• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإسلام.. منهج الله الرشيد

عمار كاظم

الإسلام.. منهج الله الرشيد

ورد في محتوى حديث لعليّ أمير المؤمنين (ع): "إنّ الله خلق الملائكة من عقل بلا شهوة وخلق الحيوان من شهوة بلا عقل وخلق الإنسان من عقل وشهوة: فمن غلب عقله شهوته صار أفضل من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله أصبح أسفل من الحيوان". إنّ كلاً من الملك والحيوان لا يملك إلّا قوة واحدة. الأوّل يملك قوة العقل فقط ولذلك فهو لا يعرف معنى للمعصية والتمرد وقد جاء في القرآن وهو يتحدث عن الملائكة ما يؤكد ذلك في الكثير من الآيات منها قوله تعالى: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6)، وأما الحيوان فهو يملك قوة الشهوة وهي تتحكم وتسيطر عليه وتسوقه إلى أغراضه وأمّا الإنسان سيد المخلوقات وخليفة الله فهو يحتضن القوتين معاً في وجوده انّه ذو قوة ثنائية عقل وشهوة وهاتان القوتان في الإنسان في حالة صراع محتدم فإن كانت الغلبة للعقل وأصبح زمان أفعال وتصرفات الإنسان تحت قيادته فإنّ هذا الإنسان سيكون أفضل وأشرف من الملائكة لأنّ الإنسان لم يصل إلى هذه الحالة حالة تغليب العقل على الشهوة إلّا بالإرادة والاختيار والمجاهدة المتواصلة بخلاف الملائكة التي لا تجد مقاومة الشهوات وهي تمتثل لأوامر الله هذا عندما تكون السيادة والقيادة للعقل واما عندما يكون زمام الإنسان بيد الشهوات ويغدو في تصرفاته وأعماله منقاداً لها فإنّه بذلك يصبح أسفل من الحيوان... لماذا؟ لأنّ الإنسان يملك القوة الثانية قوة العقل ويتمكن بها من مواجهة الشهوات وينتصر عليها ولكنه فشل في ذلك فاستحق مرتبة أسفل من مرتبة الحيوان ذي القوة الواحدة قوة الشهوة. انّ هاتين القوتين المودعتين في طبيعة الإنسان واحتدام الصراع بينهما يجعل الإنسان عرضه للوقوع في الخطأ ومجانبة الطريق المرسوم خصوصاً إذا علمنا بالضعف الذي عليه هذا المخلوق.

إنّ قوة الشهوات والغرائز وتمكن الضعف من داخل الإنسان وشدة الإغراءات من خارجه في الحياة هي التي تجعل الخطأ أمراً مألوفاً في حياة هذا المخلوق، يقول خاتم الأنبياء: "كلّ بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوَّابون". إنّ الخطأ الذي يقع فيه الإنسان أو الذنب انما هو عبارة عن مخالفة للقوانين الإلهية المرسومة بالانقياد وراء الأهواء والرغبات والشهوات ويعد حب الدنيا رأس كلّ خطيئة في الإنسان إنّ الكذب والغيبة والقتل بغير الحقِّ والسرقة وسوء الخلق والغناء وأكل السحت وعقوق الوالدين والزنى وشرب الخمر وغيرها من عشرات الحالات إنّما تشكل خروجاً واضحاً صارخاً عن المرسوم في منهج الله.

إنّ العليم الخبير لم يترك هذا الإنسان سدى بدون منهج لم يتركه لوحده يتخبط في دياجير الظلام ومتاهات الضلال وإنما أوضح له السبيل وأرسل له الرسل وأي خروج على إرادة الله وإرادة رسوله وأي مخالفة لمنهجه تعد ذنباً. إنّ الذنوب التي يرتكبها الإنسان في حياته تشكل بقعاً سوداء في قلبه حتى إذا ازدادت هذه الذنوب وتراكمت وأصبح بعضها فوق بعض لم يعد الإنسان كما يريده خالقه متناغماً مع أشياء هذا الوجود.

إنّ هذا الوجود سائر ضمن قوانين الله المحددة وعندما يخرج الإنسان بالذنوب على قوانين الله وطاعته فإنّه سوف يعيش الشقاء والتعاسة والضنك والقلق، جاء في الحديث الشريف: "ما من شيء أفسد للقلب من الخطيئة.

إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما يزال به حتى يغلب عليه فيصير أعلاه أسفله" وفي حديث آخر "كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون"، وعن أمير المؤمنين عليّ (ع): "وايم الله ما كان قوم قط في خفض عيش فزال عنهم إلّا بذنوب اقترفوها لأنّ الله ليس بظلام للعبيد"، وعن الإمام الباقر (ع): "إنّ الله قضى قضاء حتما: إلّا ينعم على عبد نعمه فيسلبها إياه حتى ثحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة". إنّ الذي يقف وراء أخطاء الإنسان وذنوبه وآثامه هي الأهواء ولذلك نجد الإسلام منهج الله الرشيد يحذر من هذه الأهواء وسيطرتها. يقول القرآن العظيم: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10). ويقول: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعات/ 40-41).

وجاء في أحاديث العترة الطاهرة أحاديث عديدة بهذه الصدد منها: "احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم". ومنها: "مَن أطاع هَواه أعطى عدوه مناه". ومنها: "لا تدع النفس وهواها فإنّ هواها رداها". ومنها: "إن اطعت هواك أصمك وأعماك". ومنها: "اتق معاصي الله في الخلوات فإنّ الشاهد هو الحاكم". ومنها: "أشجع الناس مَن غلب هواه". إنّ الذنوب التي يحذر منها منهج الله هي الذنوب بكلِّ مراحل صيرورتها ابتداء من التصور والرغبة وانتهاء بالممارسة والفعل.

فقد قال أمير المؤمنين (ع): "صيام القلب عن الفكر في الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام". وقال الإمام الجواد (ع): "لا تكن ولياً لله في العلانية وعدواً له في السر". وينقل لنا الإمام الصادق (ع) عن رسول الله عيسى (ع) انّه كان يقول: "إنّ موسى أمركم أن لا تزنوا وأنا أمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا، فإنّ من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق فأفسد التزاويق والدخان وإن لم يحترق البيت". إنّ الذنوب في صورتها الظاهرة والباطنة قبل ظهورها ذات خطر كبير على حياة الإنسان فرداً كان أو مجتمعاً وقد سقطت أمم عديدة في التاريخ وهوت إلى الحضيض وتراجعت إلى الوراء بسبب الذنوب ويحدثنا أصدق القائلين في كتابه المبين عن تلك الأُمم البائدة فيقول: (أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (الدخان/ 37). ويقول: (كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) (الأنفال/ 54).

وإذا كانت الذنوب بهذه المثابه من الخطورة على حياة الفرد والأُمّة لزمت التوبة لإعادة الإنسان الحائد الزائغ إلى الطريق السوي لينسجم مع أشياء هذا الكون الذي يعيش فيه لينعم بالخير والسعادة واليسر ولهذا شجع منهج الله التوبة لمعالجة ما ينجم عن الذنوب من آثار وخيمة فقد جاء في كتاب الله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر/ 53).

وجاء في أحاديث العترة الطاهرة: "كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون"، ويشتد هذا التشجيع والحث للعودة والتوبة إلى الله في الفرصة الذهبية الممتازة شهر رمضان حيث يقول الرسول الرؤوف الرحيم (ص) في خطبته التاريخية: "وتوبوا إلى الله من ذنوبكم.. فإنّ الشّقيّ مَنْ حرّم غفران الله في هذا الشهر العظيم".

ارسال التعليق

Top