• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإرادة مبعث المسؤولية

د. ميثم السلمان

الإرادة مبعث المسؤولية

◄(إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72).

الأمانة لا يتحملها العبد إلا بالإرادة وتحمل التكاليف الإلهية فالإنسان هو الموجود الوحيد الذي كرّمه الله تعالى بهذا الدور، ولكنه للأسف استخف بدوره.

يقول العلامة الربّاني الشيخ حبيب الكاظمي:

"تقع الإرادة من نفس الإنسان موقع القائد العسكري من الجيش، فهي بمثابة الآمر والناهي لجنود الجوارح.. ومن المعلوم انّ القائد هو الذي يخوض الأهوال، ويورد جنوده الهلاك أو النصر.. وكما أنّ للقائد الواقعي بطانة خير أو بطانة سوء، فكذلك للإرادة القائدة: بطانة خير متمثلة بالدين والعقل، وبطانة سوء متمثلة بالشهوة والهوى".

إذا كانت الإرادة من موجبات التفوق في بني آدم، فإنّ حالة فقدان الإرادة من موجبات نزوله إلى رتبة البهائم!.. وكم من المؤسف أن يصل العبد إلى درجة، يصر فيها على ارتكاب الموبقات، مع علمه بعواقبها، مبرراً ذلك بأنّه فاقد للسيطرة على نفسه!!.. فإذا وصل العبد إلى هذه الدرجة الخطيرة من الضلال، كان ممن أضله الله على علم، ومن الطبيعي أن يكون مصيره الخسران في الدنيا قبل الآخرة.

إنّ من موجبات سلب الإرادة: هي الروح الجماعية، وذلك حين يعيش الفرد في بيئة يمارس أفرادها المعصية بشكل جماعي، حيث يفقد فيها المقاومة تدريجياً، وحينئذ لن يرى المنكر منكراً والمعروف معروفاً.. وهذا هو السر في تحذير المؤمنين من السفر إلى بلاد غربية – لمن لا يضمن لنفسه الاستقامة – حيث يسود الجو الجماعي للمعصية، والذي يؤثر بدوره في التشجيع على ممارستها.

إنّ من موجبات سلب الإرادة هو: استيلاء حالة الغضب.. فقد قيل انّ الشيطان يقلّب ابن آدم حين الغضب بين يديه، كالكرة التي يلعب بها الصبيان.. ولا غرابة في ذلك وهو الخبير في إغواء البشر عبر العصور.. ومن هنا لزم على العاقل أن يضاعف جهده للسيطرة على نفسه في تلك الحالة، لئلا يُفلِتَ زمام الأمور من يده!

هنالك آراء مختلفة في تحديد النسبة بين الإرادة الإلهية والإنسانية والعلاقة بينهما.. فالبعض يبالغ في جعل الإرادة البشرية هي صاحبة القرار في كلِّ الأمور، والبعض الآخر يرى بأنّ العبد مسيّر في كلِّ أموره، وانّه أسير الإرادة الإلهية، والحال انّ الصواب هو الأمر بين الأمرين.. وخير مثال يوضح لنا ذلك هي: حرية الإنسان في التحرك داخل عربة القطار الذي يسير وفق خطة مرسومة.. فهناك تحرك طليق ضمن مسيرة مقيدة.

إنّ المنطق الصحيح، هو المنطق الذي يؤمن بإرادة الله تعالى، لكنه يرى أنّ المؤمن هو الذي يهيئ بعمله الأرضية لهذه الإرادة الإلهية.. وهو منطق نفهمه من كثير من الآيات القرآنية التي ترتب مشيئة الله على مقدمات من عمل الفرد، مثل قوله تعالى: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) (الكهف/ 16)، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (الإسراء/ 18)، (إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) (النساء/ 35).

فإذا قام العبد بوظيفته معتمداً على إرادته الموهوبة له، تصرّف الله تعالى في الآفاق وفي الأنفس، أتماماً لمشيئته.. وقد قال عليّ (ع): "عرفت الله بنقض العزائم، وفسخ الهمم".

من الأمثلة الملفتة على تسليم العباد لمشيئة الله تعالى، وجعل إرادتهم مرتبطة بإرادته، هي تلك المرأة التي استشهد ولدها في إحدى المعارك مع الرسول (ص)، فلم تبكِ عليه، بل انتظرتْ حتى تستأذن النبيّ (ص) في البكاء عليه.

كما أنّ لكلِّ فرد أجلاً، فإنّ لكلِّ أُمّة أجلاً لا يتغير.. ومن المعلوم انّ إيماننا بإرادة الله المهيمنة والقاهرة لكلِّ شيء، يعطينا الأمل في الإصلاح والتغيير الموعود، وذلك عندما نعتقد أن تحديد المحطات الاستراتيجية في حياة الأُمّة، إنما هو مرتبط بعالم الغيب.. إذ انّ الوجود الإيماني عزيز على الله تعالى، بما لا يسمح أن يكون أُلعوبة بيد الأعداء.. ولنعلم أخيراً: "انّ للباطل جولة وللحقِّ دولة"!!

 

الإرادة في الإنسان:

الإرادة ومصدرها يحتاجان إلى دعم وتمكين وتفعيل حتى تترجَم الإرادة بالسلوك الحسن الذي يُرضي الله سبحانه وتعالى ويرضي الإنسان والأُمّة الواحدة.

 

مراحل الإرادة:

1-    الخريطة الذهنية:

الخواطر والصور الذهنية التي تمرّ على عقل الإنسان وتسهم في تشكيل خريطته الذهنية تؤثر تأثيراً بالغاً على سلوكه، فالمعاصي والذنوب أكثرها تخطط ذهنياً قبل تطبيقها، فالسارق يخطط للسرقة ذهنياً ويرى مسرحية ذهنية يرى فيها نفسه يسرق وكأنّه بطل التمثيلية ثمّ يطبق مصداق التصور بسرقة على أرض الواقع. لذا ينبغي للمؤمن أن يسيطر على الصور الذهنية المشكلة للخريطة الذهنية ويهذب القوى الخيالية لأنّ الخيال طائر لا يمتلك قدرة التمييز بين الغصن المسموم وغيره إلا إذا خضع للعقل. ولابدّ لهذه الخريطة الذهنية، من صمّام يمنع وصول الصور والأصوات والأفكار والأوهام الشيطانية للمملكة الذهنية، حتى تكون مملكة الإنسان الذهنية نقية ولا تحرك مؤججات الحركة الجوانحية بسوء يتترجم جوارحيا كمعصية واثم.

2-    إدارة الجوانح مادة Amygdala:

تفرز "الاميغادالا" مادة تنضج المحفزات الجوانحية دافعةً الجوارح والأعضاء البدنية للميل إلى الاستجابة السلوكية للمحفز. والسيطرة على هذا البعد يهب الإنسان قوة وعزيمة تعنيه حضارياً وتضبطه سلوكياً فالإنسان إذا لم يسيطر على الميول والأمزجة يعبد هواه يطيع بطنه وفرجه وتحول إلى حيوان آدمي لا إنسان آدمي.

3-    إدارة الجوارح:

وهي السيطرة على السلوك، وهي المرحلة الأخيرة فالسلوك ترجمة للأفكار الخاطئة الأوهام الشيطانية والشهوات والميول والأمزجة وكلّ ما يجول بباطن الإنسان. السلوك مرآة الباطن فتأكد من تنقية باطنك.. فالجوارح السليمة تتحرك لمرضاة الله وأوطان تعبّده لأنّها برمجة على مستوى الخريطة الذهنية والإرادة الجوانحية للاستجابة لأمر الله بعد أن تُشرّب الوجدان بحب الله وعشقه. ►

 

المصدر: كتاب التحفيز الإيماني

ارسال التعليق

Top