• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الانطواء بين الشباب.. خطر يجب التنبه له

انشراح سعدي

الانطواء بين الشباب.. خطر يجب التنبه له
 من العزلة المحمودة إلى العلاقات المشبوهة يردد بعض أولياء الأمور عبارة قد لا يحسبون حسابها بشكل جيِّد: "ابني – ولله الحمد – منعزل لا علاقة له لا بالشارع ولا بأصدقاء"، العبارة نفسها قد ترددها الأُمّهات وهنّ مطمئنات على بناتهنّ بأنهنّ لا يبرحن غرفهنّ ولا تربطهنّ أي علاقة بمثيلاتهنّ، إلى أن يفيقن على كارثة بكل المعايير سببها الوحيد هو الانطواء، سلوك ضريبته مفاجئة ومذهلة تكون دائماً نتيجة لترسبات عميقة. قد يكون الانطواء خياراً لبعض الشاب من الجنسين كتعبير عن عدم تأقلمهم مع المجتمع الذي ينتمون إليه، خصوصاً وأنّه يبدو في ظاهره مسالماً، ولكن هذه العزلة قد تحمل الكثير من السوء في جوهرها.   - أوهام مراهقة: تقول فاطمة الزهراء: بعدما تجاوزت ابنتي لمياء الرابعة عشرة من عمرها، لاحظ الجميع أنّه ليس لها اهتمام إلا بالبقاء في غرفتها للمراجعة فقط، في بادئ الأمر كنت أفرح بهذا السلوك رغم أنّه كان يُغضب الأهل جميعاً، فهي لم تكن ترافقني في المناسبات الخاصة بالأسرة ولا تبقى مطولاً مع الأقارب عند زيارتهم لنا، حتى أن كل الأهل لاحظوا هذا الأمر، ولكني كنت أقول: لا بأس طالما الأمر يتعلق بدراستها، ولكن النتيجة كانت عكسية، إذ تدهور مستواها الدراسي، وأصبحت من التلميذات المتوسطات بعد أن كانت من المتفوقات، وأجمع أساتذتها على أنها لم تعد تبذل أي مجهود في البيت للمراجعة، وكثيراً ما تأتي دون أن تحل واجباتها.. وقع عليَّ الخبر كالصاعقة، كيف لا تحل واجباتها وأنا أراها في غرفتها معظم الوقت وهي جالسة لساعات أمام الكتب؟! وبعد أن تسلل الشك إلى داخلي أصبحت أراقبها، كانت تقف مطولاً أمام النافذة، وبدأت ألهم لماذا لا تغلقها حتى في أيام الشتاء بعد أن لمحتها تلقي برسالة منها، لم أشأ أن أشعرها بأني عرفت الأمر، حتى عرفت بطريقتي الخاصة مَن تقف من أجله أمام النافذة وتتجرأ بأن تكتب له الرسائل، فعرفت أنّه قروي قادم من قرية يعمل مساعداً عند الحلاق الذي في الحق، ويبيت هناك، وتمر أمام محل الحلاقة كل يوم وهي ذاهبة أو عائدة من المدرسة، إلى أن شاهدتهما مرة وهو يعطيها رسالة من النافذة دون أن يتكلم معها، في تلك اللحظة اقتربت منها وفتشت جيوب المئزر والحقيبة حتى عثرت على الظرف، لم أتمكن من تصديق ما كان مكتوباً رغم أني فهمت الرسالة بصعوبة كبيرة لكثرة الأخطاء، والتي كانت مكتوبة بلغة غريبة عني، لغة كلها قلة أدب، أرسلها لبنت لم تتجاوز الرابعة عشرة، ومازالت تعالج عند طبيب الأطفال، رسالة يحرضها فيها على الفاحشة في سبيل الحب، وعندما تحدثت مع ابنتي قالت: إنّه وعدها بأن يتقدم إلى خطبتها بمجرد أن تكبر قليلاً، ولم أستطع حينها أن أصفعها؛ لأني تأكدت أن قد وصلها العديد من هذه الرسائل التي جعلتها تعتزل كل الناس وتعيش من أجل هذا الشخص فقط، وكنت أود أن أمسك كل الحجج بيدي ضد هذا الشخص. وتضيف فاطمة: حاولت أن أوحي لابنتي بأني معها، ولن أخبر أحداً من الأهل حتى يحين الموعد الرسمي، واقتنعت الطفلة بأني أشجعها على هذه العلاقة، وبدأت أطلب منها أن تحكي لي عن هذا الشاب، وكيف تعرفت عليه. تقول أم لمياء: تفاجأت أن طفلتي كبرت وأصبحت تعرف الحب وتلين للكلمة وتبحث عن كلمات الحب، فقد تعرفت عليه أمام بوابة المدرسة المتوسطة حيث كان ينتظرها ويلقي عليها التحية، في بادئ الأمر امتنعت، ولكنها لانت من الرسائل التي كان يرسلها لها، يخبرها فيها أنها أجمل البنات، وأنّه يريدها زوجة له، وما شجعها على القبول – كما روت الابنة لأمها – أن كل بنات المدرسة كن يتمنين أن ينظر إليهنّ، فعلى ما يبدو كان القروي شديد الوسامة ويعرف فنون الإغراء بالكلمة، ويتقن فنون الإلحاح أيضاً، وسلمت الطفلة كل الرسائل لأمها، وذهلت الأم عندما قرأت الرسائل ووجدته يحرضها على عدم مراجعة المواد الدراسية أو كتابة الواجب المدرسي، فهو لا يريدها أن تكمل تعليمها لتصبح مثله، وكانت كل الرسائل تحرضها على اللقاء والهروب من المدرسة، وتحت إلحاح شديد من الأم عرفت أنها خرجت من حصة الرياضة لتلتقي به لمرات عديدة، وهنا عرفت الأُم أن ابنتها في طريق الهاوية كما تقول. وتضيف أم لمياء: أخذت الرسائل ولجأت إلى أخي دون أن يعرف أحد وأعطيته الرسائل وأعلمته أنّ الأمر قد يتفاقم إلى فضيحة لا يمكن أن يتصورها أحد، فلجأ إلى ضابط شرطة صديق له قام باستدعاء الشاب مساعد الحلاق، وأعلمه أنّه متهم بتحريض قاصر على الفاحشة، واقترح عليه حلاً ودياً، أو يختفي تماماً من الحي، وإن حدثت وظهر يتحمل عواقب فعلته أمام قاضي التحقيق. وتقول الأُم: اختفى وبدأت البنت تنتظر أياماً وشهوراً، كان الأمر صعباً بالنسبة لها، لكنني تمكنت بمساعدة خالاتها وبناتهنّ من استرجاعها من عالم العزلة الذي وضعتها فيه هذه العلاقة غير المنطقية، وتمكّنا من إنقاذ ابنتنا بالحنكة والذكاء.   - الانطواء.. أسباب وحلول: يقول الدكتور "علي طاف" أستاذ علم النفس بجامعة الجزائر: إن أسباب الانطواء عديدة، من أهمها عدم القدرة على التكيف مع الآخرين، والتعرض لمعاملة قاسية سواء من الوالدين أو المدرسة، وكراهية الطالب للبيت أو المدرسة، إضافة إلى وجود عاهات جسمية. ولتفادي هذا السلوك يتوجب الاهتمام بالتنشئة الحسنة للأطفال، حتى يشبوا دون عقد نفسية، وإعطاء الطالب الثقة في نفسه ومعاملته المعاملة الحسنة، وترغيبه في المدرسة، مثلما يتوجب حصر ذوي العاهات ومساعدتهم وتوجيه المعلمين للاهتمام بهم.     - خلوة مفيدة: ويقول حسن عرباوي قد يحتاج الشاب والشابة للخلوة بعض الوقت، شرط استثمارها بما يفيد، وقد كنت أجلس ساعات طويلة وحدي رافضاً أن يزعجني أحد، وخلال هذا الوقت كنت حريصاً على ممارسة هوايتي في القراءة، فالانطواء أو العزلة يجب أن تكون إيجابية بالحرص على ممارسة هواية مفيدة، كالقراءة أو الرسم أو الرياضة أو أي عمل يدوي وغيرها. ويضيف: تضايق والداي من وحدتي، وكانا لا يكفان عن التساؤل عن سرها، وعندما عرفا أنني أنعزل لأقرأ الكتب بدأت المراقبة اليومية على الكتب التي أقرؤها، والآن فقط فهمت حرصهما وأسبابه بعد أن تقدمت بي التجربة في الحياة.   - عزلة داخلية: ويشاركه في الرأي الشاب "عمر"، مؤكداً أنّ العيب ليس في العزلة بحد ذاتها بل في إساءة استغلالها، ويروي عمر تجربته مع الوحدة ورقابة الأهل، فيقول: يرفض والداي أن أجلس وحدي ويفرضان علي أن أكون معهما دائماً، أشاهد ما يشاهدان وأستمع لأحاديثهما.. ولكني وبوجودي معهما أكون منطوياً على نفسي لا أشاركهما لا الحديث ولا المتعة، ولكنهما يعتقدان بأنهما يراقباني وأنا جالس أمامهما كالتمثال، ويقول: رغم أني بين أسرتي طوال الوقت، إلا إنني أعيش في عزلة داخلية ولا أحد يفهمني.   - سلاح ذو حدين: في حين تقول سلمى: العزلة سلاح ذو حدين؛ فهي مفيدة وضارة في آن معاً، مفيدة إن كانت بالقدر المعقول الذي يحتاجه كل شخص يرغب في ممارسة هواية محببة إلى قلبه، ولكنها ضارة إن زادت عن حدها، وامتدت لساعات، فالإنسان بطبعه ولا يمكنه العيش بمعزل عن الآخرين، وتساءلت: تخيلوا حال شخص وجد نفسه وحيداً في جزيرة معزولة عن العالم.. رغم جمالها ستقتله الوحدة. وتضيف سلمى: على الأسر حماية أبنائها من الوحدة، فالأبناء يحتاجون صداقة الوالدين ومحاورتهما، وبعض الشباب خجولون بطبعهم، وتلهب سياط الوحدة قلوبهم، ويعجزون عن تكوين الصداقات التي تعينهم على قتل الوحدة، لذلك فإنّ الأهل تقع عليهم مسؤولية مساعدة الأبناء لتكوين هذه الصداقات واختيارها وتقريبها من الجو العائلي كي تشعر بالمسؤولية ولا تنقلب الصداقات إلى لعنات على الأبناء وأسرهم.   *كاتب من الجزائر

ارسال التعليق

Top