لم تكن حركة الامام الحسين (عليه السلام) مجرد حركة سياسية بالمعنى التقليدي للكلمة بل هي حركة إسلامية في معنى الاسلام في الثورة بحيث نلتقي فيها بالأبعاد الرسالية في خطوطها التفصيلية التي تحدد لنا شرعية النهج الثوري المتحرك في نطاق التضحية حتى الاستشهاد وفي طبيعة الظروف الموضوعية المحيطة بالحدث الكبير في تلك المرحلة وفي الظروف المماثلة لها في المراحل الأخرى الأمر الذي يجعلها حالة تطبيقية للخط الاسلامي النظري في الصراعات الداخلية التي يعيشها الواقع الاسلامي بين خط الاستقامة وخط الانحراف في الموقع القيادي الشرعي أو في الموقع المتمرد على الشرعية. فلم يكن الحسين عليه السلام ثائرا يتمرد على الذل من موقع احساسه الذاتي بالكرامة أو التزامه العائلي بالعزة ولم يكن انسانا متمردا على الواقع في المزاج التمردي الذي يرفض الأوضاع الخاصة التي لا تنسجم مع مزاجه كبعض الثائرين أو المتمردين الذين ينطلقون في ثورتهم وتمردهم من حالة انفعال عامة لا تملك أي نهج في الخطوط التفصيلية للسلوك العملي في هذا الاتجاه بل كان مسلما في ثورته وتمرده على خط «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الذي يفرض على المسلم الثورة على واقع الانحراف من أجل أن يغيره نحو واقع الاستقامة. وهذا ما يفرض علينا أن ندخل في عملية مقارنة بين ظروف المرحلة التي عاشها الحسين عليه السلام وظروف المرحلة التي نعيشها في طبيعتها وفي مفرداتها وفي خطوطها التفصيلية وفي تحدياتها الفكرية والعملية... لنتعرف من خلال ذلك على معنى الشرعية في حركتنا في الظروف المماثلة وهذا هو ملا نلاحظه في الكلمة الأولى التي بدأ بها الامام الحسين حركته في ما يتحدث به الرواة من سيرته أنه خطب في أصحابه فقال «أيها الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا بعهده مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان.... فلم يغير ما عليه بقول ولا بفعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله، وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله».
إنّها الثورة على السطان الجائر، المستحل لحرمات الله في عباده، والذي لا يرى لأحد حرمة أمام طغيانه واستبداده، الناكث لعهده فلا يعاهد أحداً الا لينقض عهده معه على أساس انتهاز الفرص التي يستفيد منها لمصالحه، لينتقل بعد ذلك الى فرص أخرى لمصالح أخرى، بعيداً عن أخلاقية الانسان الذي يحترم كلمته ويلتزم بعهده. لأن الالتزام بالعهد لا ينسجم مع خططه الذاتية وأطماعه المادية وشهواته الغريزية... الأمر الذي يجعل اسلامه شكلاً كلامياً لا يقترب من الصدق في الالتزام ولا في الاستقامة في خط السير.
العامل في عبادة الله بالاثم والعدوان، هو الرجل الآثم في تعامله مع الناس، العدواني في تصرفاته معهم. لأنه لا يعيش مسؤولية الحكم على أساس العدل، ولا يحترم الناس في علاقته بهم على أساس المسؤولية، فهو الوحش في صورة الانسان.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق