤولية الملقاة على عاتق وسائل الإعلام هائلة لأنها لا تقوم بمجرد نقل الثقافة ونشرها، بل بانتقاء محتواها ولكي يتحقق لوسائل الإعلام أداء دورها الثقافي بفاعلية لابدّ من سياسة اتصالية ثقافية تجعل العمل في هذا المجال بعيداً عن الارتجال ويحقق التوازن.
والواقع أنّ أجهزة الثقافة والإعلام سلاح ذو حدين فهي خير إن أحسن استخدامها إذ تسهم في نشر الثقافات وهي شر إن أسأنا استخدامها فتؤدي إلى الهبوط بمستوى ما يقدم، ولفهم تأثير الاتصال على الثقافة لابدّ من إدراك الظروف المحيطة بعمليات الاتصال في أي مجتمع إذ قد تخضع وسائل الإعلام للضبط والاحتكار والسيطرة والتوجيه من جانب المسيطرين على هذه الوسائل الأمر الذي يجعلها معبرة عن مصالحهم واهتماماتهم فقط ومن ثمّ لا تحمل هذه الوسائل إلا الثقافة التي تمثل فئة معينة ولا تعكس ثقافة المجتمع كلّه.
مما سبق يتضح ازدياد أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في خلق الثقافة فوسائل الإعلام لها شكل مؤسس محدد يعد انعكاساً للثقافة مما يظهر بوضوح طبيعة العلاقة بين وسائل الإعلام والثقافة. ►
المصدر: كتاب الإعلام والتنمية في عصر العولمة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق