• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإحسان إلى الوقت

أسرة

الإحسان إلى الوقت
  1- الإحسان إلى الوقت في القرآن الكريم: أ) الإهتمام بالوقت والمواقيت في أُمور العبادة والفرائض: قال تعالى في أوقات الصلاة: (إنّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى المؤمِنِينَ كِتاباً مَوقُوتاً) (النساء/ 103). وقال عزّوجل في توقيت الصّوم: (فَمَنْ شَهِدَ الشَّهرَ فَلْيَصُمهُ) (البقرة/ 185). وقال سبحانه في مطالع الأشهر القمرية: (يَسأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُل هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ) (البقرة/ 189). ب) معرفة أنّ هناك يوماً موقتاً يجتمعُ فيه العباد كلّهم بين يَدَي الله في محكمةِ العدل الكبرى يوم القيامة، ممّا يجعل الإنسان يحسن لنفسه ولغيره ولعمره الممنوح له في الإزدياد من الحسنات وتقليص السيِّئات: قال سبحانه: (إنّ يَومَ الفَصلِ كانَ مِيقَاتاً) (النبأ/ 17). ت) التأمُّل في أقسام الله تعالى بالوقت ومفرداته، فما من وقتٍ من أوقات الليل أو النهار إلا وأقسم الله بها، ممّا يُستفاد منه أنّ الوقت رأس مال الإنسان وهو أثمن ما بين يديه، لأنّه إناءه الذي يجب أن يملأهُ بالصالحات: قال جلّ جلاله: (وَالعَصرِ * إنّ الإنسانَ لَفِي خُسرٍ * إلا الذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وتَوَاصَوا بِالحَقِّ وتَوَاصَوا بِالصَّبرِ) (العصر/ 1-3). ث) إدراك أنّ قيمة الوقت بما يُحسنه الإنسان من عمل، وأنّه مُحاسَب عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه: قال عزّوجل: (الذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أيُّكُم أحسَنُ عَمَلاً) (المُلك/ 2). ج) أن تعرف أنّ الوقت ليس هو الحاضر فقط، بل هو ما أسلفتَ من عملٍ هو مدوّن وحاضر عند الله، وما سيأتي من عملٍ في غدٍ (المستقبل) أيضاً، فتُستدرك ما مضى وتغتنم ما بين يديك: قال جلّ جلاله: (وَما تَدرِي نَفسٌ ماذا تَكسِبُ غَدَاً) (لقمان/ 34). ح) أن تتذكّر أيّام الله، سواء أيام (المحنة) والصعوبات والمصائب، فتكتسب منها خبرة وقوّة وتجربة وعظة وعبرة، أو أيام (المنحة) لتستفيد منها في المزيد من العطاء الذي يُقرِّبك إلى الله زُلفى: قال تعالى: (وَذَكِّرهُم بِأيّامِ اللهِ) (إبراهيم/ 5).   2- الإحسان إلى الوقت في الأحاديث والروايات: أ) لابدّ من العلم بالزمان وملابساته كإحسان للزمن وللوقت من خلال معرفتهما: يقول الإمام الصادق (ع): "العالِمُ بزمانهِ لا تهجم عليهِ اللوابس"، أي أنّه أقدر من غيره على التعاطي مع المستجدّات والتقلُّبات، ومع تطوّرات العصر. ب) الإعداد والإستعداد للمستقبل، فكأنّك تعيش أبداً: يقول الإمام علي (ع): "مَنْ عرفَ الأيام، لم يغفل عن الإستعداد". ت) أن تعرف أنّ الأيام (دول) أي أنّها مُتقلِّبة مُتغيِّرة، فلا تستلم لأيام الدِّعة والسلامة فتظنّ أنّها باقية دائمة، ولا تجزع لأيام البلاء والشدّة فتتصوّر أنّها ثابتة لا تزول: يقول الإمام علي (ع): "الدَّهرُ يومان: فيومٌ لكَ ويومٌ عليكَ، فإذا كانَ لكَ فلا تبطر، وإن كانَ عليكَ فاصبر". ث) أن تغتنم كلّ دقيقة من دقائق عمرك الغالي الثمين، طالما أنّ الله تعالى يقول: (فَمَنْ يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةِ خَيراً يَرَه): قال رسول الله (ص): "إذا قامت الساعةُ وبِيَدِ أحدكُم فسيلة (شتلة أو نواة) فليغرسها". ج) أن تُقسِّم الوقت فلا يطغى جانب على جانب، وإنّما تعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقّه: يقول الإمام الكاظم (ع): "اجتهدوا في أن يكون زمانكُم أربع ساعات: ساعة لمناجاةِ الله، وساعة لأمرِ المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقاةِ الذين يُعرِّفونكَم عيوبكُم ويُخلصونَ لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير مُحرَّم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات". ح) أن تتجنّب التسويق (التأجيل)، فما في العمر ضمان، فكن ابن يومك: ولقد كان ممّا أوصى به رسول الله (ص) أباذر، قوله: "يا أباذر، إيّاكَ والتسويف بعملِك، فإنّكَ بيومِكَ ولستَ بما بعده، فإن يكن غدٌ لكَ فكن في الغدِ كما كنتَ في اليوم، وإن لم يكن لكَ غد، لم تندم على ما فرّطتَ في اليوم".   2- الإحسان إلى الوقت في الأدب: يقول (أحمد شوقي) مُذكِّراً بضرورة الإحسان للوقت: دقّاتُ قلب المرءِ قائلةٌ لهُ إنّ الحياةَ دقائقٌ وثواني فاحفظ لنفسِكَ بعدَ موتِكَ ذكرَها إنّ الذِّكرَ للإنسانِ عمرٌ ثاني وينصح (التهاميّ) بعدم التأجيل، فيقول: فاقضوا مآربَكُم عجالاً إنّما أعمارُكُم سفرٌ مِنَ الأسفارِ ليسَ الزمانُ وإن حرصتَ مسالماً خلقُ الزمانِ عداوةُ الأحرارِ وفي الأمثال: "الوقتُ المفقودُ لا يعمدُ ولا يُشترى بالنقود". ويقول (فوفنارغ):"إذا لم تعرف قيمة الوقت، فلن تعرف قيمة الإنتصار". وكان (عمرو بن معد يكرب) يقول: "يومٌ لم أتعلّم فيه جديداً، يومٌ ليس من عمري". ويقول (بسمارك): "أيكون لدينا مُتّسع من الوقتِ عندما نعرف كيفَ نستخدمه". وفي فرنسا يقولون: "لماذا تقتل الوقت إذا كان باستطاعتكَ توظيفه". وفي الصين يدعون إلى تقسيم الوقت، فيقولون: "عليكَ إيجاد الوقت للصيد، والوقت لتجفيف الشبكة". وينصحون بعدم تضييع الوقت بغير المُجدي، فيقولون: "غالباً ما نُضيِّع الوقت بمُطاردة الرِّيح، أو بمحاولة القبض على الظلِّ". ويقولون في التسويف: "المماطلة لصّ الوقت". يقول الشاعر: إنّا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها وكلُّ يومٍ مضى نقصٌ من العُمرِ   3- برنامج الإحسان إلى الوقت: أحسنُ إحسانٍ إلى الوقت هو معرفة قيمته واستثماره على أفضل وجه. يقول (باستور): "إذا أضعتُ دقيقة واحدة من حياتي، أحسُّ بأنّني اقترفتُ جريمة ضدّ الإنسانية". إنّ حُبّ الحياة يستدعي الإحسان إليها بأن لا نُضيِّع الوقت سُدى، ذلك أنّ الحياة مصنوعة من ذرّات الوقت، فإن أحسنّا استعمالها كانت حياتنا ملأى، وإن عبثنا بها، عبثنا بحياتنا. وعندما تعرف أنّ الوقت هو المادة الخام في يدك، كالخشب في يد النجّار، وكالحديد في يد الحدّاد، وكالذهب في يد الصائغ، فإنّك ستصوغ منها حياة طيِّبة سعيدة. فبدلاً منأن تجلس على كرسيّ أمام باب منزلكَ أو حانوتكَ لتتأمّل حركة الشارع، كُن جزءاً من تلكَ الحركة ودعْ التأمُّل لغير العابئين بقيمة الوقت أو الضعفاء في حساب الساعات. ولعلّ من أهم موارد الإحسان إلى الوقت، الإنضباط في المواعيد بلا تقديم ولا تأخير، فالدقّة في المحافظة على المواعيد التي تضربها، لا تدلّ على تهذيبٍ رفيع فقط، بل على (أمانة) و(صدق) وعرفان بقيمة وقتك ووقت الآخرين. ولا يعرف حقيقة الوقت مَنْ يقول لك: إنّ لديًّ عملاً كثيراً، ولذلك فليس لديَّ وقت، فأكثر الناس عملاً أوسعهم وقتاً. الوقت عدوّ الكثيرين اللدود، فاحرصْ أن يكون صديقكَ الوفيّ، لأنّه وعاءُ عملك الذي سيتركك جميع رفاقكَ في غدٍ ويبقى هو المُرافق الوحيد في رحلتكَ نحو الآخرة. ولا تقل: (غداً)، فلعلّ الغد يأتي وأنتَ تحت التراب!

ارسال التعليق

Top