• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإحسان إلى الحيوان

أسرة

الإحسان إلى الحيوان
1- الإحسان إلى الحيوان في القرآن الكريم: تنويه: لمّا كانت الحيوانات كالخيل والبغال والحمير، مُعدّة كوسائط لنقل الإنسان وأمتعته، والأنعام كالجمال والأبقار والأغنام، لطعام الإنسان ولباسه، والحشرات كالنحل لغذائه والإستفادة من خلاياها لصناعة الشمع، والطيور والأسماك، كلّها مسخّرة لخدمة الإنسان ونفعه، كان لابدّ من الإحسان إلى ما يُحسِن إلينا حتى ولو كان من العجماوات التي قد لا تفهم لغتنا، لكنها تفهم إشاراتنا الإنسانية. قال تعالى في الدعوة إلى رعاية الحيان والرِّفق به والمحافظة على حقوقه، من خلال المثل المضروب عن العناية بناقة صالح، التي وإن كانت لها خصوصية خاصّة، إلا أنّنا يمكن أن نستفيد من ذلك درساً في الرِّفق بالحيوان: (هذِهِناقَةُ اللهِ آيَةً فَذَرُوها تأكُل في أرضِ اللهِ ولا تَمَسُّوها بِسوءٍ فَيَأخُذَكُم عَذّابٌ ألِيم) (الأعراف/ 73). فالحيوانات الأليفة والداجنة حيادية ومسالمة، فلا يجوز الإعتداء عليها أو اضطهادها بأيِّ شكلٍ من الأشكال، فهي نافعة من جهة ومسالمة من جهة، وجزاء الإحسان إلا الإحسان يجري على الحيوان كما يجري على الإنسان.   2- الإحسان إلى الحيوان في الأحاديث والروايات: أ) إذا تذكّرتَ أنّ الحيوان من ذوات الأرواح، وأنّه يتعب كما نتعب، ويجوع كما نجوع، ويعطش كما نعطش، ويحتاج إلى الراحة كما نحتاج، فتعاطيتَ معهُ على أساس ذلك، فإنّك تكون قد أحسنت إليه: أبصرَ رسول الله (ص) ناقة معقولة (مربوطة) وعليها جهازها (حملها)، فقال: "أينَ صاحبها؟ مروه فليستعد غداً للخصومة"!! ب) أن تكون الدابّة ملكاً لك لا يعني أن تستبدّ بها، فتضربها أو تجيعها، أو تحمل عليها فوق طاقتها، أو تقطع بها مسافات طويلة تنهك قواها، أو تتخذها كرسياً: يقول (ص): "إنّ الله يحبّ الرِّفق ويعين عليه، فإذا ركبتُم الدوابّ العُجف فأنزلها منازلها، فإن كانت الأرض مُجدبة فانجوا (ابتعدوا) عنها، وإن كانت مخصبة فأنزلها منازلها". وقال (ص): "إركبوا هذه الدوابّ سالمة، وايدعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرُبّ مركوبةٍ خير من راكبها وأكثر ذكراً لله تبارك وتعالى منه". ت) الوفاء بحقوق الحيوان مؤشِّر على إنسانية الإنسان: يقول (ص): "للدابّة على صاحبها ست خصال" (حقوق): 1- يعلفها إذا نزل، فإذا كان صاحب السيارة يُعبِّئها بالبنزين بين الحين والحين حتى يستطيع مواصلة سيره بها، فما بالكَ بحيوانٍ يجوع وليس له مؤشِّر بنزين. إنّها مسؤوليةُ صاحبهِ في معرفة أوقات إطعامه وشرابه ومنامه. 2- ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، فقد تكون عطشى وتنتظر فرصة أن يسقيها صاحبها، فهي دائماً رهن تحنّنه وعطفه وإحساسه بها. 3- ولا يضربها إلا على حقٍّ، أي إذا نفرت، ولا يعني أن يوجعها ضرباً، فهي تتألّم أيضاً. 4- ولا يُحمِّلها ما لا تُطيق، فكما لصاحبها طاقة محدودة يطلب من ربِّه أن لا يُحمِّله فوقها، هي أيضاً لها طاقة معيّنة لا يجوز تجاوزها بحجّة أنّها بهيمة! في المطارات العالمية اليوم، لا يُسمح للراكب أو المسافر أن يضع في حقيبته سوى الوزن المسموح والمُتعارَف عليه، لئلا تتسبّب الزيادة في إيلام عامل النقل في المطار. فما أجمل أن يُراعي صاحب الدابّة دابّته كما تُراعي شركات الطيران أو المطارات عُمّال نقلها. ولسنا في صدد المقارنة بين (إنسان) وبين (حيوان)، لكننا نعود للقول إنّنا نُقارن بين ذوات الأرواح. فإذا كان المصعد الكهربائي يئنّ من الثقل الزائد في داخله، فيشعل ضوءاً أو يُرسل صوتاً، فكيف يُشعِر الحيوان صاحبه أنّ ظهره قد انكسر؟! 5- ولا يُكلِّفها من السَّير إلا طاقتها، أي لمسافاتٍ معقولة يُترك لمروءته تقديرها. 6- (ولا يقف عليها فواقاً) أي لا يتخذها كرسيا يستريح عليها دون أن تكون في حالة سير. ث) والإحسان للحيوان لا يقتصر فقط على صاحب الحيوان أو مالكه، بل كلّ إنسان يرى حيوان جائعاً أو عطشاناً، عليه أن يُطعمه ويسقيه، لأنّ "في كلٍّ كبدٍ حرّى أجراً". رُوِي عن رسول الله (ص) قوله: "غُفِرَ لامرأةٍ مومِس مرّت بكلبٍ على رأس ركيّ (بئر) يلهث كادَ يقتله العطش، فنزعت خفّها فأرشقته بخمارها فنزعت له من الماء، فغفرَ لها بذلك". قارن بين هذه القصّة والقصّة التالية لتعرف ما يفعله الإحسان بالحيوان، فضلاً عن الإنسان: نقل بعض المُفسِّرين أنّ شخصاً مسلماً شاهد إمراةً كافرةً تنثرُ الحبَّ للطيور في الشتاء، فقال لها: لا يُقبل هذا العمل من أمثالك، فأجابته: إنِّي أعملُ هذا سواء قُبِلَ أم لم يُقبَل، ولم يمضِ وقت طويل حتى رأى الرجل هذه المرأة في حرم الكعبة، فقالت له: يا هذا، إنّ الله تفضَّل عليَّ بنعمةِ الإسلام ببركة تلك الحبوب القليلة"! هذا هو أجر الإحسان للحيوان الجائع العطشان، أمّا إذا حجبتَ الإحسان، فالمأوى النِّيران. عن النبي (ص) أيضاً: "عُذِّبت امرأة في هرٍّ ربطتهُ حتى مات، ولم تُرسلهُ فيأكل من خِشاش الأرض، فوجبت لها النارُ بذلك". هذان المشهدان الأوّل والأخير، رآهما النبي (ص) في المعراج، فإذا كان الإحسان إلى الحيوان يُدخل الجنّة، وحرمانه من الإحسان يُدخل النار، فكيف هي المكافأة لمن يُحسِن لأفضل مخلوقات الله تعالى وهو الإنسان؟   3- الإحسان إلى الحيوان في الأدب: هذا (عامر بن صعصعة) يرى إكرام الخيل إكراماً للنفس، فيقول: أهينوا لها تُكرمون وباشروا صيانَتها، والصّونُ للخيلِ أجملُ متى تُكرموها يُكرمُ المرءُ نفسَهُ وكلُّ امرئٍ من قومهِ حيث ينزلُ وهذا (إسماعيل بن عجلان) يُقاسم الخيلَ ماله ويُطعم أهله الباقي أملاً أن يؤجر، حيث يقول: أُقاسمُها مالي، وأُطعِمُ فضلَها عيالي، وأرجو أن أُعانَ وأوجَرا إذا لم يكن عندي جوادٌ رأيتني ولو كان عندي كنزُ قارونَ مُعسِرا ويبدو أنّ إكرام الخيل عند بعض العرب كان يفوق إكرام العيال، فليس (بن عجلان) وحده الذي كان يفعل ذلك، فهذا رجلٌ من تميم، يقول: مُفدّاةٌ مُكرّمةٌ علينا تُجاعُ لها العِيالُ ولا تُجاعُ!! وكان (الأخطل) يقول: إذا ما الخيلُ ضيّعها أُناسٌ ضممناها، فشاركت العيالا نُقاسِمُها المعيشةَ كُلَّ يومٍ ونُلبِسُها البراقِعَ والجِلالا! فانظر كيف كانوا يتفاخرون في الإحسان إلى الحيوان؟! لذلك لا تستغرب أن تشاطر الحيوانات الأليفة سُكّان البيوت الريفية، فتكون لها زريبة تأوي إليها، فتجد فيها الطعام والشراب والمنام. كما لا نعجب من أن يكون هناك مكان في اليمن يُسمّى بـ (سوق العرج) تودع فيه الحيوانات المتقاعدة أو المريضة أو التي كُسِرَت إحدى قوائمها، فيكون لها أن تأكل وتشرب لقاء خدمتها الطويلة، ليُقابَل إحسانها القديم بهذا التخصيخ التقاعدي الكريم!   4- برنامج الإحسان إلى الحيوان: نعتبر ما ورد من توصيات النبي (ص) في رعاية حقوق الحيوان، وما سبقت الإشارة إليه هنا وهناك من أصول العناية بهذه النعمة الربّانية الفضيلة، برنامجاً للإحسان بالحيوان، وبه نكتفي.

ارسال التعليق

Top