• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإحسان إلى الأُم

أسرة

الإحسان إلى الأُم
  1- الإحسان إلى الأُم في القرآن الكريم: أ) البرّ بها، والإحسان إليها، والعطف عليها، وإغداق الحنان النبوي عليها: قال تعالى على لسان عيسى (ع): (وبَرَّاً بِوَالِدَتِي) (مريم/ 32). وقال في برِّ يحيى لوالديه: (وَبَرّاً بِوَالِدَيهِ) (مريم/ 14). ب) أن تتذكّر أنّها حملتكَ تسعة أشهر حيث لا يحمل أحدٌ أحداً، وأنّها عانت المشاق والمصاعب حتى ترى النور، وأنّها لم تتخلّ عنكَ لحظة منذُ وعيتَ الحياة وستبقى إلى آخر الحياة: قال سبحانه: (وَوَصَّينَا الإنسانَ بِوَالِدَيهِ إحساناً حَمَلَتهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتهُ كُرهاً) (الأحقاف/ 15). الكُره: المعاناة والمكابدة وليس الكراهية، لأنّه لولا عشقها للولد، لما تحمّلت ذلك كلّه. ولذلك قال عزّوجل: (حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهناً عَلَى وَهنٍ) (لقمان/ 14). ت) أن لا تطيل إبتعادك عنها فتقلق عليك، إلا إذا طمأنتها بين الحين والحين، ووسائل الإتصال اليوم كثيرة ومنها الهاتف النقّال، ويبقى لقاؤها بك الأحلى والأغلى بين كلِّ سبل الإتصال الأخرى: قال جلّ جلاله في غياب موسى (ع) عن أُمِّه: (فَرَجعَناكَ إلى أُمِّكَ كَي تَقَرَّ عَينُها وَلا تَحزَن) (طه/ 40). ث) أن يُراعي حصّتها في الإرث، وأن يوصي لها بما يشاء في الثلث من ماله المُتبقِّي، وهو إن فعلَ ذلك كلّه لا يُساوي طلقة من طلقاتها، ولا خوفاً واحداً من مخاوفها عليه: قال تعالى: (فإن لَم يَكُن لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلثُ فإن كانَ لَهُ إخوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) (النساء/ 11). ج) الإحسان إليها بكلِّ آيات ومراتب ودرجات الإحسان المادّية والمعنوية، لأنّها الأولى به: قال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ ألاَ تَعبُدُوا إلا إيّاهُ وبِالوَالِدَينِ إحساناً) (الإسراء/ 23).   2- الإحسان إلى الأُم في الأحاديث والروايات: أ) أن تعلم أنّ الجنّة تحت أقدام أُمّك، أي أنّ الله كافأها على حملها وتربيتها وإحسانها إليكَ بأن جعل جزاءها الجنّة، فكيف تُحسِن إليها أنتَ الذي وقع الإحسان منها مباشرةً عليك؟ قال رسول الله (ص): "الجنّةُ تحتَ أقدام الأمّهات". وأوصى (ص) شابّاً يعول أُمّه: "إلزَمها، فإنّ عندَ رجليها الجنّة". ب) أن تعلم أنّها وصيّة الله، أي أنّه أوصى بها خيراً، ومَنْ أوصى به الله تعالى فهو أولى بالرعاية والإحسان من غيره: قال موسى بن عمران (ع): "يا ربِّ أوصني، قال: أوصيكَ بي، قال: ربِّ أوصني، قال: أوصيكَ بي ثلاثاً –أي ثلاث مرّات – ، قال: يا ربِّ أوصني، قال: أوصيكَ بأُمِّك، قال: يا ربِّ أوصني، قال: أوصيكَ بأمِّك، قال: يا ربِّ أوصني، قال: أوصيكَ بأبيك". وجاء رجل إلى النبي (ص) وسأله: "يا رسول الله، مَن أبرّ؟ قال: أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أباك". ت) أن تعلم ما هي حقوقها عليكَ فتحفظها عملاً وأداءً وسلوكاً: يقول الإمام زين العابدين (ع) في (رسالة الحقوق): "وأمّا حقّ أُمّك: 1- فأن تعلم أنّها حملتكَ حيث لا يحملُ أحدٌ أحداً. 2- وأعطتكَ من ثمرةِ قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً. 3- ووَقَتكَ بجميع جوارحها. 4- ولم تُبالِ أن تجوع وتُطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك، وتهجرُ النومَ لأجلِك، ووَقَتكَ الحرّ والبرد، لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه". تضحى: تبقى تحت الشمس. ث) أن تبرّها بشتّى ألوان البرِّ قولاً وعملاً، فلطالما برّتكَ وأنتَ لا تجد عوناً على الحياة سواها، وقد يتخلّى أناسٌ كثيرون عنك، لكنها لم ولن تتخلّ عن فَلِذة كبدها، ففتِّش عن معاني البرّ، فلعلّ في قاموسه ما لم تُقدِّمهُ لأُمِّكَ لحدِّ الآن: يقول رسول الله (ص) وهو يروي للناس عن معراجه: "بينما أنا في الجنّة، إذ سمعتُ قارئاً، فقلت: مَن هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، فقال (ص): كذلك البرُّ، كذلك البرُّ، وكان أبرَّ الناسِ بأُمِّه". وأغلظ شخصٌ لأُمِّه، أي أسمعها كلاماً خشناً مؤذياً ومؤلماً، فأنَّبهُ الإمام الصادق (ع) بقوله: "ما لكَ وللوالدة أغلظتَ في كلامِها البارحة؟! أما علمتَ أنّ بطنها منزلٌ قد سكنتَه، وأنّ حجرها مهدٌ قد غمرته، وثديها وعاءٌ قد شربته؟ قال: قلت: بلى، قال: فلا تُغلِظ لها". وسأل رجلٌ رسول الله (ص): "ما من عملٍ قبيحٍ إلا قد عملتُه، فهل لي من توبةٍ؟ فسألهُ (ص): فهل أحدٌ من والديكَ حيّ؟ قال: أبي، قال: فاذهب فبرَّه، فلمّا ولّى –ابتعد – ، قال رسول الله (ص): لو كانت أُمُّه". أي لو كانت الحيّةُ أُمّه ليبرّها لكان برّه بها أسرع في قبول توبته ومغفرة الله له.   3- الإحسان إلى الأُم في الأدب: يوصي (الإمام الشافعي) بالخضوع للأُمِّ والسعي في نيل رضاها، بقوله: واخضع لأُمِّكَ وارضها فعقوقها إحدى الكِبَر الكِبَر: الكبائر. ويرى (أبوالعلاء المعرِّي) أنّ الأُمّ أولى بالرعاية والتكريم والإحسان، فيقول: العيشُ ماضٍ فأكرم والديكَ بهِ والأُمُّ أولى بإكرامٍ وإحسانِ وحسبُها الحملُ والإرضاعُ تدفعهُ أمرانِ بالفضلِ نالا كُلَّ إنسانِ ويدعو (رشدي المعلوف) لأُمِّه دعاءً رقيقاً يفوح بالورد والبنفسج، وبالتقدير العالي لأتعابها، فيقول: ربِّ سألتكَ بإسمهنَّ أن تفرش الدُّنيا لهنَّ بالوردِ إن سمحت يداك وبالبنفسجِ بعدهنَّ حُبُّ الحياةِ بمنّتهنّ وحبّهنَّ بغيرِ مِنّة! ويتحسّس (معروف الرصافي) مواقع نعمة الأُم نعمةً نعمة، فيرى أنّ إكرامها من أوجب الواجبات، حيث يقول: أوجبُ الواجباتِ إكرامُ أُمِّي إنّ أُمِّي أحقُّ بالإكرامِ حملتني ثقلاً ومن بعد حملي أرضَعَتني إلى أوانِ فِطامي ورَعَتني في ظُلمةِ الليلِ حتّى تركت نومَها لأجلِ مَنامي إنّ أُمِّي هيَ التي خَلَقَتني بعدَ ربِّي فصرتُ بعضَ الأنامِ فلها الحمدُ بعد حمدي إلهي ولها الشكرُ في مَدى الأيّامِ الأنام: الناس. ويُعبِّر الرئيس الأمريكي (ابراهام لنكولن)، الذي يُطلق عليه بـ (مُحرِّر العبيد) في أمريكا، عن إحسانه لأُمِّه من خلال تقديره العالي لإحسانها له، فيقول: "إنِّي مدينٌ بكلِّ ما وصلتُ إليه، وما أرجو أن أصل إليه من الرفعة، إلى أُمِّي الملاك". وكان يقول: "أعظمُ كتابٍ قرأته: أُمِّي". وفي المَثَل الإنكليزي درس في تعليم الأُمّ الإحسان في أبهى معانيه: "الأُم لا تقول هل تريد، بل تُعطي". فهي أوّل مُعلِّم يُعلِّمكَ الإحسان على أُصوله الصحيحة، وهي المُبادرة إلى الإحسان والعطاء من غير سؤال. وفي اسبانيا، يُقدِّرون يد الأُم فيرون حلاوتها حتى في ضربها لولدها، لأنّها إذا ضربتهُ فلا تضربهُ عقوبة، بل تأديباً، فيقولون: "يدُ الأُمِّ حلوة، ولو ضربت". ويُعبِّر المَثَل الروسي عن إحسان الأُم الفقيرة بالقول: "مهما تكن الأُم فقيرة، فإنّها لا تحرم إبنها الثياب الدافئة"، "بل قد تعرى لتكسوك"، كما يقول الإمام علي بن الحسين (ع). وقال أمريكي أعمى متحدِّثاً عن إحسان أُمِّه إليه: "خُلِقتُ أعمى، وكان عندي في عَينَي أُمِّي ضوء لعيني. وعندما فقدتُ أُمِّي حين ماتت، عميتُ مرّتين". ويقول المَثَل: "أُم الأخرس تعرف لغة الخرسان". كلُّ هذا الإحسان يستوجب من الأعمى أن ينظر إلى أُمِّه بقلبه، وإلى الأخرس أن يُكلِّمها بلغة عيونه تعبيراً عن شكرٍ عميقٍ وإحسانٍ رقيق، ومع صدى الإحسان هذا، فما أعطى أحدٌ عطاءَ أُمٍّ، وما أخلصَ أحدٌ إخلاصها.   4- برنامج الإحسان إلى الأُم: قد يكون برنامج البرّ والإحسان بالوالدين شاملاً لحقِّ الإثنين عليك، وهو يصلح أن يكون برنامجاً للبرِّ بالأُمِّ، كما يصلح أن يكون برنامجاً للبرِّ بالأب، لكننا نحاول أن نتهجّى الإحسان إلى الأمِّ بشكلٍ مستقل لما أثرتها الآيات والأحاديث بإستقلالية التكريم العالي: 1-   أن لا تسمع منك إلاّ طيِّب القول ورقيق الكلام، وإذا لم تجد هذا، ففي الأقل أن لا تسمع منك ما يخدش إحساسها أو يثقل على سمعها، لأنّها لو جرحها النّاسُ جميعاً وجرحها ابنها لكان جرح إبنها أبلَغ وأوجَع. 2-   أن تذكر لها إحسانها إليك وكيف أصبحتَ فيما أنتَ عليه بفضل الله وفضلها عليك، إنّ ذلك شكر حتى وإن لم تقل لها: شكراً. 3-   أن تدعو لها بالخير والسلامة وطول العمر في خير وعافية، وأن يرزقكَ الله برّها كما رزقها الإحسان إليك. وتذكّر أنّك لو فقدتَ أُمّكَ فقدتَ دعوةً مُستجابة. 4-   أن تهديها القليل والبسيط، فهي لا تسألكَ الكثير، ولا تريد أن تُكلِّفكَ ما لا تطيق. تكفيها إبتسامتكَ بوجهها، وتقبيلة لرأسها أو يديها، أو احتضانة دافئة لشيخوختها (المقرورة) الباردة. إنّها تكتفي بالمعنوي ولا تطلب المادِّي، فإن مكّنكَ الله من الجمع بينهما فقد حزتَ الإحسان من طرفيه. 5-   أن تزورها إن كنتَ بعيداً عنها، وتتصل بها إذا فارقتها لتطمئنّ عليك، فلا تقل إنِّي كبير ولا حاجة لأن تقلق أُمِّي عليَّ، فحتى لو بلغتَ الشيخوخة، فأنتَ ابن أمّك التي إن فارقتها قلقت عليك، وإن ابتعدتَ اشتاقت إليك. 6-   أن تتعهّدها بألوان الرّعاية، تسهر على راحتها إن مرضت، وتصطحبها إلى الطبيب إن احتاجت عيادته، وتُقدِّم لها الدّواء بيديك، وتدعو لها بالشّفاء في كلِّ حين. 7-   أن تبرّها وهي ميِّتة، تدفنها في قبرها، وتزور قبرها، وتقرأ لها من القرآن ما تيسّر، وتُصلِّي لها، وتصوم عنها، وتحجّ عنها، وتهدي ثواب بعض أعمالكَ إليها، وتدعو لها كما كانت تدعو لك، ويبقى الفضل لها لأنّها المُبادِرة.

ارسال التعليق

Top