الإمام الحسين (عليه السلام) هو الإمام المصُلح والمنقذ والثائر، والقائد الإسلامي الذي أكّد العزَّة في خطِّ الرسالة، فهو في الوقت الذي كان يواجه الأُمّة بالرسالة في مضامينها العقيدية والثقافية والشرعية، كان يريد أن يرتفع بالإنسان، ولا سيّما المؤمن، إلى أن لا يخضع في إرادته لأيّة قوّة تريد أن تسقط إرادته، أو تريد أن تستغل موقعه في بعض حالات التحدّي، لتفرض عليه ما لا يريد أن يقبله. وبعبارة أُخرى، أراد أن يرتفع به إلى أن لا يخضع للاشرعية، لأنّ الله أراد للإنسان أن يكون مع شرعية الإمامة والقيادة والإسلام، فلا شرعية لمن لا يملك معنى الإمامة وعظمة القيادة ورسالية الإسلام.
والحسين (عليه السلام) باعتباره شبل عليّ (عليه السلام) وحفيد النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووليد الرسالة، كان صفحة نقية من صفحات الرسالة، وترجمة حيّة لكلّ منطلقاتها وتصوّراتها، الأمر الذي جعله أوّل مُلبٍ لنداء الرسالة في عصره ليفي بذلك بالتزاماته.. الحسين (عليه السلام) في حياته، وبعد استشهاده، إنسان عظيم تهواه الصدور، وشخصيته الكبيرة هي السدرة التي ينتهي التاريخ إليها مفاخراً بحقّ. ولمَ لا يكون الحسين (عليه السلام) كذلك، وهو مَن انبثق من عظمة النبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان السبط الحبيب، ومن عظمة الرجولة عليّ (عليه السلام) فكان الابن الأريب، ومن عظمة الفضيلة فاطمة (عليها السلام) فكان البضعة التي تعني في الصلة والوصال أكثر ممّا يعنيه القريب.
لم تكن الحركة التي قادها الحسين (عليه السلام)، وجسّدها على أرض الواقع بطف كربلاء، عملاً ذا أُفق ضيّق وغايات محدّدة، وإنّما حركة رسالية وثورة إنسانية شاملة، فالعبر والدروس من واقعة كربلاء لا يمكن حصرها وأهميّتها تكمن في أنّها دروس نتعلّمها من الإمام الحسين (عليه السلام) الإمام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، لأنّ ما يُقال عن علم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يُقال أيضاً للأئمّة المعصومين: أن نثأر لله وحده، لا لانتسابات الدُّنيا، وانتماءاتها وعصبياتها، وصيحاتها، وجاهلياتها. وأن نعطي الدم من أجل أن يبقى الإسلام وحده، لا أن تبقى نظريات الإنسان، وحزبياته وشعاراته وزيفه. أن ننتصر للدِّين، وللمبدأ، وللعقيدة، لا للعصبيات، والقوميات، والعناوين التي صاغتها ضلالات الإنسان، وأهواءه وأن نحمل شعار القرآن ونطبّقه.
أن نرفض الباطل، والزيف، والفساد، والضلال، وأن نرفض كلّ ألوان الانحراف الأخلاقي، والثقافي، والاجتماعي، والسياسي. أن نكون الصرخة التي تواجه الظلم والظالمين، وتواجه البغي والباغين، وتواجه الطغيان والطاغين، وتواجه الاستكبار والمستكبرين. أن نكون المبدئيين الأقوياء الذين لا يساومون، ولا يتنازلون، ولا يسترخون، كقوله تعالى: (ُأَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/ 29)، ولا تعني المبدئية والصلاة أن لا نعيش المرونة والانفتاح والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين.
فالمطلوب أن نكون حسينيين في عزّتنا وكرامتنا، عاشوريين في حرّيتنا وعنفواننا، كربلائيين في تضحياتنا وإقدامنا. ولهذا فإنّ الحسين (عليه السلام) تحوّل من فرد إلى قضية ومشروع، ومن شخص إلى منهج يجيب على كلّ التساؤلات والاستفهامات التي تعترض طريق المصلحين عبر العصور، لهذا فإنّ «الحسينُ مصباحُ الهدى وسفينةُ النجاة».
ثورة الحسين (عليه السلام)، هي ثورة الإنسان بكلّ ما فيه من سُمُو وإباء، والمؤمن بكلّ ما تحتوي عليه كلمة الإيمان من صدق وثناء، والمُصلح بكلّ ما تستلزمه أبعاد الحروف من حقِّ ونجدة ومروءة ووفاء. ثورة الحسين (عليه السلام) ثورة إنسان كمل في إهابه معنى الرشد، وحقيقة الوعي، وروح الإيمان وسرّ العلو المطلق، فتشكّل في حياته دليلاً أميناً لطلاب الحقّ، وبعد مماته أمثولة رائعة حازت شرف الأسوة في خطٍ مشروعٍ نقلاً وعقلاً.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق