• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإعلان المرئي بين صناعة الدهشة وجاذبية الإستهلاك

د. حسين الأنصاري

الإعلان المرئي بين صناعة الدهشة وجاذبية الإستهلاك

◄بات الإعلان يحتل مساحات كبيرة من أوقات البث المرئي لاسيما بعد التقدم العلمي والتقني الذي إنعكست معطياته على جوانب العملية الإتصالية ودرجة تأثيرها المباشر وغير المباشر، على فئات الجمهور، ونتيجة الزيادة الفائقة في الإنتاج وتنوع السلع والخدمات التي تعج بها الأسواق إرتفعت حدة المنافسة بين المنتجين والمسوقين وبالمقابل إرتقى وعي المستهلك وإختلفت حاجاته وتفاوتت رغباته وفقاً لطبيعة الدوافع والمؤثرات التي تحيط به، ومن هنا إنتبه المعنيون بشؤون الدعاية والإعلان إلى ضرورة تطوير الأنشطة الترويجية من ناحية الفكرة والشكل والمضمون لزيادة التأثير وكسب المزيد من الزبائن.

  -        إعلانات مختلفة: وتميز الإعلان التلفزيوني من بين الأنواع الإعلانية نتيجة الإمكانات التي تتوفر في هذه الوسيلة نتيجة تضافر عناصرها حيث الصوت والصورة واللون والحركة ما يدعم بنية الإعلان ويغني الرسالة الموجهة للجمهور المستهدف فنياً وجمالياً وهكذا صارت القنوات الفضائية المحلية منها والعربية تمطرنا بين فقرات برامجها بوابل من الإعلانات المختلفة تلك التي لا تميز بين كبير وصغير، امرأة أو رجل فالتجار المسوقون لا هم لهم سوى كيفية إقناع الزبائن من المشاهدين ببضاعتهم من أجل مزيد من الربح. وبغض النظر عن نوعية ومستوى المنتوج لأنّ الإعلان سيكون كفيلاً باعلاء شأنه من خلال إستخدام أشكال المبالغة والخدع والمشوقات وتوظيف مختلف أفعال التفضيل من فصيلة الأحسن والأقوى والأجود والأجمل والأرقى ما تمت صناعته في العالم. إلى جانب تلك الصور التي يتفتن بها مخرجو الإعلانات أو كتاب أفكارها الذين باتوا اليوم يشكلون الجانب الأهم في هيكلية البنى الإنتاجية والتسويقية للقنوات التلفزيونية التي تعتبر الإعلان مصدراً أساسياً لتمويل برامجها وتحقيق أرباحها. وإذا تجاوزنا الجانب الإقتصادي للإعلان ومردوداته ونتوقف عند التأثيرات السلبية على المشاهد لاسيما حين يقدم أثناء فترات عرض المسلسلات الدرامية أو العروض الرياضية وهي أوقات ذروة المشاهدة أو ما ما يسمى بالفترات الذهبية خاصة في شهر رمضان المبارك حيث تتم إعادة الفترة الإعلانية لمرات عدة تكاد أحياناً تكون أطول من مدة حلقات المسلسل ذاته إنها تتخلل أحداثه وتقطع أوصاله فتكون بمثابة ضغوطاً مزعجة في الرسالة التواصلية جراء الإنقطاع المتكرر ما يدفع المشاهد إلى تغيير القناة باحثاً عن برنامج آخر هرباً من ملل الإعادة. هذا ينطبق على الإعلانات المباشرة أما غير المباشرة فهي الإعلانات التي تستخدم فيها طرق مبتكرة وآليات أخرى من شأنها أن تحقق جاذبية لإقتناء السلع التي يتم الاعلان عنها كأن يتم إجراء تخفيفات محددة لأسعارها أو إبتكار في طريقة عرضها أو اعتماد ضمانات لجودتها وتقديم هدايا إضافية في حالة الشراء بنسب معينة وما إلى ذلك من وسائل الاغراء.   -        التأثير العاطفي: يدرك صناع الإعلان إن وصول المنتوج للمستهلك لابدّ أن يمر عبر بوابة الإعلان من هنا وضعوا في حساباتهم كيفية تحقق الأثر لدى المتلقي من أجل الوصول إلى غاياتهم الترويجية وتحقيق أعلى نسبة من الجذب الإستهلاكي لذا فهم يدرسون بعناية السلوك الإستهلاكي من خلال سوق العرض. والطلب ويراعون الجوانب النفسية والإجتماعية والمستوى الثقافي والفئات المستهدفة من كلا الجنسين من ناحيتي العمر والوظيفة إلى جانب فترة توقيت البث، من خلال هذه المعطيات تتم صناعة الإعلان وتبرمج عقول المستهلكين في ضوء تقديم صورة المنتج أو الماركة التي توفرها المراكز التجارية. إنّ عملية التأثير العاطفي تنطلق من خلال توليد الشعور بالحاجات وتوفير الدافعية لإقتناء السلع المعلن عنها انّها لحظة إستمالة المشاهد وإتخاذ القرار أو اللحظة التي تلبي الحاجة النفسية أكثر من الناحية الإستهلاكية العابرة في حياة الزبون وهنا يكون المضمون الرمزي له دور في إختراق بنية الذات وتكوين التحفيز النفسي وكأنه السحر المتخيل للزمن والفضاء والعلاقات والرموز التي تحتويها المادة الإعلانية الموجهة إلى جموع المشاهدين.   -        التعرض الإعلاني والسلوك الإستهلاكي: هناك علاقة وشيجة بين كم المشاهد للإعلان ودرجة التأثر به وكلما زاد التعرض للإعلان إنعكس ذلك على السلوك الإستهلاكي لاسيما حين يتوفر الإعلان على مقومات الصناعة الإحترافية لبنية الإعلان المرئي من حيث الكثافة المعلوماتية وحداثتها والتي ينبغي أن تصاغ بفترة قصيرة محسوبة زمنياً عبر لقطات سريعة جدّاً لا تستغرق على الشاشة سوى بضع ثوان فضلاً عن مستوى مصداقية الرسالة الموجهة وكذلك طريقة المعالجة الإخراجية ومدى توفرها على عناصر الجذب والتشويق مثل إستخدام الصوت والمؤثرات الموسيقية والصوتية والحركية بما يحقق المتعة والإقناع بعيداً عن الإسفاف الذي نراه في الكثير من الإعلانات حيث السذاجة الواضحة في طريقة العرض والإعتماد على الرموز الجنسية والصور المغرية لإغراء المستهلك كما يحصل في عروض الإعلانات النسائية والأسرية أي ما يتعلق بمواد التجميل والأزياء والسياحة وغيرها وهو ما يسىء للذوق العام ويخدش الحياء سواء بشكل ظاهر وصراخ أو من خلال الإيحاء وهذه التوظيفات غالباً ما تكون خارج سياق محتوى المنتج الأمر الذي يحرف إتجاه الإعلان ويقوده إلى تأويلات ومقاصد أخرى بعيداً عن الهدف المطلوب.   -        بريق النجومية والماركات الإعلانية: يسعى القائمون على وسائل الإعلان إلى تغيير إستراتيجياتهم الإعلانية مع طبيعة التحولات والمتغيرات الإجتماعية معتمدين بذلك على ما يقدمه علم النفس الإجتماعي من رؤى وإقتراحات لذا وجدوا في ناحات البعض وسيلة ناجحة يمكن الإفادة منها في التأثير على الجمهور وذلك من خلال إستثمار النجوم سواء في مجال الرياضة أو الفن للإعلان عن منتج ما وبذلك يمكن استقطاب محبي أو جمهور الفنان أو الرياضي لإقتفاء أثر نجمهم اللامع في الحصول على السلعة التي روج لها. وحصل تطور أخر في صيغ الإعلان حيث أصبح لرمز الشركة المصنعة – الماركة – حضور لافت كما هو الحال مع ماركات مطاعم الماكدونالد وأنواع سراويل الجينز أو أحذية الرياضة والحقائب وغيرها ومع مرور الوقت ترسخت هذه العلامات وأضحت شيئاً من قبيل الرمز الموثوق الذي يجتذب الجمهور ويحقق الأرباح. أما اليوم فقد أصبحنا نعيش إفرازات زمن العولمة بكل ما تزخر به من ملامح التقنية والإتصال والإنفتاح والغاء الحدود والتجارة الحرة والتنافس التسويقي انّه زمن الوفرة وطغيان الإستهلاك وصار للإعلان أهمية قصوى في الحراك الإقتصادي العالمي بل أصبح جزءاً مهماً من ثقافة العصر الاستهلاكية. وأمام هذا المارد الإعلاني الذي بات يحاصرنا عبر الشاشات وعلى الجدران وفي واجهات الشوارع والساحات وحتى من خلال أجهزة الاتصال الإلكترونية بل دخل في أدق تفاصيل حياتنا إنّه صورة العالم مكثفة أمام أنظارنا ولكن هل نبقى أسرى لرؤى أصحاب الإعلان وهم يتحكمون بأذواقنا ويفرضون علينا منتجاتهم بكل الصيغ وشتى الأساليب بما فيها تلك التي تسيء للأخلاق والتقاليد والوعي وتعمل على ترسيخ ثقافة الفرجة العابرة والتبضع الاستهلاكي المفتوح والمستمر دون مراعاة للحاجات الحقيقية والمنطقية، أليس من مهمة التلفزيون أن يحقق الوظيفة الثقافية والتنويرية إلى جانب الوظائف الإخبارية والإعلانية الملتزمة شكلاً ومضموناً؟ نأمل من قنواتنا العربية أن تعيد النظر بدور الإعلان وأن لا يكون مجرد وسيلة لتكريس حالة الإستهلاك والإستلاب والمضيء في سلعنة الإنسان بل نأكل أن نشاهد إعلاناً يحترم ذوق الجمهور ويرتقي بالذوق العام يكون بمواصفات تتوفر على الفكر الإقتصادي والشكل الفني تعبيراً وجمالاً.►

ارسال التعليق

Top