• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تكوين الوعي المالي

جوان سوتكن/ ترجمة: مازن عزالدين

تكوين الوعي المالي

◄"يتطلب تكوين ثروة كبيرة قدراً بالغاً من الشجاعة وقدراً كبيراً من الاحتراس، وعندما يتحقق لك ذلك، سيلزمك للمحافظة عليها عشرة أضعاف ما لزمك لتكوينها".

 يتعلم هواة رياضة كمال الأجسام، الذين يأخذون هوايتهم على محمل الجد، عن كيفية عمل مجموعات عضلات الجسم، وعن وظائف كتل العضلات، وأجهزة التمرين المتاحة لتنميتها. وبشكل مماثل، فإن تنمية عضلات مالٍ قوية يتطلب الدراية بعالم المال، وبطرق تجميع الإيرادات، والوسائل المجدية لإدارة الأموال، أي بتعبير مختصر، الوعي المالي.

إنّ إدراك طريقة كسب المال، وتنميته، وإدارته، يزود المرء بأساس راسخ لاكتساب القدرة المالية التي تتجلى من خلال تدفق مستمر للمال، وتوفر فائض منه، واستثمار ناجح لهذا الفائض. ولكن ما المشين أن كثيراً من التوّاقين إلى هذا النوع من القدرة لا يعمدون إلى التعلم عن الشؤون المالية وعن تقنيات إدارة الأموال. وغالباً ما يمكن أن يُعزى ترددهم إلى حجارة عثرات تتمثل في مواقفهم وسلوكياتهم الدفاعية التي يمكن التخلص منها بسهولة عندما يتم الكشف عنها.

 

التغلب على الضبابية في رؤية الشؤون المالية:

إنّ أكثر ما يُصادَف من حجارة العثرات هي تلك الحالة التي أطلق عليها اسم "مُتلازِمة[1] الضبابية المالية"، والتي تتمثل من خلال عدم مسك سجلات مالية، وإهمال تسوية دفاتر الشيكات، وترك الفواتير جانباً من غير أن تُفتح مغلفاتها، وكتابة شيكات من غير رصيدٍ كافٍ، والإنفاق باستخدام بطاقة الائتمان إلى حدٍ يربو عن الحد الأعلى المسموح به. كما تشتمل أعراض هذه المتلازمة على مخاوف عامة من عدم المقدرة على توفير مالٍ كافٍ لتغطية قيمة الشيكات أو الوفاء بالتزامات مالية، والإحساس بالعجز عن توفير فائض من المالن وتعجب المرء المستمر من عدم درايته بكيفية إنفاقه لماله وإلى أين ذهب هذا المال، ووجود قلق دائم حيال المستقبل الاقتصادي.

إذا كانت أعراض هذه المتلازمة تبدو عليك بشكل متكرر، فعليك أن تدرك بأنك ربما تفتقر إلى عادات ثابتة للتعامل مع المال وعالمه. وعليك أن تتبيّن كذلك أنّه لما كان الناس غالباً ما يربطون قيمتهم كأشخاص بما يملكون من مال، فالتعامل مع الأمور المالية الشخصية قد يتسبب تلقائياً في نشوء أحاسيس غير مُرضية. ولكي تتخلص من هذا النوع من ردود الفعل قد تُعوِّد نفسك من حيث لا تدري على تجنب مواجهة الأرقام المتعلقة بشؤونك المالية. والأسوأ من ذلك، فحيث أنّ المدارس الحكومية نادراً ما تعلّم إدارة الشؤون المالية الشخصية، فلربما كنت أنت واحداً من الكثيرين الذين يفتقدون إلى الألفة مع لغة المال، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالإحراج عند طلب المساعدة.

ومهما كان من سبب وراء نشوء "متلازمة الضبابية المالية" لديك، عليك أن تتبين الطبيعة المؤقتة للمنغصات المرافقة للوضوح غير المألوف في رؤيتك المالية. إنّ غالبية الناس الذين أعمل معهم يكتشفون، بالإضافة إلى تقهقر المتلازمة لديهم، إحساساً جديداً بالأمن والطمأنينة والثقة بقدراتهم على جني الثروة. ويمكن مقارنة المنغصات العرضية المصاحبة للمراقبة الدقيقة للأمور المالية بالآلام العضلية الناجمة عن اتباع برنامج تمرين لياقة بدنية جديد.

 

خصائص المقاومة ومواجهتها:

كثير من الناس الذين يعانون من "متلازمة الضبابية المالية" يقاومون تطوير الوعي المالي لديهم رغم إدراكهم لأهميته. وتشتمل نقاط المقاومة الأكثر شيوعاً على النشاطات التي توضح للمرء صورته المالية الحقيقية، لأن من شأن هذه النشاطات أن تثير أفكاراً وأحاسيس ترتبط بالطيش المالي الذي اعتاده المرء سابقاً، أو بأمور أخرى مثل الدخل المتواضع أو الإفراط في الاقتراض. كما تنتشر المقاومة بين أولئك الذين، رغم حداثة عهدهم في عالم المال. يحاولون زيادة معرفتهم به من خلال إغراق أنفسهم في الصحف والكتب ووسائل الإعلام. إذاً يمكن للغة المال أن تكون مُشوِّشة ومحبطة لشخص لم يألف الفروقات الطيفية بين تعابيرها ومصطلحاتها. ومن خلال تقبل المقاومة على أنها أمر طبيعي يستطيع العازم على زيادة وعيه المالي أن يتقدم بسرعة نحو وضع مالي قوي.

 

الوعي المالي وعامل الهوية:

يقود الوعي المالي إلى نتائج فعالة لأن باستطاعته الدفع بالمرء لتخطي المقاومة الناجمة عن "عامل الهوية" وإلى التوصل إلى هوية أكثر اتساعاً. وعندما يصبح المرء واعياً مالياً بعد أن كان ذا دراية محدودة بوضعه المالي وبعالم المال، سوف يصبح بمقدوره أن يبدأ بالتفكير في طرق عملية للتعامل مع حساباته الشخصية أو حتى في القيام بغزوة على عالم الاستثمار. ومع زيادة هذا الوعي، سيتحول أسلوبه الحرصي الطفولي السابق في التلكؤ في دفع الديون وادخار المال إلى سلوكيات أكثر نضجاً كاتباع خطة إنفاق أو برنامج ادخار.

وعندما تبدأ بممارسة مثل هذه السلوكيات قد تشعر بالتوهم مؤقتاً، خصوصاً عندما تواجه بأصدقاء أو أقارب لا علاقة لهم بما قد توصلت إليه مؤخراً من معرفة وإحساس بالمسؤولية المالية. وقد تفكر عندها باتخاذ موقف دفاعي تجاه سخريتهم أو مضايقاتهم، أو بالعدول إلى عاداتك القديمة بغية إعادة المياه إلى مجاريها معهم. إلا أن كثيراً من الناس من يتجه عوضاً عن ذلك إلى تجنب النظر إلى ردود أفعال الآخرين تلك على أنها موجهة لهم شخصياً، بل يعملون على تحسين علاقاتهم معهم.

إنّ علاقتك بمالك تعكس علاقتك بنفسك، وهذا يعني أن زيادة وعيك لشؤونك المالية يظهر إدراكاً متعمقاً لكيفية تعاملك مع نفسك وتعاطيك مع العالم من حولك. وانطلاقاً من هذا المفهوم ستصبح مؤهلاً لاتباع خيارات أكثر دعماً، وللتقدم باستمرار نحو وضع مرضٍ من القدرة المالية.►

 

المصدر: كتاب ابنِ عضلاتك المالية/ تسعة تمارين سهلة لتحسين علاقتك بالمال


[1]- متلازمة: Syndrome (حسبما ورد في المعجم الطبي الموحد). (المعرب).

ارسال التعليق

Top