• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإحسان إلى الوطن

أسرة

الإحسان إلى الوطن
 1- الإحسان إلى الوطن في القرآن الكريم: أ) البلدان بما تحتويه من أبنائها وما تضمّه من مقدّساتها: قال تعالى: (لا أُقسِمُ بِهذَا البَلَد * وَأَنتَ حِلٌّ بِهذا البَلَد) (البلد/ 1-2). ب) الوطن بما ينعم به أهله من خيراته: قال سبحانه: (لَقَد كانَ لِسَبَأ في مَسكَنِهِم آيَةٌ جَنَّتانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ) (سبأ/ 15). ث) الوطن بما ينعم به أهله من أمن وأمان ورخاء واستقرار: قال عزّوجل في مكة: (فَلْيَعبُدُوا رَبَّ هذا البَيتِ * الذي أطعَمَهُم مِن جُوعٍ وآمَنَهُم مِن خَوفٍ) (قريش/ 3-4). ج) الوطن هي الأرض كلّها جُعلت موطناً للإنسان يعمرها بإيمانه بالله وخلافته فيها، وبما يُصلحها ويجعلها جنّة أرضية: قال عزّوجل: (وَالأرضَ وَضَعَهَا لِلأَنامِ) (الرحمن/ 10). فحينما يكون الوطنُ بهذه السعة وهذه الشمولية وهذه الخصوصيات، يتوجّب على ساكنيه ومواطنيه والقاطنين فيه الإحسان إليه: بإعماره بالزراعة والصناعة وسائر الحِرَف والمِهَن، وبأن يكون مسجداً يُعبدُ فيه الله، وأن يكون واحة أمن وسلام يأمن الناسُ من بعضهم بعضاً، ويحبّ بعضهم بعضاً، ويفهم بعضهم بعضاً، ويحترم بعضهم بعضاً، ويُحسن بعضهم إلى بعض.   2- الإحسان إلى الوطن في الأحاديث والروايات: أ) حُبّه، لا حُبّ التراب والأشجار والمياه فحسب، بل بما يتيحه من سبل العيش الكريمة لأبنائه، وبما يحمله من آمالهم وتطلّعاتهم، وبما يؤمِّنه لهم من فرص السلامة العقيدية والفكرية والمعاشية والنفسية والإبداعية: يقول الإمام علي (ع): "عمرت البلدان بحبِّ الأوطان". ب) العمل على توفير السعادة لأبنائه: قال (ع): "لا خيرَ في الوطنِ إلا مع الأمن والمسرّة". ت) السعي لجعله ساحة لطاعة الله من خلال العيش المشترك، والتعاون على البرِّ والتقوى، وعلى التنافس في الخيرات: وقال (ع) أيضاً: "ليسَ بلدٌ أولى بكَ من بلدٍ، خيرُ البلادِ ما حملك".   3- الإحسان إلى الوطن في الأدب: الحنين إلى الوطن أمرٌ طُبعت عليه النفوس، وكان رسول الله (ص) يحنّ إلى مكة ويقول: لولا أُخرجتُ منها لما خرجتُ منها، ولذلك يقول (أحمد شوقي):

وكلُّ مُسافرٍ سيعودُ يوماً إذا رُزِقَ السلامةَ والإيابا ويقول: قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً وتهونُ الأرضُ إلا مَوضِعا ولسنا مع القائل: بلادي وإن جارَتْ عليَّ عزيزةٌ وقومي وإن شَحُّوا عليَّ كِرامُ لأنّنا نرى فيه تنافياً مع ما ذكرناهُ من خصائص الأمن والكرامة والعيش السليم، فلا الجور يجعل الوطن عزيزاً، ولا البُخل يجعل الأهل كراماً، ولسنا مع العصبية لا الأرضية ولا البشرية ولا الفكرية ولا العاطفية. ويرى ومَنْ كانَ في أوطانهِ حامياً لها فذكراهُ مِسكٌ في الأنامِ وعنبرُ ويلاحظ (أحمد شوقي) أنّ للوطن يداً بيضاء ودَيناً في أعناق أبنائها عليهم أن يُسدِّدوه سواء بطاقاتهم البنّاة، أو في دفع العدوان عنه، فيقول: وللأوطانِ في دّمِ كلِّ حرٍّ يَدٌ سلفت ودَينٌ مُستَحقُّ ولعلّ من جميل ما قيل بهذا الصدد، قول (كاريل): "جميلٌ أن يموتَ الإنسانُ من أجلِ وطنه، ولكنّ الأجمل أن يحيا من أجل هذا الوطن". وفي المَثَل الإنكليزي: "الأوطانُ ليس لها مكان". فحيثما تجد حرِّيّتك وأمنك وكرامتك ولقمة عيشك العزيزة، فذاكَ وطنك. ونحنُ نتّفق مع (أناتول) في رأيه من أنّ الجوع لا ينجب وطنيين مخلصين، حيث يقول: "الجائعُ لا يمكن أن يكون مُخلِصاً لوطنه". لكنّ ذلك لا يعني أن يخونه ببيعه للأجنبي، كما يفعل المُرتزقة والجواسيس. ويرى (أبيكتوس) أنّ الإحسان للوطن يتجلّى ببناء المواطن، فيقول: "إنّ خيرَ خدمةٍ تخدم بها وطنك، هي أن لا تقتصر على بناء القصور الفخمة، بل تتناول نفوس مواطنيك فتبنيها"! أمّا (بريستلي)، فيرى أنّ الإحسان للوطن يتمثّل في نقد السياسة أو الإدارة التي تحكمه، فيقول: "إنّ المُذنِب الأوّل في حقِّ الوزطن، هو المواطن الصامت، لا المواطن الصاخب الثائر، الذي يتكلّم وينقد، فيظهر الغثّ من السمين والمُحسِن من المُسيء". ويلاحظ أحد الأدباء أنّ الإحسان للوطن هو أن يكون أبناؤه مُحسنين، فيقول: "أحبُّ أن أرى الإنسان الذي يفخر بالمكان الذي يعيش فيه، وأحبّ أن أراهُ وهو في ذلك المكان يعمل ما من شأنه أن يجعل المكان فخوراً به".   4- برنامج الإحسان إلى الوطن: حُبّ الوطن لا يعني مجرّد التغزُّل بمحاسنه، بل هو حبّ عمليّ يشمل: 1- العمل على بناء عمرانه ليكون سكناً لأهله. 2- العمل على توحيد طوائفه وأعراقه تحت لافتة إرادة الخير للوطن، حتى ولو تعددت المذاهب والمشارب، فالخوف ليس من (التعدُّد) لأنّه ثراء، بل من التشتت لأنّه ذهاب الجهود في الهواء. 3- العمل على الإستفادة من تجارب البلدان والأوطان التي يُحترَم فيها الإنسان، فيكون الوطن الذي نحيا فيه وطن الإنسان. 4- أن نُفكِّر أيضاً بما نُقدِّمهُ للوطن (وهنا المراد أهله، فحتى العمران والصناعات والتنمية الزراعية والحيوانية وغيرها، كلها لخدمة إنسان الوطن)، لا أن نحصر تفكيرنا فقط بما يجب أن يُقدِّمهُ الوطنُ إلينا.

ارسال التعليق

Top